القروض البنكية
تتنازع المصارف منذ سنوات لرفع سقف القروض الشخصية، فالأرباح التي تدخل على البنوك من هذا الباب غير منظورة، ودرجة المخاطرة فيها، أو ما تسمى «الديون المعدومة» قليلة ومحدودة، وتكاليف الخدمة التي يتطلبها هذا النشاط قليلة. ولذلك كانت البنوك العاملة بالدولة، ولاتزال، تركز أكثر أنشطتها الاستثمارية في مجال الإقراض الشخصي، وتمويل المشتريات عالية المردود، وانتظار تراكم الفوائد البنكية في شكل عوائد تفوق أي مجال آخر للاستثمار.
والآن استجدت ظروف؛ فالرواتب زادت في معظم المؤسسات الاتحادية والمحلية، يقابلها ارتفاع في أسعار كل شيء، من رغيف الخبز وحتى السيارة، يكملها اتساع دائرة الاستهلاك لدرجة منقطعة النظير، في ظل غياب سياسة اقتصادية وخطط اجتماعية توجّه السلوك الاستهلاكي، وتقنع الناس بمعنى الترشيد وماهية الادخار، وخطورة الانفلات الاستهلاكي. كل هذه الأسباب، وتلك الظروف، مهدت الأرض أمام البنوك لتؤكد «حقها» في رفع سقف قروضها للأشخاص، متكئة على دعاوى اقتصادية محورها تدوير السيولة في المجتمع وتنشيط القطاع المصرفي لرفد النمو في الاقتصاد الوطني، دون أي اعتبار لمبادئ الاستقرار الاجتماعي، والتماسك الاجتماعي، والحفاظ على نسيج المجتمع من التآكل، ودون النظر إلى مسؤولية مؤسسات الاقتصاد الوطني في تشجيع السلوك الادخاري، وإشاعة ثقافة الاستثمار والترشيد. ونظراً إلى اجتياح ثقافة الاستهلاك، وقلة الوعي الاستهلاكي لدى غالبية الناس، وشيوع سلوك التنافس الاجتماعي فإن خطوة البنوك في رفع سقف القروض الشخصية وَجدت لها نفوساً متلهفة، عذرها ان الراتب قد تضاعف، وان القدرة على السداد قد ارتفعت. وربما، بمنطق المؤقت، يجد هذا الاعتقاد ما يؤكده، ولكن في حدود الآني فقط لا غير، دون النظر إلى احتمالات تغيّر الظروف الخاصة بالشخص، مثل ترك الوظيفة أو الإحالة إلى التقاعد، أو المزيد من الارتفاع في الأسعار وهبوط القوة الشرائية للدرهم. عندها ستضمن البنوك استرداد ديونها المستحقة على المقترضين، ولكن هؤلاء المقترضين هم من لا يستطيع ضمان المستقبل. وفي مثل هذه الحال فإن النتائج لن تكون وخيمة عليهم وحدهم فقط، بل على المجتمع بأسره. |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news