خسارات.. عظيمة!
مات سعد أردش، ودخل يوسف شاهين في غيبوبة إثر نزيف دماغي حاد، وماتت مها الصالح، ودفن الروائي القرقيزي جنكيز آيتماتوف.
وفي بساطة بالغة نقول: هؤلاء ممن نشأنا على حضورهم وألقهم وإبداعهم. أي أنهم بعض آبائنا الذين ندين لهم بفضل كبير، فيما لو كنا أتينا قدرا ولو ضئيلا من الإبداع في المجالات الفنية المتنوعة.
تعلمنا من سعد أردش كيف يمكن للفن المسرحي أن يواكب نهوضاً قومياً في شروط تاريخية معينة. ولهذا لم تكن الأعمال المسرحية التي اختارها إلا ورشات معرفية وجمالية في آن واحد. فاختار الأرض للشرقاوي، وكثيراً من أعمال الفرد فرج وسعد الدين وهبه وبريخت.
تعلمنا من يوسف شاهين المغامرة الفنية، التي لولاها لظل الإبداع حبيس الصدور. وتنفسنا في أفلامه رائحة الحرية وأشواقها الحارة.
تعلمنا من مها الصالح في(الحب والشتاء) مثلاً، كيفية تلمس الإنسان هواجسه وأسئلته المشروعة. وربما كان اعتبارها المسرح ملاذها الآمن سبباً رئيساً في مساحتها التلفزيونية الضيقة إلى حد ما.
هؤلاء غابوا في أسبوع واحد، وما يزال شاهين غائباً يتنفس بواسطة الأجهزة الطبية، متمنين له الشفاء، ونحن نعرف أنها أمنية بلا أفق كبير!
وأخيراً مات الروائي الكبير(جنكيز آيتماتوف) ، صاحب الروايات الشهيرة (وداعا يا غولساري، وجميلة، والسفينة البيضاء، والمعلم الأول، والكلب الأبلق الراكض نحو البحر)، وغيرها الكثير مما أسقطته الذاكرة، أو لم نطلع عليه أصلاً.
وربما يشكل آيتماتوف اسماً إشكالياً عند الحديث عن الرواية الواقعية الاشتراكية، خصوصاً بعد أن أدركنا في خلال أعماله المدى الأرحب الذي تتحرك فيه الواقعية الاشتراكية، مع تحفظنا الآن على كل الصفات التي وسمت(الواقعية) منذ نشأتها، من تسجيلية إلى نقدية إلى اجتماعية إلى اشتراكية إلى سحرية إلى قذرة، وربما غير ذلك. وهو ما يحتاج منا وقفة أخرى في غير هذه المناسبة.
فقد وصلتنا الواقعية الاشتراكية أفكاراً ومفاهيم ونظريات، مجهزة ومحصنة بمعايير واضحة لا ينبغي لأحد أن يخرج عنها، لأن الخروج يعني الخروج من دائرة الواقعية الاشتراكية ذاتها. فهنالك البطل الإيجابي، والنغمة التفاؤلية، ومنظومة القيم الأخلاقية، والهجاء الطبقي، وما إلى ذلك. ولكن آيتماتوف فاجأنا بروايته جميلة، حين جعل الزوجة الشابة تفكر في عواطفها ومشاعرها كامرأة، في خلال وجود زوجها محاربا على الجبهة. ربما كان ذلك يعني في ظل ستالين خروجا على القانون، وربما وجب إعدام آيتماتوف بسبب تلك الرواية، خصوصاً أن الزوجة تحب شاباً غير زوجها الموجود على جبهة القتال، وتهرب مع حبيبها من القرية.
لم نفهم الواقعية الاشتراكية كما فهمناها من آيتماتوف، الذي جعل من عديد الدراسات النظرية في الموضوع، مجرد أوراق بلا أي قيمة. وخصوصاً حين جاءنا في السفينة البيضاء بحارس الغابة المحمية لصا مرتشيا! ونقول اليوم إن آيتماتوف الذي ترجمت أعماله إلى معظم اللغات العالمية، هو من أعطى الواقعية الاشتراكية معناها الحقيقي. المعنى الذي لا ينحي هواجس الناس الفردية وأحلامهم وطموحاتهم وأشواقهم وآمالهم، لكي يكونوا بشراً تحركهم العقول لا الغرائز التي تخضع إلى قانون الجماعات، وتسقط الكيانية الفردية من حساباتها.
damra1953@yahoo.com |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news