كلينت إستوود.. شـبـاب السـبـعـيـن

أنجلينا جولي في لقطة من فيلم «شانجلينغ».

تخطَّى السبعين بثماني سنوات ودخل التاسعة، وكلما تقدم في العمر أكثر ازداد حضوره وتعمق ما يقدمه للسينما، كما لو أنه كان عبر مسيرته الطويلة يستجمع كل ما يمكنه أن يكون أشد وقعاً وحضوراً، ولعل القول إن الحديث عن كلينت استوود لن يفاجئ أحداً، مادام ما يتتبعه يتزايد يقينه مع كل جديد يقدمه بأنه ماض نحو ما لا يمكن توقعه منه، كم لو أنه في الثلاثين من عمره، وكله طاقة لتقديم الجديد المتجدد، غير حافل بكل مسيرته التي لها أن ترضي غرور أي سينمائي، مادام قد حصل على «الأوسكار» أربع مرات، ومعها 97 جائزة من مهرجانات السينما حول العالم، مضافاً إليها 55 ترشيحاً لجوائز متنوعة.

 

ما تقدم يعيدنا إلى ما هو حاضر من خلال استوود المخرج، بعيداً عن بطل «الويسترن» ولكماته الشهيرة ونظرته التي تقدح شرراً وقد لوحت الشمس وجهه، فهو ومع كل فيلم يخرجه للمشاهد أن يتوقع مشاهدة جماليات خاصة ومضافة إلى ما سبقها، ولنا في فيلمه «مليون دولارز بيبي» (فتاة المليون دولار) أن نقول «يا له من فيلم!»، وليتبعه بعد سنتين وبعد أن حصد أربع أوسكارات بما فيها أوسكار أفضل مخرج، بفيلمين «ليترز فرم ايوا جيما» (رسائل من ايوا جيما) و«فلاغز أوف أور فاذر» (رايات آبائنا) اللذين أخرجهما عام .2006

 

هذا العام قدَّم ايستوود فيلماً محنكاً آخر، وجاء هذه المرة من خلال قصة حقيقية تنسجم مع نبشه الحياة الاجتماعية والسياسية الأميركية، لنا أن نتعقب فصولها المشوقة، مع إضاءة فترة مفصلية في تاريخ التكوين الاجتماعي للولايات المتحدة، متخذاً من لوس أنجلوس عام 1938 مساحة لتقديم دراما لها من المأساة ما يضيء حجم الفساد المحيط بها.

 

يحكي فيلم استوود الجديد «شانجلينغ» (تبديل) عن امرأة مطلقة اسمها كريستين (أنجلينا جولي) تعيش مع ابنها الوحيد في ضواحي لوس أنجلوس، وتجهد لتحصيل رزقها ورعاية ابنها في الوقت نفسه، وعلى شيء من صراعها مع الحياة التي تكرسها لابنها، بعد أن هجرها زوجها واختفى من حياتها، ومع تعرفنا إلى تفاصيل حياتها، تضطر في عطلتها إلى الذهاب إلى عملها لأمر طارئ، وما أن تعود إلى البيت حتى يختفي ابنها من حياتها.

 

من الطبيعي أن تلجأ الأم إلى الشرطة، وبخط مواز نتعرف إلى حملة يقودها أحد رؤساء الكنائس ضد فساد تلك الشرطة، وعليه يكون العثور على ابنها وإعادته إليها مساحة لرجال الشرطة لإبراز فعاليتهم وقدرتهم على صون السلم الاجتماعي، فلدى حدوث ذلك فإن الشرطة تستغل الأمر إعلامياً بأكبر قدر ممكن، لكن حين تتسلم كريستين ابنها تكتشف أنه ليس ابنها، بحيث يجبرها الضابط على القبول به رغماً عنها، مادام الأمر صار ملك وسائل الإعلام، وتتوالى فصول الفيلم في محاولات الأم لإقناع ضابط الشرطة بأنه ليس ابنها، ولنصل إلى عدد كبير من الاكتشافات المتعلقة بفساد الشرطة، حيث يقوم هذا الضابط ودون محاكمة أو معاينة بإدخالها مصحاً عقلياً وهناك تتعرف إلى حجم الظلم اللاحق بالبشر على يد رجال الأمن. 

 

الأمور ستنقلب بالنهاية لصالح كريستين بتعاونها مع رجل الدين (جون مالكوفيتش)، لكن كل ذلك يحدث في إطار محكم من التشويق وتتابع الأحداث، مثل اكتشاف سفاح مهوس بقتل الأطفال، ومقبرة جماعية يتم استخراج عشرات الأشلاء منها، الأمر الذي يضيء إقدامه على ذلك بحرية مادامت الشرطة غافلة عن كل شيء عدا فسادها وانغماسها بصفقات مشبوهة.

 

كل ما ينتهي إليه الفيلم ينتصر لحق كريستين، إلا عثورها على ابنها، الذي يبقى لغزاً محيراً، خصوصاً أن ذلك السفاح ينفي أنه من ضحاياه الكثيرة. الدور الذي قدمته أنجلينا جولي في هذا الفيلم  لعبته بحبّ وشغف، وبدا كل ما في الفيلم من جماليات على نطاق الصورة والإيقاع على تناغم مع أدائها البارز بقوة

تويتر