من المجالس

عادل محمد الراشد

 

في مجلس كان أكثر حضوره من المتقاعدين، مدنيين وعسكريين، كان همّ الشعور بالتهميش هو الحاضر الأول، ومن بعده همّ التفاوت المعيشي الذي صار واضحاً بين المقيمين والمغادرين للدرجة أو الرتبة نفسها.

كان أكبر الحضور يلامس الخامسة والخمسين، وقد مرّ على قرار إحالته للتقاعد بضع سنين، وبينهم من لم يغادر الثانية والأربعين، ولم تبدُ على مُحيّا أحد منهم علامات الهرم وآثار الشيخوخة المبكرة. وفي جعبة كل واحد منهم الكثير، والخبرات المتراكمة تم استعراضها بتلقائية المجالس الشعبية واللقاءات الحبيّة.

طاف الخاطر مرتحلاً بين محطات الأحاديث و«السوالف» فرأى طاقات وطنية معطّلة، وأوقاتها مهدرة، وخبراتها غير مطلوبة.. بل غير مرغوب فيها، بالرغم مما بداخلها من تجارب عايشت فترة التأسيس الجبارة، واستمرت في فترات التحوّل والتطور التي وصلت بدولتنا الناهضة إلى ما وصلت إليه.
كانت الشكوى من الإهمال والتهميش أسبق من الشكوى من الراتب والمستوى المعيشي. ففي داخل كل واحد من هؤلاء كان مارد يقول إنه لايزال من الحياة بقية، ولاتزال الطاقة متوهجة، ولاتزال الرغبة في ردِّ الجميل، وخدمة هذا الوطن الجميل، تغالب الدفع إلى الرحيل. سؤال توحّدت حوله العبارات والتعبيرات: لماذا تم الاستغناء عنا وعن خدماتنا؟.

في الجانب الآخر كانت المقارنة حاضرة، ليس حسداً، كما قال أحدهم، ولكنه الشعور بالانتقاص وكأن الحياة حياتان، والمعيشة معيشتان، للمتقاعد فيها نصيب حسب مستواه، ولغيره من أصحاب الدخول نصيب آخر على مقاساتهم. فمدير الإدارة تقاعد على راتب أصبح الآن أقل من راتب حامل الدبلوم في بداية تعيينه، والعميد المتقاعد راتبه لا يساوي راتب وكيل ضابط حديث التعيين، وكلا الاثنين أو الأربعة شركاء في المستوى المعيشي نفسه.

هذا غيض من فيض المشاعر التي تدفّقت في تلك الجلسة العفوية التي أصبح الناس فيها يطلبون المزيد.. وكلما كان.. قالوا هل من مزيد؟  
 
 
adel.m.alrashed@gmail.com
تويتر