الكلام والموت

زياد العناني

 

إذا كنا نعيش كما نحلم فرادى تبعا لقول «كونراد»فليس أمامنا إلا أن نختبر صدقية هذه العبارة، من خلال عودة الكائن الفرد الى مرحلة الكهف بلا وسائط اتصال وبلا لغة يتبادلها، ثم نقرر بعدها إذا كنا «نعيش» أم «سنغيب» في الموت الكياني الى أبعد حدوده الفنائية. من مرحلة الكهف تحديدا بدأ الإنسان يدرك أن الفردية لا تقترن بحياته  ووعيه بحقيقتها!وعليه انتشرت الرسوم على الجدران، ثم جاءت اللغة لتكون سيدة للتفاعل مع الآخر،لتحتضن أحلامه وتسهم في بقائه وتقترن  بإنسانيته بلا فك ارتباط الى أن تبقى «هي» ويذهب «هو» نحو نهايته.

اللغة التي يعتقد «جاك لاكان» بأنها اعتراف متبادل بين ذاتيتين ومن دونها لا وجود إلا للعنف الذي يتكاثر في العالم «ليست هكذا فقط بل إنها أوسع حقلا من هذا التعبير، بدليل انها تسبح في وعي الكائنات من أول فأفأة الى آخر ما وصلت اليه الآن، من غير أن تتوقف عن التطوير والحياة وذلك بعكس حياتنا: أشخاص نعيش فيها لفترة محددة ثم نغيب. قبل أيام قليلة وقع بين يدي كتاب ثمين بعنوان «الكلام أو الموت» من تأليف المحلل النفسي مصطفى صفوان صدر أولا باللغة الفرنسية ثم الانجليزية، الى أن قام المترجم د. مصطفى حجازي بترجمته الى العربية، فاستغربت كثيرا  أن يمرّ هذا الكتاب بلغتين، قبل أن يصل إلى القارئ العربي!

المهم هو أن هذا الكتاب اللافت جاء تعبيرا كاشفا عن فهم بواطن الوجود وتفاعلات البشر، ومطورا لنظريات عديدة تضيف الكثير الى نظريات التحليل النفسي عند استاذه «جاك لاكان» وتناقش المعنى والنص بطريقة أخرى من خلال استبعاد التحليل «اللاكاني» القائل بكشف الدلالات الخفية في الخطاب واستبداله بوصول الذات الى الوعي بحقيقتها وتحمل مسؤولية «البوح» بهذه الحقيقة، بما فيها مناقشة المحرمات كلها بلا قانون متعال على البدائية حيث يبرز صفوان أخطاء «فرويد» في اعتماده على أن يُكون اللاوعي وكذلك الرباط الاجتماعي انطلاق من محتوى «الأب الميت» مخالفا له ومفضلا التركيز على اسم الأب الذي يحمل الشهادة، على موت ذلك الأب الخيالي الذي ولد رغبته الذاتية وأسس الرباط الذي يربطنا بأجدادنا.

وبهذا يكون صفوان عملا جديدا في نظرية التحليل النفسي تتحدى سلطان الفكر الغربي من دون اعتذار، بحسب مقولة كولين ماك كابي الذي يرى أن اعمال صفوان تشهد الآن فترة من النموّ الصامت، لأنها تشكل المدخل النموذجي للمناظرات المتنوعة في مدرسة التحليل النفسي، خصوصا انه يقول:«لا يوجد بين شخصين سوى الكلام أو الموت، التحية أو الضرب بالحجر». ويبين أن طرح العنف فيما يسمّى الشرط الانساني، يتضمن هزيمة الكلام وهزيمة الكلام هنا قد تعني الموت. ..وأخيرا لا بد من القول إن كتاب«الكلام أو الموت» يشكل وثيقة مهمة تظهر أننا في الشرق أو الغرب، ورغم قوة اللغة، ما نزال نعيش هزيمة كاملة للكلام وأن العلاقة التي يمكن أن تتكون بيننا على الصعد: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي علاقة الموت أو الضرب بالحجر.  
 
 zeyad_alanani@yahoo.com  
 
تويتر