السلام بين سورية وإسرائيل ضرورة استراتيجية

شلومو بن عامي *
تطورت الأحداث بشكل لافت في الشرق الأوسط، وتغير الكثير من المعطيات الاستراتيجية، واختار بعض أطراف النزاع في المنطقة كسر حاجز الصمت، والمبادرة بالمفاوضات.  وبعد سنوات من القطيعة وتبادل التهم والتهديدات، وافقت القيادتان في تل أبيب ودمشق على الالتقاء سرا في تركيا لبحث النزاع بين الطرفين.

 

والواقع إن البدء في هذه المحادثات، لم يكن بسبب التخبط الذي تشهده الحكومة الاسرائيلية برئاسة إيهود أولمرت. كما لم تكن محاولة من النظام السوري للإفلات من المحكمة الدولية التي تنظر في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، حيث توجه جهات لبنانية ودولية أصابع الاتهام إلى القيادة السورية بالوقوف وراء الحادث.  ان صفقة بين إسرائيل وسورية من أجلال إحلال السلام ضرورية، خصوصا في هذه الظروف العصيبة، بل إن اتفاق السلام بين الخصمين بات ضرورة حيوية لكلا الطرفين.

 

وتدرك دمشق أن استعادة هضبة الجولان واستمرار نفوذها في لبنان مسألتان أساسيتان لأمنها القومي.  كما تعمل القيادة السورية كل ما في وسعها لتفادي حرب مع إسرائيل قد تجلب الدمار إلى البلاد، الأمر الذي جعلها تختار المفاوضات التي قد تنتهي بتنازلات مهمة. أما بالنسبة لتل أبيب فالأمر في غاية الأهمية أيضا، فالوضع معقد في قطاع غزة والاحتقان لا يزال يخيم على الحدود الشمالية مع لبنان، حيث يتمركز عناصر المقاومة.

 

ولكي تتمكن القوات الإسرائيلية من القضاء على حزب الله يتعين عليها تدمير لبنان بالكامل، الأمر الذي سيدفع سورية إلى التدخل العسكري الذي قد يتطور إلى حرب صواريخ مدمرة خاصة بالنسبة للمواقع الإسرائيلية الحدودية. وفي المقابل ستكون إيران على استعداد للتدخل في النزاع بحجة حماية منشآتها النووية من أي هجمات اسرائيلية أو أميركية محتملة.

 

والواقع أن المعطيات الجيوسياسية قد اختلفت عما هو عليه قبل ثماني سنوات، عندما كانت دمشق تركز على الإجراءات الأمنية التي تؤهلها لاسترجاع هضبة الجولان، في مقابل إعطاء ضمانات لإسرائيل بإيجاد تسوية مع لبنان، نظرا للنفوذ الكبير الذي كانت تمتلكه في هذا البلد. كما لم تكن العلاقات السورية الإيرانية بالأهمية التي هي عليها الآن. لم يكن الانسحاب السوري من لبنان شيئا جيدا بالنسبة لتل أبيب.

 

فبعد الجولة الأخيرة من  المفاوضات مع الفلسطنيين، قبل ثماني سنوات، اتضح أن إبرام صفقة مع سورية كان يمهد الطريق أمام اتفاق مع لبنان وتأمين الحدود الشمالية. واليوم يجب أن يكون أي اتفاق مع دمشق عاملا مساعدا على وضع أسس اتفاق دائم مع بيروت. وفي الوقت الذي عرف حزب الله ازدهارا كبيرا إبان الوجود السوري، أصبح اليوم قوة سياسية أقوى من أي وقت مضى.

 

وفي المقابل يمكن أن يكون السلام مع دمشق لبنة أساسية في بناء سلام شامل مع بقية الدول العربية، ومن ثم ستعرف منطقة الشرق الأوسط الاستقرار والهدوء. إلا أنه من غير المنطقي أن تنهي سورية علاقاتها الخاصة مع إيران بمجرد توقيع الاتفاق مع تل أبيب واسترجاع الهضبة المتنازع عليها. ولكن موقفا إيجابيا لدمشق قد يغير الموازين في اللعبة السياسية بأكملها.
* صحافي إسرائيلي
تويتر