الرضيع العنيد..!

 
تـُطرح عليّ أسئلة كثيرة ومتكررة بخصوص أطفال صغار لا تتجاوز أعمارهم سنتين، حيث تشتكي الأم من طفلتها العنيدة التي لا تطيع أوامرها، أو يشتكي الأب من طفله الذي يصر على القيام ببعض التصرفات، كأن يسعى للعبث بالهاتف النقال الذي وضعه لشحنه، أو اللعب بأغراض حساسة أو ثمينة رغم منعه عنها. كانت دهشتي أكبر حينما أبدى أحد الآباء استياءه من سلوكيات ابنه الذي يعانده في كل توجيهاته له، بل يعتقد أنه مُـصر على استفزازه؛ وحاول تفسير هذا السلوك بالقول إن النفس البشرية جـُبلت على حب خرق الضوابط واستشهد على ذلك بأن كل ممنوع مرغوب.

 

 تساءلت أمهات أخر عن شخصية الأطفال الذين يقلدون إخوانهم أو يكررون ما يرونه حولهم، يخشـَين تبلد مشاعر الطفل بسبب تقليده للآخرين ويعتقدن أنه ضعيف الشخصية.

 

عبّـرت إحدى الأمهات عن استيائها من سلوكيات ابنتها التي أصبحت تكذب وتخفي الحقيقة، كأن لا تعترف بأنها أخذت غرضاً ما، أو تصرفت بأسلوب غير لائق؛ وقد أوضحت أن عمرها يناهز السنتين.

 

يحير المستمع لهذه التصريحات وتتضارب الأفكار في ذهنه لوضع تصور واضح عن طبيعة هذه الحالات؛ هل أصبحنا نعيش في زمن تغيرت فيه مراحل نمو الأطفال إلى الأسوأ، بحيث أصبحوا يعاندون ويواجهون ويكذبون في المهد، أم أن الآباء والأمهات ينسون أو يتناسون أنهم يرعون أطفالاً رضعاً مازالوا لا يفقهون شيئاً عن كل هذه المصطلحات، أم أن المجتمع بأسره أصبح لا يميز بين رضيع وطفل يافع ومراهق وراشد واختلطت المعايير، أم أن أفلام الرعب والإعلام المغرض شوّه البديهيات ودمر المرجعيات البَـينة؟

 

ينبغي العلم أن الرضيع إلى غاية السنتين لا يتوافر على أي تمييز ذهني للمعاني المذكورة أعلاه، كما أنه يسعى لمحاكاة كل ما يثيره من حوله سواء كان صوتاً أو صورة أو غيرهما ليتمكن من بناء النماذج الذهنية الأولية، أما تقليده للآخرين ليس عن ضعف شخصية أو خضوع، وطرح السؤال بهذه العبارات يستدرجنا لمغالطة واضحة لأن مراحل بناء الشخصية مازالت غير مكتملة؛

 

وعندما يعيد بعض الحركات أو التصرفات فليس عناداً أو مواجهة لأحد، ولكن التجربة المعادة تؤسس لنشأة البنى الذهنية؛ أما إخفاؤه للحقيقة وعدم اعترافه بما فعل، فذلك لأنه لا يدرك معنى الكذب أو الإخفاء ولا يستوعب معنى الاعتراف. يحتاج صغير الإنسان إلى رعاية مطولة لمدة لا تقل عن16 سنة، لتكتمل لديه مكونات النمو الجسدي والعقلي والنفسي، وهو الكائن الحي الوحيد الذي تتأخر مدة نضجه؛ في حين أن صغار كل الثدييات أو المخلوقات الحية الأخرى تصبح قادرة على الحركة والركض والاعتماد على النفس خلال أيام قليلة، وأحياناً ساعات فقط.

 

يتسرع الآباء والأمهات بإصدار أحكام قاسية على صغارهم، متوهمين أنهم يجدون حلول ما أشكل عليهم، بوضع عناوين كبيرة على جبين رضّع لا حول لهم ولا قوة تجاه ما يقال عنهم أو يفعل بهم. يحتاج المربّون إلى التريث وتنمية روح الباحث التربوي في أنفسهم وتحفيز قدراتهم على الملاحظة ودقة التحليل، والعلم بأحوال الطفل والرجوع إلى الفطرة والسجية السليمة لفهم حاجيات الطفل ورعايته على أحسن وجه.  

 

نقترح دمج بضع ساعات ضمن مقررات التربية الأسرية أو مواد أخرى في مراحل الثانوية العامة، لدراسة المبادئ العامة لعلم نفس الطفولة وبعض المبادئ الأساسية في علم نفس النشوء، وتخصيص دورات للآباء والأمهات حول مراحل النمو النفسي-الحركي وتطورات البناء المعرفي. 

تويتر