«أنفاق رفح».. قناة التجارة الحرة للفلسطينيين المحاصَرين
عالم الأنفاق مواجهة مستمرة للمخاطر. الإمارات اليوم
في مدينة رفح الواقعة على طرفي الحدود بين قطاع غزة جنوباً والأراضي المصرية يتم حفر «الأنفاق الأرضية» التي تعد المتنفس الوحيد للمواطن الفلسطيني في توفير حاجاته، في ظل إغلاق معبر رفح البري الذي كان يشهد حركة التجارة الحرة بين الطرفين، بالإضافة إلى عدم دخول العديد من البضائع عبر بقية معابر القطاع.
ويقوم أصحاب الأنفاق في الجانب الفلسطيني بإدخال جميع البضائع التي شح وجودها بفعل إغلاق المعابر من الأراضي المصرية، وتتنوع ما بين المسموح الذي ينفع جميع المواطنين، والممنوع الذي يضر بحياتهم مثل المخدرات، فيما يبرز في ذلك ارتفاع الأسعار نتيجة المبالغ الباهظة التي يدفعها التجار لأصحاب الأنفاق، ووصلت إلى 350 دولاراً لـ«الشوال» الواحد بغض النظر عن محتوياته.
صناعة الأنفاق
وأضاف«ان المدة التي يستغرقها حفر النفق تمتد ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، حسب قرب أو بعد المسافة عن الحدود مع مصر وبما يسمح به الوقت الذي نستغرقه في الحفر وإخراج الرمال» مشيراً إلى أن تكلفة تجهيز النفق بشكل كامل وصالح لنقل البضائع تتراوح بين 35 و40 ألف دولار حسب طوله.
وأوضح صاحب النفق الملقب بـ«أبو حسين» أن النفق الذي يشرف عليه هو وعدد من الأشخاص، تم حفره قبل عام ويقومون من خلاله بإدخال المواد الغذائية والأدوية وبعض الأجهزة الكهربائية، مشيرا إلى أن البضائع التي يتم إدخالها يتم وضعها في أكياس كبيرة تسمى «شوال» ويبلغ ثمن الواحد 350 دولاراً بغض النظر عما يوجد بداخله.
ونوّه بأن سبب ارتفاع ثمن الكيس الواحد من البضائع هو أن النسبة المالية التي يتلقونها من التجار بالكاد تفي بتكلفة النفق والعاملين عليه. وقال عامل في النفق يدعى «أبو ثائر» وهو يقوم بنقل أكياس البضائع من الداخل عبر ماكينة كهربائية مخصصة لذلك «إن أصحاب الأنفاق يحققون تجارة رابحة لهم من خلال العمل بها وجلب البضائع التي تعتبر الحاجة إليها كبيرة، كما أنه تعود عليهم بالأرباح التي يجلبونها من وراء هذه التجارة» مشيرا إلى «أن جزءا كبيرا من الأرباح يغطي تكلفة تجهيز النفق والعاملين به».
وذكر أن عدد العاملين في النفق الواحد ما يقارب 30 عاملاً موزعين على فترتين من العمل كل فترة تمتد إلى 12 ساعة متواصلة من العمل، موضحا أن ما يقارب سبعة عاملين يوجدون داخل النفق من أجل نقل البضائع من التجار المصريين، ويتم سحبها إلى الجانب الفلسطيني وترفع بواسطة ماكينة كهربائية أعدت خصوصاً لهذه العملية.
وقال «أبو حسين» صاحب أحد الأنفاق «إن العمل في هذا المجال ليس كما يتخيله البعض بأنه مصدر سهل لجلب الرزق فنحن نواجه مخاطر كثيرة تبدأ من حفر النفق وتبقى موجودة طوال فترة عملنا في نقل البضائع، فقد وقع عدد من العاملين ضحايا وفقدوا الحياة عندما انهارت عليهم الرمال في أنفاق كانت قيد التنفيذ». و
أضاف «وهناك من توفي جراء اختناقه داخل النفق وهو يقوم بنقل غالونات من الوقود إلى الجانب الفلسطيني».
موردون ومهربون
ونفى «أبو حسين» إدخاله المواد الضارة والممنوعة مثل المخدرات، حيث إنه يقوم بجلب جميع المواد الغذائية والأدوية التي تطلبها بعض الصيدليات وبعض الأجهزة الكهربائية وقال «إن مهربي المخدرات والمواد الضارة عبر الأنفاق هم أشخاص محدودون ويتعاملون بهذا الجانب لجلب المزيد من الأرباح الكبيرة لهم، حيث يطلب مبالغ باهظة مقابل إدخالها لتجار المخدرات، وربما يكون هو أحد تجارها». وأضاف «ان إدخال المواد الضارة يتم في أوقات محددة حتى لا يتم اكتشافها من قبل أي جهة، بينما جلب البضائع المسموح بها يتم بصورة دائمة ولكن بشكل يحافظ على سرية وجودها حتى نضمن الاستمرارية».
وفي المقابل ينظر المواطنون والتجار في غزة إلى قضية إدخال كل أنواع البضائع عبر الأنفاق الأرضية على أنها بين الضارة والنافعة لهم. فمن جانب تعتبر متنفسا لهم في ظل إغلاق المعابر وشح البضائع، ومن جانب آخر يوجد استغلال من قبل أصحاب الأنفاق بسبب ارتفاع ثمن نقلهم للمواد التي تحتاج إليها السوق، بالإضافة إلى ارتفاع سعرها عما كانت عنه في السابق.
وقال التاجر محمود حجازي صاحب شركة كمبيوتر في غزة «إن جميع البضائع الموجودة في محلنا نحصل عليها من تجار يجلبونها عبر الأنفاق، فنحن مضطرون للتعامل مع إدخال البضائع بهذه الطريقة، فقد مرت علينا أوقات شُحت بها أجهزة الكمبيوتر وفقدت قطع الغيار والاكسسوارات الخاصة به وارتفع ثمنها أضعافا بسبب إغلاق المعابر، بالإضافة إلى عدم تلف عدد كبير من البضاعة التي كانت عالقة على المعابر ولم نتمكن من إدخالها».
وأضاف «ان إدخال البضائع عبر النفق عمل على حل المشكلة التي نعاني منها بشكل جزئي، حيث وفرت لنا بضائع حتى نتمكن من البيع والشراء ولا نتكبد خسائر كبيرة» مشيرا إلى وجود سلبية كبيرة للتعامل بهذه الطريقة، حيث إن الأجهزة الكهربائية لا يوجد عليها ضمان، وذلك لعدم جلبها بطريقة رسمية.
ونوّه حجازي بأن البضائع التي يتم إدخالها عبر الأنفاق قد ارتفع سعرها أضعاف سعرها الحقيقي، حيث إن أصحاب الأنفاق يحصلون على مبالغ كبيرة مقابل تسهيل عملية النقل للتجار، فقد ارتفع ثمن أرخص جهاز من 400 دولار إلى 500 دولار. وقال التاجر فادي أبو علي، صاحب محال عطور وأدوات تجميل «إن جميع البضائع التي توجد بمحالنا هي عن طريق الأنفاق وأنا أتعامل بشكل مباشر مع أصحابها وليس مع تجار وسطاء، حيث أطلب منهم جميع البضائع التي أحتاج إليها، ويقومون بإدخالها لي بعد أيام عدة».
وأضاف «لكن أصحاب الأنفاق يحصلون على مبالغ كبيرة مقابل إدخال البضائع أكثر من الرسوم التي كنا ندفعها عبر طريق المعبر، حيث يصل ثمن الكيس الواحد إلى 350 دولاراً، ونحن ندخل عشرات الأطنان من البضائع، وهذا يكلفنا كثيرا لكننا مضطرون له».
من جهة أخرى، قال المواطن أسامة أبو سلطان «إن السوق والمواطن في غزة يمران بمعاناة نتيجة فقدان الكثير من البضائع الأساسية، خصوصاً الغذاء، ونحن مضطرون كحل مؤقت لشراء السلع التي تدخل عبر الأنفاق ولكن أسعارها مرتفعة مما يبقي جزءا كبيرا من الأزمة قائما، مؤكدا أن الحل المناسب لهذه الأزمة هو فتح المعابر».
وأشار إلى أن الأنفاق الأرضية أسهمت بشكل كبير في ظاهرة خطرة وهي عملية تهريب المخدرات والمواد الضارة بالشباب والمجتمع بعيدا عن أنظار المسؤولين. أما السائق رفيق السالمي فقد عبر عن غضبه من سياسة الاستغلال التي يتبعها أصحاب الأنفاق بسبب غلاء ثمن البضائع خصوصاً الوقود الذي يتم إدخاله من الجانب المصري حيث يصل ثمن الغالون الواحد سعة 18 لترا 350 شيكل، بينما سعره الطبيعي لا يتجاوز الـ100 شيكل.
وقال السالمي«إن تجارة الأنفاق تفيد أصحابها الذين يقيمون عليها ويحصلون على أرباح عالية جدا، ولكنها في الوقت ذاته تعتبر المتنفس الوحيد للناس الذين يضطرون لشراء السلع التي يتم جلبها بهذه الطريقة». |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news