الحليان: «توظيف الأموال».. احتيال يستتر بالعمل الخيري

 الحليان دعا المستثمرين إلى توظيف مدخراتهم من خلال الأدوات الاستثمارية المشروعة.     تصوير: دنيس مالاري 

أعرب مستشار الاستثمار والتأمين، صلاح سالم الحليان، عن اندهاشه من الأشخاص الذين يدافعون عن «موظفي الأموال»، ويعدونهم أشخاصاً يريدون خدمة المجتمع ورعاية أموال صغار المودعين من الأرامل واليتامى والمطلقات.

 

وقال «التجارب العالمية أثبتت أن موظفي الأموال محتالون، ويخدعون البسطاء بعوائد مادية كبيرة وبأعمال خيرية يقومون بها لتغطية أعمالهم». وتساءل الحليان: «إذا كان من يوظف الأموال يصرف عائداً شهرياً بنسبة 7%، فمعنى ذلك أنه سيعيد الأموال لأصحابها في نهاية العام كاملة مضافاً إليها نسبة 84% كأرباح، فلماذا لا يلجأ إلى مصادر التمويل التقليدية، مثل الاقتراض من المصارف بسعر فائدة 9% سنويا، ويعيد هذه الأموال في نهاية العام بنسبة 109% فقط، بدلاً من ردها بنسبة 184% للمودعين الأفراد، إذا ما راعينا نفقات وتكاليف الاستثمار والنسبة من الأرباح التي يحصل عليها من يدير الأموال؟».

 

وقال في حوار خاص مع «الإمارات اليوم»: «إذا كان الجميع يفترض الذكاء في من يوظف الأموال، فلماذا يكون الشخص نفسه غير عقلاني، بحيث يستخدم أسلوب تمويل خاطئ لمشروعاته ويدفع عائداً أعلى من عائد الاقتراض من البنوك؟ ولماذا لا يلجأ إلى أن يستدين من خلال إصدار الصكوك كوسيلة أقل فائدة من البنوك، طالما كانت شركته جيدة ولديها مقومات النجاح؟».

 

دراسة العائد
 ودعا الحليان المستثمرين الراغبين في توظيف مدخراتهم من خلال الأدوات الاستثمارية المختلفة ـ سواء كانت محافظ مالية مرخصة أو توظيف الأموال أو غيرها ـ إلى «مراعاة عدد من الشروط في الجهة التي توظف هذه الأموال، ومنها: دراسة العائد، بحيث يتشكك المودع في حال ما إذا كان العائد أعلى كثيراً من المعدلات الطبيعية، ما يتطلب منه أن يطلب إثبات كيفية تحقيق مثل هذا العائد من خلال حسابات منتظمة وموثقة بالمستندات».

 

 وأضاف: «من الضروري أيضاً أن يثبت من يوظف هذه الأموال مصدر العائد الذي يوزعه على المودعين، بحيث لا يتم توظيف الأموال في عمليات غير مشروعة مثل غسيل الأموال، إضافة إلى دراسة مخاطر الاستثمار، إذ لا يوجد أسلوب استثمار بعيد عن المخاطرة تماماً، وكذا يجب على المودع ألا يكتفي بالاعتماد على تجارب الآخرين في الاستثمار لدى شخص ما لمجرد أنه صرف عائداً منتظماً لفترة ما، دون معرفة هل هو مرخص له بمزاولة نشاط تلقي الأموال من عدمه، فضلاً عن الاتصال بالجهات الرسمية مثل «دائرة التنمية الاقتصادية» و«المصرف المركزي» لمعرفة ما إذا كان المنتج الاستثماري لديه مرخصا أم لا، خصوصاً وأن هناك مخالفات قد ترتكبها بعض الجهات المرخصة».

 

وأشار إلى أن «ما يروجه «موظفو الأموال» بشأن عدم ارتكابهم مخالفة قانونية وعدم علمهم بأن الترخيص الصادر لهم من «دائرة التنمية الاقتصادية» يحظر عليهم تلقي أموال من الأشخاص لتوظيفها غير صحيح تماماً، لأن الشركات المرخصة من قبل الدائرة ـ سواء كانت شركات ذات مسؤولية محددة أو شركة قابضة ـ يوجد بند في النظام الأساسي لها يمنعها من أن تتداول المال أو تتلقى أموالا من الأفراد، وكذا فإن الفقرة السادسة من قرار المصرف المركزي رقم 164 لعام 1994 لا تسمح لأي شخص، سواء كان فردا أو مؤسسة، بأن يزاول نشاط جمع وتلقي الأموال دون الترخيص له من قبل المصرف بهدف مراعاة الضوابط التي يحددها المصرف لحماية وضمان أموال المودعين».

 

سلطة مالية
وطالب الحليان، الذي يعمل كمستشار استثمار مرخص من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة منذ 18 عاماً، الدولة بإيجاد جهاز حكومي متخصص في تنظيم الاستثمار، مثل سلطة الخدمات المالية التي توجد في الدول الغربية، وتضم تحت مظلتها جميع الجهات التي تعمل في مجال الاستثمار مثل البنوك وشركات التأمين والمحافظ المالية وجهات التمويل المختلفة. واقترح أن «تنضم هذه الجهات على الفور تحت سلطة «مصرف الإمارات المركزي» لمواجهة القصور الحالي في التشريعات المنظمة للاستثمار».

 

 ورفض الحليان تسمية الأشخاص الذين يقومون بتوظيف الأموال بأنهم «من (أصحاب المحافظ الخاصة غير المرخصة) على أساس أن القوانين نصت على أن من يؤسس محفظة لابد أن يكون جهة مرخصة مثل البنوك، وكذا لابد أن يكون هناك جهة تدير المحفظة، بمعنى أن تتولى استلام المبالغ من المودعين وتتابع صرف العائد، إضافة إلى إيجاد فصل بين من يملك ويدير المحفظة ومن يدير الاستثمارات، أي الجهة التي تحدد أفضل الطرق الاستثمارية لأموال المودعين وتتخذ القرارات الاستثمارية».

 

مبررات خاطئة
وحول تبرير عدد من موظفي الأموال في الدولة لارتفاع الأرباح الشهرية الموزعة بالعمل في مجالات أكثر ربحية مثل القطاع العقاري، أفاد الحليان، الذي يعد ويقدم برنامج «مستشارك المالي» في إذاعة الشارقة: بـ«أن هذا الأمر يجانب الصواب، فعلى الرغم من ارتفاع ربحية التعامل والاتجار في العقارات، إلا أن العائد الذي يوزعه موظفو الأموال يفوق كثيرا الأرباح التي تحققها كبرى الشركات العقارية العاملة في الدولة، بما فيها «إعمار» التي تعد أكبر مطور عقاري في الدولة».

 

وأضاف «غالبية الشركات العقارية تربح نسبة 40% على رأسمالها بعد خصم التكاليف فهل يمكن لموظفي الأموال تحقيق أرباح يفوق خمسة أضعاف الأرباح التي تحققها «إعمار» بما لديها من خبرات عالمية وكوادر على أعلى مستوى؟». وتساءل الحليان: «إذا كان موظفو الأموال يحققون هذه الأرباح بالفعل، فلماذا لا يعلنون عن بياناتهم المالية السنوية وسبل تحقيق هذه الأرباح الخيالية؟

 

ولماذا لا يعلنون عن أسباب صرف هذه النسبة من الأرباح دون زيادتها أو تخفيضها؟ وكذلك لماذا لا يعلنون عن أسباب اختلاف نسبة الأرباح التي يوزعونها من شخص لآخر من المساهمين معهم». 

 

وأشار إلى أن «بعض موظفي الأموال في أبوظبي طبقوا النظام الهرمي للترويج لأنفسهم، بمعنى أنهم استخدموا الأشخاص الذين سلموهم أموالا لاستثمارها في جذب أشخاص جدد مقابل عمولة، وبحسبة بسيطة فإن الوسطاء كانوا أكبر المستفيدين، ولذلك تدفقت الأموال لهؤلاء الأشخاص، فعلى سبيل المثال لو تمكن الوسيط من إقناع ثلاثة أشخاص من إيداع أموالهم بقيمة 100 ألف درهم لكل شخص فسيحصل على عمولة شهرية بنسبة 10% قدرها 30 ألف درهم بإجمالي 360 ألف درهم سنويا، وسيزداد رقم العمولة السنوية للوسيط إلى 1.2 مليون درهم في حال تمكنه من جلب 10 أشخاص بمبلغ إجمالي مليون درهم، حيث سيحصل عمولة 100 ألف درهم شهرياً».   

 

احتيال عالمي  
استعرض الحليان في حديثة لـ«الإمارات اليوم» التجارب الدولية في الاحتيال من خلال ادعاء توظيف الأموال فذكر: «أن أول هذه الحالات كانت لشخص يُدعى تشارلز بونزي، وهو ايطالي الجنسية هاجر إلى الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين، وأقنع الأفراد هناك بالمتاجرة في كوبونات طوابع البريد بين الولايات المتحدة وإيطاليا، للاستفادة من فارق السعر وقتها مقابل صرف أرباح شهرية، حتى نجح في جمع 20 ألف دولار خلال أسبوعين فقط، وهو مبلغ كبير جداً وقتها، ثم ازداد حجم الأموال التي تلقاها بونزي، حتى أنه أصبح عضواً في مجلس إدارة أحد البنوك الأميركية، واتضح في النهاية أنه محتال، حيث كان يتلقى أموالاً من مستثمرين جدد ويسددها كأرباح للمساهمين القدامى وباع 27 ألف كوبون طابع بريدي في حين كان يجب عليه بيع 116 مليون كوبون».

 

وأضاف: «أن من الحالات الشهيرة أيضاً واقعة في الولايات المتحدة لشخص يُدعى صمويل إسرائيل، وكان مسؤولاً عن صندوق تحوط مرخص من قبل السلطات الأميركية، وقام بجمع 450 مليون دولار، خلال الفترة من 1994 حتى عام 2005، وبددها ثم هرب وحاول الإيحاء للسلطات الأميركية أنه انتحر بترك سيارته على أحد الجسور وكتابة رسالة أنه انتحر على غبار السيارة وما زال إسرائيل مطلوباً حتى الآن».

 

وتابع الحليان: «إن الوطن العربي لم ينجُ من ظاهرة توظيف الأموال، فإلى جانب قضايا توظيف الأموال العديدة في مصر برزت قضية توظيف أموال في السعودية قبل ثماني سنوات من خلال عبدالباسط، الذي جمع 200 مليون ريال للمضاربة على سعر العملات، من خلال تحويل الريال السعودي إلى الدولار الأميركي لشراء الروبية الاندونيسية، ثم بيعها وتحويلها إلى ريالات سعودية من جديد والاستفادة من فارق سعر الصرف. وبالفعل تمكن عبدالباسط من جمع 200 مليون ريال، وتاجر كذلك في خيام الحج ومزارع الدواجن في مصر وكانت المحصلة خسارة الجانب الأكبر من هذه الأموال والحكم على عبدالباسط بالسجن لمدة ثماني سنوات وضياع حقوق المودعين». 

تويتر