كرزاي: دول عدة تحمي بعض أمـــــــراء الحرب

كرزاي: أعضاء في المجتمع الدولي مرتبطون بعناصر فاسدة.     أ.ف.ب
 

 تعرض الرئيس الأفغاني حامد كرزاي لانتقادات شديدة لأنه لم يفعل ما يكفي لمكافحة الفساد المستشري في أفغانستان، وتحدث الرئيس إلى مجلة «ديرشبيغل» الألمانية عن علاقات قوات التحالف مع امراء الحرب، والشائعات حول نفوذ عائلته، ولماذا يعتقد أن الصفقات القذرة ضرورية أحياناً.

دير شبيغل: السيد الرئيس كتب الكثير عن حالات الفشل التي مُني بها المجتمع الدولي في أفغانستان، ولكن جزءاً كبيراً مما يطلق عليه التمرد، في جنوب وشرق أفغانستان، يبدو كأنه حركة احتجاج على حكومة سيئة ونخبة سيئة، وليس من قبيل المبالغة القول إن طالبان يتزايد نفوذها.
 
 أليس حقيقياً أن العديد من الأفغان ينضمون الى طالبان، فقط لأنها ليست فاسدة؟
حامد كرزاي: لا أتفق مع هذا الكلام، انه خطأ بصورة شاملة.
 
دير شبيغل: يقول بعض الأفغان إن الرئيس نفسه الذي يعين كبار الموظفين في كابول والأقاليم، هو الذي يؤجّج التمرد عن طريق تعيين هؤلاء الناس، هل هذه حقيقة؟

كرزاي: تحسن الحكم بصورة كبيرة في أفغانستان، وللمرة الأولى منذ ست سنوات، باتت الميزانية الأفغانية شفافة ومعروفة للجميع، ولم تعد هناك أي تمويلات سرية.

كان حكام الأقاليم في السابق يفعلون ما يحلو لهم، ولكن الآن ثمة حاجة إلى تبرير كل الأعمال، وهناك حكام سابقون كانوا مجرمين او فاسدين يقبعون الآن في السجون مثل الحاكم السابق لإقليم باغديس. وبالطبع فإن الدولة تحتاج الى المزيد من الوقت كي تتحسن الامور افضل، ولكن المشكلات التي نعاني منها في الجنوب والشرق ليست بسبب الحكم السيئ.

دير شبيغل:إذن ما سبب الوضع المتأزم هناك؟

كرزاي: هناك الكثير من التدخلات الخارجية، ولطالما كان الجزء الجنوبي من البلاد مركزا لنشاطات طالبان الذين جاؤوا اصلا من هناك. وهناك ايضا آثار لمعارك المجاهدين التي استمرت عقودا من الزمن، وهذه جميعها عوامل مساعدة.

دير شبيغل: يشتبه البعض في أن اقرب مساعديك يسرقون الاراضي، ويهرّبون المخدرات، ولديهم ميليشيا غير شرعية، ومنهم حكام أقاليم محترمون وقادة شرطة، وكان النائب العام عبدالجابر سابت، قد ذكر اسماء بعض هؤلاء، بمن فيهم حاكم نانغارهار، لماذا  تواصل حماية هؤلاء الناس؟
 
كرزاي: انا لا احمي أحدا، نحن نحاول ان نحكم أفغانسـتان ونجلـب لها الأمن والسـلام والاستقرار، اعرف المشـكلات الناجـمة عن الشرطة، لقد وافق المجتمع الدولي اخيرا بعد عامين من التوتر والمفاوضات الغاضبة على أن الشرطة تشكل مشكلة، ومنذ منتصف عام 2007 بدأوا يعملون معنا، وقد أنشئت نقاط التفتيش في الشوارع، ايام الاحتلال السوفييتي، حيث كانت البلاد في ذلك الوقت بلا قانون وأنشأ حكام المناطق نقاط تفتيش تابعة لهم من اجل جمع الاتاوات.
 
 دير شبيغل: لكن أثناء حكم طالبان لم يكن هناك أي نقاط تفتيش بتاتا؟ كرزاي: كان ذلك افضل انجازات طالبان، لقد فعلوا الكثير من الاشياء الخطأ، ولكنهم فعلوا بعض الأشياء الجيدة أيضا. وأنا أتمنى ان يكون لدي جنود مثل طالبان. وأتمنى ان يخدموني وليس باكستان والآخرين. وعندما رجعنا الى أفغانستان، أعاد المجتمع الدولي جميع هؤلاء الذين هربوا من طالبان.

دير شبيغل: تعني تلك القيادات الوحشية التي حاربت في الحرب الاهلية؟
كرزاي: لقد أصبحوا وقتها شركاء مع التحالفات الأجنبية، ولا يزالون يدفعون لهم حتى الآن من اجل تقديم الدعم لهم، وليس من السهل دائما بالنسبة لي ان أجد طريقة يمكن ان تجعل الادارة الافغانية قادرة على ان تقوم بوظيفتها.

دير شبيغل: هل تعتقد ان الصفقات القذرة لا تزال ضرورية من اجل استقرار أفغانستان؟  كرزاي: بالتأكيد ضرورية، لأننا نفتقر الى القوة لحل المشكلات بطرق اخرى، مالذي تريدونه ؟ الحرب؟ دعوني اقدم لكم مثالا: اردنا ان نعتقل احد أمراء الحرب  المزعجين جدا، ولكننا لم نستطع ذلك لأنه تحت حماية دولة معينة واكتشفنا انه يتلقى30 الف دولار شهريا كي يبقى في ذلك الجانب، حتى انهم استخدموا جنوده حراسا.

دير شبيغل: تبدو هذه قصة القائد ناصر محمد في إقليم بادخشان، وهو الاقليم الذي يرابط فيه الجنود الالمان؟

كرزاي: لا اريد ان اذكر اسم تلك الدولة لأن ذلك يمكن ان يؤذي اصدقاء مقربين او حلفاء، ولكن هناك العديد من الدول الاخرى التي توقع عقودا مع الميليشيات الافغانية وقادتها، وبناء عليه فإنني استطيع ان اعمل فقط حيث سلطتي وعلي ان احسب مايمكن ان يحدث قبل ان أقوم بأي شيء.

دير شبيغل: هناك قائمة بعدد من كبار مهربي المخدرات وعدد من الشخصيات المعروفة جيدا في المؤسسة الحاكمة، وبعضهم من مستشاريك، وآخرون من حكومتك ايضا. لماذا لم نشهد محاكمة شخص واحد من هذه الشخصيات البارزة؟

كرزاي: هذه القائمة مجرد اسطورة وأنا لم اتلق مثل هذه القائمة، لقد طلبت من المجتمع الدولي ان يرسلها، ولكنهم لم يرسلوا شيئا.

دير شبيغل: وزير الداخلية السابق في حكومتك علي احمد جلالي  يزعم انه يملك مثل هذه القائمة.

كرزاي: عندها يتعين عليك ان تبحث عنها في ارشيف وزارة الداخلية. كما ان ماقلته ليس صحيحا ، فالكثير من المهربين تمت محاكمتهم، لماذا تذكر قول جلالي عن انه يملك هذه القائمة؟
 
دير شبيغل: لأنه ذكر ذات مرة علانية انه يملك فعلا مثل هذه القائمة. هل تشك في صدقيته لأنه كان احد الوزراء الذين تورطوا في فضيحة فساد تتعلق بتحديد الاراضي المخصصة للبناء في كابول؟ 
 
كرزاي: بعض اعضاء المجتمع الدولي مرتبطون بقوة مع عناصر فساد ويستخدمونهم مصادر لهم. دعني اخبرك عن قضية اخرى: قام احد حلفائنا في التحالف بإعطاء احد قادة الميليشيات في جزء آخر من الدولة ارضا ومالا من اجل شراء ولائه. فهل يتعين علي ان اجلبه الى المحاكمة؟ هل يتعين علي ان اجلب السيد جلالي الى المحكمة؟

دير شبيغل: ولم لا؟

كرزاي: انت لا يمكن ان تتوقع ان نعاقب افغانيا عاش كل حياته في هذه البلد ، وعانى وضحى بعائلته، وقدم الدم لبلده، لأنه ارتكب جريمة بسيطة او فسادا صغيرا. والشخص الذي عاش كل حياته خارج الدولة ورجع مع قوات الحلفاء ونهب البلد ، يمكن ان ينجو بذلك ؛هذا لن اسمح بحدوثه.

دير شبيغل: منذ ان وصلت الى منصب رئيس الجمهورية، اصبحت عائلتك ناجحة جدا في مجال الاعمال، وكذلك في السياسة. وشقيقك محمود كرزاي هو المدير التنفيذي حاليا لشركة اسمنت في بولي خومري في الشمال الغربي، وهو الامر الذي اثار حسد العديد من المنافسين.وهناك شقيقان آخران هما قيوم وأحمد والي ، وهما سياسيان قويان في الجزء الجنوبي من البلد. ويقول كثيرون هناك إنه لايمكن اتخاذ اي قرار دون موافقة عائلة كرزاي.
 
 هل يوجد اي شيء من الصحة في ذلك؟

كرزاي: هذه ترهات، احمد والي اتهم بتجارة المخدرات، وحققت بصورة شاملة في جميع هذه التهم، وبالطبع لم يكن اي منها صحيحا. وكان محمود رجل اعمال منذ سنوات عدة، حتى انه يحمل جواز سفر اميركيا. وكان ناجحا جدا هناك  وجمع الكثير من المال. وعاد عندما دخلت الولايات المتحدة الى أفغانستان. والآن اصبح المدير التنفيذي لمصنع اسمنت وليس هناك اي خطأ في ذلك. دير شبيغل: وهو رئيس مجموعة كبيرة من المستثمرين تنفذ اعمالا كثيرة في أفغانستان.
 
هل من المفيد ان يكون مثل هذا الرجل احد أقرباء الرئيس؟

كرزاي: بالعكس.لقد أسهمت في تعقيد الامور لهم، لأني اصعب الامور عليهم جدا، حقا اجعلها صعبة جدا. وينطبق ذلك على محمود ايضا وهو تحت رقابة مشددة ليس من قبلي فحسب، وإنما من قبل الوزارء ايضا، الذين طلبت إليهم مراقبته على نحو صارم.

وينطبق الامر ذاته على احمد والي، وقد ظهرت القصص التي تدور حول تورطه في تهريب المخدرات في عام 2004 بعد الانتخابات الرئاسية، وظهرت القصة في صحيفة «نيويورك تايمز».
 
واتصلت بالسفير الأميركي في الحال، والمخابرات الاميركية والبريطانية والاوروبية، ودعوتهم خمس مرات وقالوا لي «السيد الرئيس ان هذه مجرد شائعات، وربما حملة تشويش» ولم يقدم احد اية ادلة، ولا شيئا.
دير شبيغل: يعدّ الجنوب مركز تهريب المخدرات. ولكن هل من الممكن ان يكون احمد والي كرزاي، احد اكثر السياسيين نفوذا في قندهار، والذي يقود مجلسا اقليميا، ليس لديه ادنى فكرة عما يجري حوله او ليس له اي علاقة به؟

كرزاي: نعم ممكن جدا، فعائلتنا تمتعت بالنفوذ في هذا البلد منذ اكثر من 300 عام. وأنا رئيس أفغانستان الآن، ولكني لا املك ادنى فكرة عن المتورطين في تجارة المخدرات هناك. ولا يمكن القول إن تجارة المخدرات هي المشكلة الوحيدة في أفغانستان والتي يذهب نصيب الاسد من عائداتها الى المافيا الدولية وليس للأفغان.

دير شبيغل: انت تلتقي بصورة منتظمة ممثلي طالبان امثال وكيل احمد متوكل، وزير الخارجية السابق لطالبان، او الملا سيف، السفير السابق لها في باكستان، ولكن حتى الآن لم تتوصل الى اي نتيجة ملموسة، ولا نزال نشهد الهجمات الانتحارية بصورة شبه يومية.

كرزاي: المفاوضات لا تمضي قدما بالطريقة التي نرغب فيها، ولكننا سنواصل ذلك ولن يُسمح لطالبان التي هي جزء من القاعدة بالعودة بأي شكل من الاشكال. ولكن الذين انضموا الى طالبان بسبب الخوف او العوز وهم أبناء أفغانستان الأصليون  نرحب بعودتهم الى بلادهم.
 
دير شبيغل: من المتوقع أن ترشح نفسك ثانية لرئاسة الجمهورية عام 2008؛ لماذا تعتقد بأنك ستكون افضل رئيس؟

كرزاي: انا لا ازعم بأني الأفضل. وأتمنى ان تأتي الفرصة لهذا البلد سريعا كي يجد الأشخاص الذين هم افضل مني. ومع ذلك فإن لدي إرثا وحيدا انوي ان اخلفه ورائي، وهو ارث الحكم الديمقراطي.

دير شبيغل: كونك رئيس أفغانستان هو عمل مرعب، كيف يمكن ان تكون قادرا دائما على التفاؤل؟

كرزاي: اعتقد بأني قدت هذه الدولة بصورة جيدة جدا، وبالطبع فقد ارتكبت بعض الأخطاء، ولكني لم أكن في وضع يمكنني من حل مشكلات مثل الفساد والانفلات. ولكن ذلك كان اكبر من سلطتي وإمكانياتي، ولكننا تمكنا من انقاذ هذه البلاد من حرب اهلية اخرى كما أنقذنا الشعب من الجوع.

والشعب ذاته الذي تقاتل افراده بعضهم ببعض في شوارع كابول، يجلسون الآن معا في البرلمان، ويرفرف علم أفغانستان في جميع انحاء العالم، وهناك طريق جديدة تم إنشاؤها، إضافة الى حصول أول طلاب على شهاداتهم من جامعة كابول منذ سنوات طويلة، وهذا إنجاز كبير.
تويتر