الجسمي يستدرج «ريح الشمال» إلى خور فكان

  مشهد يجمع أحمد عبد الرازق وغانم الناصر في «زيبارة» القديمة.  تصوير : خالد نوفل
  
بعد أن قام بمسح للمناطق التراثية بالدولة التي تصلح لاحتضان تصوير مسلسله التراثي «ريح الشمال»، المنتظر عرضه حصرياً على «سما دبي» الفضائية خلال رمضان المقبل، كان قرار الفنان أحمد الجسمي التصوير في منطقة الجزيرة الحمراء في رأس الخيمة، لكن مصادفة اعتبرها حاسمة في مسيرته الإنتاجية، جعلته يكتشف موقع تصوير بكر على ضفاف بحر العرب جهة خور فكان، كان يسكنه أهالي قرية زيبارة، جامعين بين امتهان الزراعة واحتراف الصيد، قبل أن يهجروها منتصف القرن الماضي، مبتعدين باتجاه اليابسة عن مخاطر تقلبات البحر.

 

«الإمارات اليوم» رافقت أسرة «ريح الشمال»،أول من أمس، أثناء تصوير المشاهد هناك، بحضور أكثر من 80 ممثلاً يتقدمهم من الكويت محمد منصور والمصرية المقيمة في الكويت أسمهان توفيق وشهد، ومن البحرين محمد ياسين وشمعة محمد، ومن الإمارات سيف الغانم ومرعي الحليان وعبدالله صالح وعائشة عبدالرحمن، وعدد كبير من فناني الدراما التلفزيونية والمسرحية المحلية. فيما يعود تأليف النص إلى البحريني جمال الصقر والإخراج إلى مواطنه مصطفى الرشيد .

 

ورغم عدم اكتراث أسرة العمل بحكايات غرائبية تتداول بين أهالي منطقة «الزيبارة»، عن أسباب هجر الجدود للقرية القديمة التي ما زالت بعض شواهدها باقية، فإن بعضهم أكد لـ«الإمارات اليوم» عن وقوع عدد كبير من الأحداث غير الطبيعية في تلك المنطقة، منها ما يقصّه مساعد المخرج بطال سليمان «أشجار النخيل الشاهقة تلك المنزوعة السعف بالكامل بشكل مخيف، حاولت أن أقوم بتصويرها بكاميرا ديجيتال عالية الجودة، بعد أن أسرتني بسحرها، لأفاجأ بأنها ظهرت في تلك الصور مثمرة ولكن ببالونات عملاقة ملونة، وهي صور شاهدها زملائي، وأدت إلى تعطل الكاميرا على الفور دون سبب واضح، إلا أن أهالي القرية حذروني من الاحتفاظ بالصور، وحينما تخلصت منها عادت الكاميرا إلى العمل».

 

فني تصوير آخر لم يشأ ذكر اسمه قال إنه تعرض لمضايقات من كائنات غير مرئية، أكثر من مرة، حينما كان يحاول تهيئة الكاميرا للتصوير، فيما أقرّ الجسمي من جهته وجود بعض الظواهر الغريبة في المكان مضيفاً «الحكايات عن سكنى الجن للمكان منتشرة هنا بشكل كبير، لكني لا أحاول الوقوف عندها كثيراً حتى لا تؤثر في سرعة «ريح الشمال» الذي تم تصوير 200 مشهد منه فقط، وما زال باقيا نحو 1050 أخرى، وأنصح جميع زملائي دائماً بعدم الانزواء بعيداً عن الجماعة أو إلقاء أي أحجار في الآبار الخربة مع التسلح بذكر الله». 

 

صعوبات
وقال الجسمي إنه واجه صعوبات كثيرة من أجل استخراج تصاريح التصوير في ذلك الموقع، بعد أن أكدت بلدية الشارقة أنه يقع ضمن فئة الممتلكات الخاصة، قبل أن يتوصل إلى الوريث الشرعي لمالكه الراحل، مضيفاً «هي منطقة بكر درامياً لم تطأها قدم مصور دراما تلفزيونية أو سينمائية، هجرها أهلها قبل 160 عاماً تاركين شواهد تدل على سكناهم لها، وشواهد قبور لأناس ارتبطوا بهذا المكان، قبل أن يرحلوا وترحل معهم كثيرمن القيم المجتمعية التي نفتقد كثيراً منها في عصرنا الحالي، لذلك فإن «ريح الشمال» يتعدى مجرد كونه عملاً يرصد نمط حياة وظواهر لـ«فريج» يعكس حياة الإماراتي في عصر ما قبل ظهور النفط، إلى الدعوة إلى عودة تلك العلاقات الإيجابية التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع، دون أن تغيب إحدى أهم وظائف العمل الدرامي وهي إمتاع المشاهد».

 

وأضاف الجسمي «رغم ذلك يظل الغرض التأصيلي أحد أهداف أي عمل تراثي، لا سيما وأننا نعود بالزمن الدرامي إلى عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، لذلك قمنا بتأسيس قرية كاملة لتصوير «ريح الشمال» استكملنا من خلالها ما تبقى من آثار «الزيبارة» القديمة، مستعينين بنوعية الأخشاب نفسها التي قام الأهالي الأصليون للبلدة باستخدامها، وتم جلبها خصيصاً من البحرين وسلطنة عمان».

 

من جانبها قالت الفنانة أسمهان توفيق انه «رغم كثرة المحاولات الدرامية، لتعقب مجتمعات خليجية مختلفة في فترة ما قبل ظهور النفط فإنني أرى أن «ريح الشمال» يحمل إضافة نوعية إلى الأعمال التراثية، من حيث كونه يبتعد بشكل واضح عن آفة دوران الكاميرا حول شخصية وحيدة هي بطلة العمل، إلى محاولة رصد واقع اجتماعي متكامل عبر «فريج» يمثل حالة من آلاف الحالات الاجتماعية السائدة في الزمن المرصود».

 

وتضيف أسمهان انه «في هذا الفريج كما في كل بقعة من بقاع الأرض، يوجد الصراع الأزلي بين الخير الذي يظهر في صور شخصيات كثيرة، والشر الذي يصرّ على بسط سيادته على الجميع، وبالنسبة لي فأنا أجسد أحد الأدوار الخيرة الأساسية، وهو دور المطوّعة التي تعلم أبناء الفريج أصول قراءة القرآن، ولا تبخل على الجميع بالمساعدة رغم إمكاناتها المادية المحدودة»، ويمثل الفنان الإماراتي سيف الغانم المعادل الموضوعي لشخصيتي الدرامية في دور (أبو شهاب)، وهو حسب توفيق «يبدو مناسباً ليس للمشاهد الخليجي فقط، بل لكل عشاق الدراما العربية، لأنه استطاع أن يتجاوز عبر معالجة قضايا إنسانية إطار المحلية الضيق».

 

لا تردد
في الإطار ذاته قال الفنان الكويتي محمد المنصور إنه لم يتردد في قبول دوره بمسلسل «ريح الشمال» «قبل الاطلاع على السيناريو، بسبب ما يتضمنه عنوانه من بارقة أمل للجميع، نحن في أمسّ الحاجة إليها، فريح الشمال لا تأتي إلا بالخير والمطر والبشارة، وبعد قراءة العمل زادت قناعاتي بهذا التصور».

 

وأكد المنصور ان «لا حدود فاصلة الآن بين الدراما الكويتية وشقيقتها الإماراتية أو غيرهما خليجياً وحتى عربيا، معتبراً أن هذا التصنيف من صنع وسائل الإعلام دون أن يكون ذا وجود على أرض الواقع. وحينما يرى المخرج دورا ما لا يصلح له سوى فنان آخر في قطر مختلف، لا يجد صعوبة في ذلك، ولولا ظروف التصوير وما تفرضه من تواقيت محددة لكان حجم التعاون بين الفنانين العرب أكثر نشاطا».

 

الفنان الإماراتي سيف الغانم قال من جانبه إنه يقوم بدور أحد نواخذة الفريج الأشرار «بو شهاب» الذي يستخدم نفوذه من أجـل إلحاق الضرر بالآخرين في سياق أحداث المسلسل، «الذي سيشكل رقماً مهما من وجهة نظري في الدراما الرمضانية هذا العام».

 

تعاون مشروع
 مخرج العمل مصطفى رشيد الذي قام بإخراج مسلسلي أحمد الجسمي الأخيرين«دريشة» و «أزهار مريم» قبل أن يُسند له إخراج «ريح الشمال» في إطار شركة «جرناس للإنتاج الفني» التي يديرها الجسمي قال إن العلاقة بين جهة إنتاج معينة ومخرج وحيد «تظل علاقة مشروعة فنياً، لأننا في كل عمل جديد نسعى إلى عدم الوقوع في فخ التكرار، من خلال استكشاف الجديد سواء على مستوى النص أو الرؤية الإخراجية والممثلين»، مشيراً إلى أن «ريح الشمال» «عمل عملاق يرتقي إلى طموحات المشاهد، تم الاستعانة فيه بجهود 80 ممثلاً، وخبرات محلية وخليجية رائدة، مع الاتكاء على مكان يمثل في واقعه أحد ابرز مكامن قوة العمل». 

 

من حياة الفندق.. للآبار الجافة 
 تاركين غرفهم المرفهة في فندق «الأوشيانيك» في خورفكان، يتوجه أفراد أسرة مسلسل «ريح الشمال» بشكل يومي إلى قرية «زيبارة» القديمة التي هجرها سكانها على ساحل بحر العرب منذ نحو 160 عاماً، ليمارسوا عملهم حسب المقتضى الدرامي في مواقيت مختلفة، كل حسب مشاهده، في بيئة خلابة تجمع بين جمال الساحل وبهاء المزارع، قريباً من شواهد قبور لم يعد يقصدها أحد، وآبار جافة.

 

كاميرا «الإمارات اليوم» تعقبت   فريق «ريح الشمال» الذي ضم أحمد الجسمي وأسمهان توفيق ومحمد المنصور وصالح الغانم ومحمد الياسين وعائشة عبد الرحمن وعددا كبيرا من الممثلين، وصل عددهم إلى نحو 80، تراهن على جهودهم قناة «سما دبي» الفضائية، في عرض حصري خلال رمضان المقبل، يرصد الماضي بعين على الحاضر، وفي الوقت الذي تم تصوير نحو 200 مشهد من العمل يبقى أمام «ريح الشمال» 1050 مشهدا أخرى، يأمل منتجه أن ينتهي من إنجازها قبل بدء الشهر الكريم.

 

وما بين عرق يتصبب وحلق يجف جراء ارتفاع نسبة الرطوبة، ومشكلات تتعلق بالخوف من ظلمة الموقع، وخلوّه التام من السكان، ما زال أمام أسرة«ريح الشمال»  نحو شهرين من العمل المتتابع الذي يدفعهم إلى المزج بين حياة «الخمس نجوم» قبل التصوير، وأخرى شديدة الشظف أثناءه في منطقة بكر تعانق «بحر العرب».
 

الأكثر مشاركة