«كافكا على الشاطئ». . مخيلة نلهث للحاق بها
كل شيء ممكن في أدب الياباني هاروكي موراكامي، كل الأحداث تصحو فجأة، وتمضي متدافعة تسبق وتلحق بالشخصيات في رواية «كافكا على الشاطئ» الصادرة في ترجمة عربية لإيمان رزق الله، وعن المركز الثقافي العربي في بيروت، ضمن مشروع «كلمة» الذي أطلقته هيئة الثقافة والتراث في أبوظبي.
تبدأ الرواية من هرب كافكا الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره من بيت والده، دون أن يتوقف هذا الهرب أبداً، حتى ومع نهاية الرواية، فمع كل مفصل في رواية «كافكا على الشاطئ» ثمة حدث يستدعي الهرب مجدداً، ذلك أن كافكا هارب أبدي من نفسه التي يتحراها وهو في خضم الأحداث، هذا الهرب الذي نغوص من خلاله في أعماق شخصيات جديدة يقع عليها كافكا، يقع في حبها، يطبق عليه جنونها، ويأخذها إلى عوالم لا فاصل فيها بين حقيقتها وخيالها، مع انحيازها التام لأن تكون غرائبية.
ناكاتا يتحدث مع القطط، ونتعرف إلى أنه أحد الناجين من الحادثة الغريبة التي نتعرف إلى فصولها منذ بداية الرواية، والمتمثلة بسقوط تلاميذ فصل كامل مغشياً عليهم أثناء نزهة مدرسية لجمع الفطر، دون أن يكون خلف تلك الحادثة إلا مرور جسم معدني غريب فوقهم، وعليه تكون القطط شخصيات لها حوارها في الرواية، طالما أنها تتحدث مع ناكاتا، ولتظهر شخصية عجيبة اسمها جوني واكر يكون جزار القطط، ولنكتشف بعد مقتله على يد ناكاتا أنه والد كافكا، وهو نحّات شهير، وصولاً إلى المكتبة التي يستقر فيها كافكا، وموظف المكتب المخنث، والآنسة سايكي التي يقع في حبها، واعتقاد راسخ يرافقه بأنها أمه، سايكي التي تكون قد توقفت لديها الحياة بعد وفاة حبيبها، وقد غنت له أغنية غامضة وعجيبة عنوانها: «كافكا على الشاطئ».
كثيرة هي الشخصيات والأحداث والمصائر التي تطالعنا بها الرواية، ولعل المتعة لا تفارقها جميعاً، إذ نقع عليها دائماً وهي مشتبكة مع أحداث أخرى، أو ان الشخصيات تمضي بحرية نحو مصائر من الصعب توقّعها؛ ذلك أن احتمالات مساراتها غير منجزة مسبقاً، بل إن موراكامي يشاركنا إياها، متيحاً لنا أن نكتشفها معه. «كافكا على الشاطئ» درس في المخيلة المنضبطة والمنفلتة في آن معاً، على ما يتجاوز الـ700 صفحة، هيكل روائي رصين يتحرك فيه السرد حراً طليقاً، للشخصيات أن تبني عوالمها بنفسها، ولها أيضاً أن تمضي بالمخيلة إلى نهاية مفتوحة. |