أسلوب السرد السينمائي
|
|
«في كل فنٍّ يرتبط بالبصر وبالعلامات الإيقونية لا يوجد سوى زمن فني واحد ممكن هو الحاضر». إن أي فعل يُدرَك بالرؤية غير ممكن إلا تحت صيغة واحدة هي الزمن الحاضر، لهذا السبب تّجب على السينما منذ بدايتها إحداث شرخ في مفهوم الحاضر القسري. ففي فيلم «حينما تطير الغرانق» لكالاتاسوف، نرى التناقض بين زمن اللحظة التي يصاب فيها «بوريس» في الجبهة وبين زمن لحظة موته، التي تتحول إلى مشهد طويل، يتصور فيه البطل حفل زفافه إلى خطيبته، الذي ينساب أمامنا في زمن بطيء، يحوّل مسار لحظة الموت إلى مسار سعيد، لكنه يخلق حالة من التوتر عند مشاهدين، يدركون أن البطل الذي يشاهدون عرسه، يموت في نفس الوقت!
إن الأشكال المتوارية التي تتجاور فيها الصور وتتقابل لتخلق معنى ثالثاً جديداً، فيلم «اوكتوبر لإيزنشتين»، هي ظاهرة أساس في تاريخ السينما، لا تقل أهمية عن الظاهرة الأخرى، فيلم «المواطن كين لويلز»، التي هي ابتعاد المونتاج عن ربط الصور للوصول إلى أي نوع من التأويل، يخلق معاني ليست موجودة في الصور نفسها.
على هذا تظل نظرية المونتاج تحتل المرتبة الأولى في علم السينما، فلكي يكون بمقدور عنصريين أن يأتلفا معاً لابد أولاً أن يوجدا منفصلين، من هنا تصبح مسألة تجزئة النص وتقسيمه إلى أجزاء إحدى المسائل الأساس في بناء العمل السردي، الذي يسمح فيه عالم الفيلم المجزأ إلى وحدات من الصور، بعزل أي جزئية يمكن لها أن تتمتع بنفس القدر الذي تتمتع به الكلمة، وبالتالي يمكن فصل أي صورة منفردة عن سياقها وتركيبهـا مع صـور أخـرى وفق قـوانين الربـط والتجاور الدلالي واستعمالهـا بمـعنى استـعاري أو مجـازي أو كنـائي. في فصل «معجم السينما» نقرأ أن خلق لغة من مرتبة ثانية، لغة التجريد، انطلاقاً من علامات بصرية هو نوع من الصراع مع الجوهر العميق لهذه العلامات.
ويذكر لوتمان كيف تحولت السينما بفضل المونتاج إلى تحويل صور المواضيع الحسية إلى لغة من المفاهيم المجردة. في فصل «أسلوب السرد السينمائي» يتوقف لوتمان عند السينما، كقصة تُروى بالصور المتحركة، ويجد أن السينما في جوهرها تركيب من اتجاهين سرديين: الأول صوري، والثاني كلمي، ويقود تركيب العلامات الصورية والعلامات الكلمية إلى بروز متواز ومتداخل لنظامين سرديين «سيميائيين» مختلفين جذرياً، لدرجة يمكن فيها للرسالة أن تنقل بلغة كلمية وبلغة صورية في آن واحد.
أكثر من ذلك تتواجد في الفيلم المعاصر ثلاثة أنواع سردية مميزة تخص السينما وحدها: الصوري والكلمي والموسيقي، ويمكن أن تنشأ بين هذه الأنواع روابط على درجة عالية من الابتكار والتعقيد، لكن ليس من المحتم أن تكون كل مستويات وعناصر النظام السردية حاضرة في النص الفيلمي لأن غياب أي عنصر، غياب الكلام مثلاً في الفيلم الياباني «الجزيرة العارية لكانيتو شندو» أو فيلم «المرقص» لأوتورو سكولا، يمكن أن يدرك كغياب ذي دلالة، وليس كغياب سببه خيار في سرد الحكاية بوساطة الصورة والموسيقي فقط. khaleilq@yahoo.com |