درس «البوم»

     
لم تثِر قضية في الفترة الأخيرة جدلاً بقدر الجدل الذي أثارته قضية جامعي الأموال، ممن أطلق عليهم مجازاً أصحاب «المحافظ الخاصة غير المرخصة»، خصوصاً محفظة عابد البوم. 


وتلقت «الإمارات اليوم» منذ نشرها الحوار الأول مع البوم، قبل شهر، عشرات الاتصالات الهاتفية يومياً، والكل كان يريد الإجابة عن سؤال واحد وهو: هل ضاعت أموالنا؟ وما مصير الأموال التي تجاوزت مدخرات شخص معين إلى مدخرات عائلة بأكملها وأودعت أمانة لدى البوم؟

 

وعلى الرغم من تباين الآراء حول ما نشر، وبعيداً عن التفاصيل الدقيقة، فمن الضروري ألا ننصرف عن القضية الأساسية التي فجرتها قضية البوم، ومن قبله المحافظ الخاصة غير المرخصة في أبوظبي، وهي لماذا نجح البوم ورفاقه في ما فشلت فيه بنوك عاملة في الدولة؟ ولماذا آمن الناس بكل سهولة ووثقوا بالمحافظ الخاصة، وسلموها ملايين الدراهم لاستثمارها، في حين أن بعضهم لا يعلم عن الشركة سوى أنها شركة يملكها عابد البوم؟

 

وبعيداً عن قضية الطمع ورغبة الجميع في الربح الوفير دون بذل الجهد، وهي آفة أصبحت تهدد أموال صغار المدخرين في الإمارات، وإذا تجاهلنا الخسائر التي تحققت في سوق الأسهم التي جاءت للسبب السابق، فإن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها هي أن الأمر يتطلب وقفة من قبل القائمين على شؤون اقتصاد الدولة، وبالتحديد من قبل المصرف المركزي ووزارة الاقتصاد.


يجب أن نأخذ العبرة من قضية البوم، وألا نكتفي بعودة الأموال للمودعين. ويجب أن يعاد النظر في سعر الفائدة المصرفية التي جعلت الجميع ينفر من ودائع البنوك، حتى وإن كان الأمر مرتبطاً باضطرار الدولة لخفض سعر الفائدة جبرياً مع تراجع سعر الفائدة الأميركية، بسبب الربط بين الدرهم والدولار.

 

أما عن أسواق الأسهم التي تعد البديل الأمثل لاستقطاب أموال صغار المدخرين فحدث ولا حرج، لا أحد، بمن فيهم قدامى المحللين الماليين أو الفنيين، يستطيع توقع أداء السوق أو استمرارية اللون الأحمر أو اخضرار الأسهم، وكفانا آراء وتحليلات تلي الحدث، وتكون محصلتها في النهاية مزيداً من الخسائر لكبار المضاربين.    

 

باختصار يجب أن ندرس العيوب التي مكنت البوم ورفاقه من النجاح، ومن المهم أن نوجد الآليات التي تكفل نجاح وتزايد قناعات المواطنين بإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة كوسيلة لتوظيف المدخرات.

 
وفي النهاية يجب ألا يكون التعامل الجاد مع المحافظ غير المرخصة- بهدف ضمان سداد الحقوق وحماية أموال المودعين- سبباً في انهيار «المعبد» على الجميع، فحتى إن كانت هذه المحافظ قد خالفت القانون فلن تكون النهاية السعيدة هي التحفظ على أصحابها وعلى أصولها. مثل هذا الأمر لن يرضي الجميع بقدر إيجاد وسائل وآليات قانونية لتوظيف الأموال تكون مرضية لصغار المدخرين.   

 

 

hnaby11@gmail.com

تويتر