لجنة حكومية توصي بتصفية ممتلكات «البوم» وإعادة أموال المودِعين

البوم أقام مع مجموعة من الأفارقة محفظة وهمية استولوا فيها على أموال المواطنين بحسب التقرير.(تصوير:أشرف العمرة)

أوصت اللجنة المؤقّتة المشكّلة لبحث أزمة «محفظة» عابد البوم الاستثمارية «بضرورة تصفية ممتلكات عابد البوم وفقاً للأنظمة المعمول بها في إمارة دبي بالتنسيق مع النيابة العامة والمحاكم، بهدف المحافظة على أموال المودعين، وإحالته للنيابة العامة في حالة اكتشاف حالات احتيال أثناء إجراء التصفية».


وجاءت التوصية بعد أن تثبّتت اللجنة  من أن «عابد البوم وبالتعاون مع مجموعة من الأفارقة أقاموا محفظة وهمية استولوا فيها على أموال المواطنين، وبمبالغ مالية كبيرة يصعب تقديرها» وفقاً لتصريحات خاصة أبلغها إلى «الإمارات اليوم» عضو في اللجنة الحكومية المشكلة لبحث الظاهرة.

وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن «المذكورين مارسوا نشاطهم لما يزيد على الأربع سنوات مستغلين ضعف قوانين المصرف المركزي التي تنظم عمل هذه النوعية من المحافظ»، مضيفاً أن «عابد البوم بدّد جزءاً كبيراً من أموال المودعين على السيارات الفارهة، حيث يمتلك أسطولاً من السيارات يتضمن سيارة من نوع لمبرغيني وسيارتين «مزراتي» وثلاث سيارات من نوع «بنتلي»، إضافة إلى سبع سيارات «رانج روفر» ومرسيدس «ال ار س» و«مايباخ»، بالإضافة إلى احتياجاته الخاصة، كما تم تهريب جزء من الأموال إلى خارج الدولة، وتم تسجيل بعض العقارات بأسماء شخصيات مقرّبة منه.


وشكلت حكومة دبي اللجنة المؤقتة التي عقدت اجتماعها نهاية الأسبوع الماضي لمواجهة ظاهرة توظيف أموال الغير من دون ترخيص، وضمت ممثلين عن جهات رسمية كالشرطة والدائرة الاقتصادية والمصرف المركزي. 


وسعت اللجنة منذ بداية عملها، حسب ما صرّح به المصدر، إلى «محاولة إجبار عابد البوم بالالتزام بتعهداته، بالتوقف عن تسلّم أموال الغير من دون ترخيص، حرصاً على عدم استنزاف أموال المغرّر بهم، والتي يشكل ذوو الدخل المحدود الشريحة الأكبر منهم في استثمارات مجهولة لا تخضع لأي رقابة كالتي تخضع لها المؤسسات أو الشركات المساهمة، وتضمن الحد الأدنى من الشفافية عن وجهة هذه الأموال والمشروعات التي وضعت فيها».


ووفقاً للمصدر فإنه «تم تكليف دائرة التنمية الاقتصادية باستدعائه وأخذ تعهد كتابي منه وإرسال بعض المفتشين السريين للتأكد من التزاماته، كما كلّفت إدارة المراجعة المالية وممثلي المصرف المركزي للقيام بدور المدققين الخارجيين للوقوف على حسابات الشركة ودفاترها التجارية وحقيقة استثماراتها، في الوقت الذي تولى فيه ممثلو الشرطة جمع المعلومات ومستجدات القضية والتحقيق مع موظفي الشركة».


وأضاف المصدر أنه «مع ذلك واجهت اللجنة صعوبات عدة في التعامل مع البوم، فقد تم القيام بعدد من الضبطيات بمقر الشركة وضبط موظفين متلبّسين بتسلّم أموال الغير من قبل مفتشي دائرة التنمية الاقتصادية السريين حتى بعد التعهد الخطي الذي تقدّم به».


وقال عضو اللجنة «إن اللجنة رصدت بدايات القضية حيث تعود إلى المعلومات التي تواردها عدد كبير من أفراد المجتمع والتي تفيد بأن عابد البوم يقوم بتسلّم أموال من الناس مقابل عائد شهري ثابت قدره 8% من قيمة المبلغ المودع، وبعد التأكد من صحّة المعلومات تبين أن البوم لا يمتلك ترخيصاً لمزاولة هذا النشاط، ولكنه استغل الاسم التجاري لشركته (التطوير العقاري والبوم القابضة) في إيهام المودعين بأنه مرخص قانونياً، وزاد على ذلك بأن قام بإعداد عقود للمودعين ويقوم بمنحهم شيك ضمان.

 

تحذيرات مسبقة
وأضاف أن «دائرة التنمية الاقتصادية في دبي سبق وأن قامت بتحذيره مرات عدة بالتوقف عن أعماله غير المرخصة، وسبق أن تم طلبه للدائرة، وتعهد بتصحيح أوضاعه، والتوقف عن تسلّم الأموال والعمل بهذا النشاط من غير ترخيص».

 

وأوضح أن «البوم يستعين بعدد كبير من الأشخاص لإقناع المودعين بوضع أموالهم لديه مقابل نسبة مغرية مقابل كل زبون يقومون بإحضاره، حتى أصبح بعض العاملين في مؤسسات مالية معروفة يعملون لصالحه»، مشيراً إلى أن اللجنة تثبّتت من استغلال البوم جهل المودعين بالقانون، بأن أوهمهم بأنه يضمن لهم حقوقهم عن طريق توقيع عقد معه، وإعطائهم شيك ضمان، حيث كان يصدر الشيك بتاريخ التعاقد ما يعني بأن هذا الشيك لن يكون ساري المفعول بعد ستة أشهر، وفي حال توقّف عن الدفع بعد ستة أشهر فإن هذا الشيك ليس له أية قيمة قانونياً.


تقرير اللجنة
وجاء في تقرير اللجنة، التي حصلت «الإمارات اليوم» على نسخة منه، أن عابد البوم أحاط نفسه بأشياء زادت من ثقة الناس به مثل الإنفاق ببذخ على المظاهر الخارجية، كمكاتب الشركة، والسيارات الشخصية الفاخرة وما شابه ذلك، ورعاية بعض البطولات والأنشطة الرياضية، إضافة إلى التبرعات الخيرية، واستخدام وسائل الإعلام في الترويج لمشروعاته الضخمة، والتي لم تتبين حقيقتها. وضرب التقرير أمثلة على ذلك حيث أعلن البوم في كلمة ألقاها في حفل تكريم أقامته مجموعته في نوفمبر 2006 في فندق حياة بارك، أن حجم استثماراته تقدر بـ8.4 مليارات درهم، وفي مقابلة له مع صحيفة «البيان» قال «إن حجم الاستثمارات 8.5 مليارات درهم، وذكر أنه قام باستقدام نخبة من المحامين والاستشاريين والمتخصصين من أستراليا وهونغ كونغ وقام بعمل دراسة تختص بالتوجه لإدراج البوم القابضة في الأسواق المالية الخارجية».

 

ووفقاً للتقرير فإنه بعد التحقيقات من قبل اللجنة تبين أنه لا يمتلك سجلات تجارية منظمة، ولا يمتلك مدققاً خارجياً، خلافاً للتصريحات الإعلامية التي أدلى بها والتي هدفت إلى تضليل الرأي العام، وقام المذكور بعد ذلك بمناقضة نفسه بأن ذكر في عام 2008 عبر صحيفة «الإمارات اليوم» بأنه جرى تضخيم ثروته وأن البعض ذكر أن ثروته تجاوزت ثلاثة مليارات وأنها وصلت إلى ستة مليارات، وهي أرقام مبالغ فيها متناسياً بأنه صرّح في عام 2006 بأن حجم استثمارات البوم القابضة هي 8.5 مليارات درهم.


عابد البوم.

ثغرات قانونية
وأورد التقرير أن «المذكور استغل الثغرات القانونية في المضي في عمله، وحاول جاهداً ضمان عدم وجود مشتكين ضدّه عن طريق عمل تسوية مباشرة في مراكز الشرطة مع المشتكين، وإن كان المذكور جاداً في تسوية أمورهم لقام بحل مواضيعهم قبل وصول الأمر لمراكز الشرطة، ولكنه يقوم بالاعتماد على تقديم الحجج والوعود وبحال نفد صبر أي مودع واشتكى عليه يقوم فوراً بعمل تسوية مباشرة له ويتحجّج لهم بأنه تم تجميد استثماراته، ويعطي شيكاً بعد سنة وخلال هذه الفترة يتسلم أموالاً من مودعين جدد فيحوّلها للمودعين القدامى».

 

وحسب التقرير فإن «المذكور قام بتسجيل الاستثمارات التي قام بشرائها من أموال المودعين باسمه الشخصي، واسم المقربين منه وكأنها قد آلت إليه بالعطاء، وأصبحت من ضمن أملاكه، وكان الأحرى لضمان حقوق المودعين تسجيل تلك الاستثمارات باسم شركة مرخصة بالاستثمار لضمان حقوق المودعين حسب النظم المعمول بها في مثل هذه الحالات».

 

إجراءات احترازية
وحول الإجراءات السابقة التي اتخذت بحق عابد البوم، أفاد عضو اللجنة المشكلة لبحث أزمة «البوم» بأنه «تم في شهر سبتمبر عام 2007 استدعاؤه إلى إدارة الجرائم الاقتصادية بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، وبحضور ممثلي دوائر حكومية عدة كالجهات الأمنية والمصرف المركزي ودائرة التنمية الاقتصادية في إمارة دبي، حيث ادّعى بأن الناس هم الذين يتوسلون إليه لاستثمار أموالهم في مشروعاته التي تصل إلى مليارات الدراهم داخل الدولة وخارجها، وأنه يفعل ذلك كعمل من أعمال الخير ولمساعدة محدودي الدخل على تحسين أحوالهم المعيشية، وأنه مستعد للتوقف الفوري عن تسلّم الأموال من مودعين جدد، كما انه مستعد لإرجاع أموال المودعين في أيام عدة فقط حتى دون الحاجة لتسييل أي من أصوله الموجودة، وأنه يملك قطعة أرض في إحدى الدول الإفريقية تصل قيمتها إلى ما يزيد على 600 مليون دولار». 

 

وأضاف أنه «تم اتخاذ إجراء احترازي في تلك الفترة بالتحفّظ على 16 ملكية لعقارات مسجلة باسمه وأسماء أقربائه، تبين أنه اشتراها من أموال المودعين، ولم يسجلها باسم رخصته التجارية، إلا أنه لم يلتزم بما تعهد به من التوقف عن تسلّم وإرجاع أموال المودعين، بل عاود نشاطه واستمر في تسلّم الأموال».


وحول عدم اتخاذ أي إجراءات قانونية ضده، قال المصدر «إنه لم تستطع جهات تطبيق القانون تحريك دعوى قضائية ضدّه بتهمة الاحتيال أو أي جريمة لسببين، أولهما أن جريمة الاحتيال تتطلب مشتكياً لتحريك الدعوى الجنائية ضده، وخلال هذه الفترة لم يتقدم أي شخص بأي شكوى نظراً للأرباح العالية التي لم تتوقف عن المودعين، وحتى الشخصيات التي قامت بالشكوى، قام البوم بتسوية الشكوى بشكل ودي معهم بمراكز الشرطة، والسبب الثاني «ضعف التشريعات في عدم وجود نص يجرّم فعل جمع أموال الغير من دون ترخيص فقط، دون اشتراط وجود المجني عليه (المشتكي)، أو وقوع ضرر فعلي بشرط إقامة دعوى جنائية». 


وتابع المصدر أنه «بالرغم من أن البوم كرر ارتكاب مخالفاته فقد رأى بعض أعضاء اللجنة تأجيل اتخاذ إجراء قوي كإغلاق المحل، وسحب الترخيص من المذكور خصوصاً في هذه المرحلة، وقبل ظهور تقرير المراجعة المالية والمصرف المركزي حول جدية استثماراته، ما يعرّض شريحة كبيرة غير معروفة العدد من المودعين إلى الضرر». 

 

مستندات مالية
وأكد تقرير اللجنة أن عابد البوم «لم يتمكن من موافاة اللجنة بمجموعة مهمة من المستندات المالية منها حركة سير الأموال بعد تسلمها من المودعين، ولم يفصح حتى الآن عن العدد الحقيقي للمودعين، وحجم الأموال المودعة لديه، والمشروعات الاستثمارية الداخلية والخارجية، التي قام بإيداع أموال المودعين فيها، وقدم عدداً من الأرقام المتناقضة، وبعدها اعترف بأنه غير منظم في عملية التسجيل التجاري».

 

ورفض البوم إطلاع ممثلي المراجعة المالية، والمصرف المركزي، على الدفاتر  التجارية، كما رفض السماح لممثلي المراجعة المالية والمصرف المركزي، بزيارة مقر شركته بحجة أنها تشكل تشويهاً لسمعته، وأنه يمكن أن تشكل ضرراً للمودعين الحاليين نتيجة انعدام الثقة به، وبالتالي ضياع أموالهم ما أثار المزيد من القلق لدى اللجنة حول مصير أموال المودعين».


وكشف التقرير عن «عدم تعاون في تقديم حسابات الشركة لإطلاع اللجنة ولم يرسل محاسب الشركة للجنة، وقام بإرسال محاميه فقط بهدف التفاوض مع اللجنة متناسياً بأن اللجنة لم تشكّل للتفاوض معه ومع محاميه، بل شكلت للتأكد من أن الأمور تسير بالشكل الصحيح لضمان أموال المودعين وإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح حفاظاً على اقتصاد الدولة». وأضاف أنه «تم اكتشاف أن البوم ليس لديه مدقق خارجي معتمد، ما يعني أن الشركة تعمل بشكل عشوائي، واعترض البوم على رد أموال المودعين حالياً، ولكنه سيقوم بالرد لمن يطلب منه ذلك، وبمتابعة عملية إرجاع الأموال تبين بأنه قام بتسديد أموال لمجموعة من المودعين، لم تتضمن أسماءهم الكشوفات التي سبق أن قام بتسليمها ووجود اختلاف بين المبالغ المدرجة كرؤوس أموال بكشف المودعين والمبالغ المصروفة لهم».


وتبين أن «الشركة ليس لها قوائم مالية محددة يتم بموجبها توزيع الأرباح، بل إن الأرباح توزع بموجب تعليمات مباشرة من صاحب المؤسسة وليس بناءً على قوائم مالية محددة، وتبين من خلال الكشوفات التي قدمها، والتي تضم أموال المودعين، وجود مجموعة انتهت عقودهم ولم تجدد والبعض جدد في عام 2008، كما تبين زيف ادعاءات المذكور حول قيمة الأرض التي يملكها في إحدى الدول الإفريقية، والتي قال إن قيمتها تقدر بـ600 مليون دولار ولكن بعد التحقيق مع بعض الأطراف ذات الصلة بالموضوع تبين بأن الأرض تم شراؤها بقيمة لا تزيد على مليوني درهم فقط».

 

توصيات اللجنة  
أوصت اللجنة، في نهاية التقرير، بضرورة الاتفاق على إيجاد آلية عمل بين الجهات الأربع لتبادل المعلومات حول أية عمليات لتوظيف الأموال من أشخاص أو مؤسسات توظف أموال الغير من دون ترخيص والتصدي لها على الفور.


ودعت إلى التنسيق مع وسائل الإعلام في الدولة للتأكد قبل نشر أي إعلان يدعون فيه الجمهور إلى وضع أموالهم مقابل نسبة مئوية محددة، قبل التأكد من استيفاء صاحب الترخيص موافقة الجهات ذات الصلة: المصرف المركزي ودائرة التنمية الاقتصادية.


وطالبت اللجنة دائرة التنمية الاقتصادية بالإلغاء الفوري لصاحب أي ترخيص يثبت استغلاله الرخصة التجارية في استثمار وتوظيف أموال الغير من دون موافقة الجهات المعنية: المصرف المركزي ودائرة التنمية الاقتصادية، وفي حالة تكرار الفعل على رخصة أخرى تلغى جميع الرخص ويمنع من ممارسة النشاط التجاري في المستقبل لمدة تقررها الدائرة.


ورأت ضرورة عدم التوسع في إعطاء الرخص التجارية التي تحمل الغير على الاعتقاد بأنها رخص توظيف أموال الغير والتي تساعد أصحاب تلك الرخص على تضليل العامة مثل «القابضة» و«التطوير العقاري».


وطالبت المصرف المركزي بضرورة تحديث قوانينه للتصدي لعمليات توظيف الأموال غير المرخصة، مع إنشاء موقع إلكتروني للمصرف يمكن للعامة من خلاله الإطلاع على المؤسسات المرخصة لتوظيف الأموال.

 

محافظ أبوظبي 
كشف عضو اللجنة أنه «بعد قيام وزارة الداخلية بالقبض على أصحاب المحافظ الوهمية في  إمارة أبوظبي، حضر البوم طواعية للجنة وأبدى رغبة في التعاون معها، خوفاً من أن يؤول مصيره لما آل إليه الذين تم توقيفهم في إمارة أبوظبي، وبقبول اللجنة ذلك فوجئت بأنه سدد أموالاً لمجموعة من المودعين لم تتضمن أسماءهم الكشوفات التي سبق أن قام بتسليمها، ما يؤكد وجود مودعين آخرين، وتبين وجود اختلاف بين المبالغ المدرجة كرؤوس أموال بكشوف المودعين والمبالغ المصروفة لهم».

 

وأضاف أنه «بعد ثبوت تورّطه تدخلت سيدة من الشخصيات المعروفة في المجتمع وبتوكيل من المذكور للتوسط له، وذكرت أموراً لا يتقبلها العقل بهدف حماية المذكور حيث قالت إنه على «علاقة بشخصيات إفريقية قاموا بعمل سحر له وهم المسيطرون على الأمور، وهو مسحور». 

تويتر