تمكن بن ظبوي من جمع الصقور والنسور في قفص واح.د تصوير: مصطفى قاسمي
عمل متوارث منذ أجيال، وهواية يترعرع الطفل على محبتها منذ صغره، لتصبح عملاً وشغفاً يتملكان المواطن البدوي، بحيث يبني علاقة وثيقة بالحيوانات، التي تألفه وتتأقلم مع الجو الذي يفرضه عليها، على الرغم من أن بعضها ينتمي إلى فئة الطيور الجارحة والمتوحشة.
يعرض مالك ومدرب مؤسسة «الخيول الصغيرة»، خالد بن ظبوي عدداً من حيواناته وطيوره في ركن الفروسية، الواقع في الردهة الغربية، في مدينة مدهش الترفيهية، ضمن مفاجآت صيف دبي، حيث ينتقي الزوار النسر أو الصقر ليلتقطوا معه صورة، في حين يمتطي آخرون الحصان أو الجمل أو الحمار في دورة صغيرة، كاسرين حاجز الخوف، بفضل الترويض المستمر والعناية الكبيرة من قبل بن ظبوي وفريقه المتخصص.
تعد تربية الطيور والحيوانات من العادات والتقاليد التي يشدد عليها البدو في الدول العربية منذ القدم، ويقول خالد بن ظبوي، مالك مؤسسة الخيول الصغيرة، إنه يحب تربية الحيوانات والاهتمام بها منذ صغره، لتصبح عملاً متوارثاً من الآباء والأجداد، وهواية يطورها باستمرار، خصوصا أنه يدربها ويهتم بها بنفسه، على الرغم من كثرة عددها وتنوع فئاتها وفصائلها، ويضيف «ترمز تربية الحيوانات للرجولة»، وعلامة قوة ومفخرة له ولعائلته ودليل شهامة، فضلاً عن أنه يعلمها لأطفاله، الذين يساعدونه في المزرعة التي يملكها.
تضم المزرعة، التي يسميها بن ظبوي بـ«العزبة»، أنواعاً من الطيور الأليفة والجارحة مثل الصقور والنسور، والخيول والجمال، والكلاب السلوقية، ويقول «لطالما استخدمت هذه الحيوانات لصيد الطرائد»، غير أنه يربيها بهدف المشاركة في العروض الخاصة والمهرجانات، وفي حفلات أعياد الميلاد والمناسبات والأعراس والمدارس»، مشيراً إلى هذه هي مشاركته العاشرة في مهرجان «صيف دبي»، و«مدينة مدهش الترفيهية»، لأن الزوار يحبون التقاط الصور مع الحيوانات والطيور، خصوصا النسر والجمل.
طيور جارحة
يجمع بن ظبوي في القفص الموجود في ركن الفروسية في مدينة مدهش الترفيهية الصقر والنسر معاً، ما يثير استغراب الناس، لأنهما من الطيور الجارحة، التي لا يعيش بعضها مع بعض، ويقول «يسألني البدو عن الطريقة التي استخدمتها كي أجعلها تتآلف وتتأقلم في قفص واحد»، فيوضح المواطن المدرب أنه يقوم بتربيتها منذ صغرها، ويعلمها سماع كلامه وتنفيذ أوامره، مشدداً على أنه يؤمّن لها الطعام والعناية الصحية الكاملة، لتعيش مسالمة وآمنة، خصوصا أنها لا تنقر بمنقارها بل تغرز مخالبها في جسد فريستها أو مهاجمها.
وفي السياق ذاته، يؤكد بن ظبوي أن الطيور الجارحة لا تهاجم الإنسان إلا إذا كانت جائعةً، ويقول «تأكل الطيور الجارحة اللحوم»، حيث يقدم لها الحمام والفري والفئران الصغيرة والبط والأرانب ولحم البقر الأحمر، مفسراً أهمية التنويع في الطعام، ليتمكن الطير من تغيير ريشه بسرعة، كما يأخذها باستمرار إلى الطبيب البيطري الذي يقدم لها الأدوية واللقاحات اللازمة كي تعمر طويلاً، ويشير إلى أن الطيور تعيش نحو 20 عاماً، في حين قد يبلغ عمر النسر 50 عاماً، غير أنه ليس متأكداً من صحة المعلومة.
ومن قصصه الغريبة، يخبر بن ظبوي «أضع في بعض الأحيان طعاماً طازجاً للطيور، فتأكل النسور اللحم من الفريسة، في حين تلتهم الصقور الجــيفة، بعد أن تنتهي الأولى من طعامها»، لتكون دليلاً على نجاح المدرب في ترويض الطــيور المفترسة، المهنة والهواية التي يرغب في نقلها إلى أولاده، كميراث يحــمل في طياته عبق التــقاليد والعادات العربية والخــليجية.
وفي ما يخص الأجواء المناسبة للطيور، يفسر بن ظبوي أن الطيور الإماراتية المولد والمنشأ أكثر قدرة على تحمل الجو الحار والرطب، لأنها معتادة على الصحراء والحرارة المرتفعة، غير أنه اعتاد على وضع الطيور في أوكارها خلال الأوقات المعتدلة، فيما يضعها في أقفاص مبردة خلال فصل الصيف الحار.
وعن الأفضلية بين الطيور، يشرح بن ظبوي أن النسور تسرق الأضواء من الطيور الأخرى، إذ رغب الجميع في التقاط الصور معها، إلا أن قدرة الصقر على الاصطياد أكبر، خصوصا «الحر جير» البالغ طوله نحو 18 سنتمترا، والقادر على صيد الأرانب والحبارة والكروان، في حين أن «التبع» أسرع، وقد تصل سرعته إلى 350 كلم في الساعة، لكنه يصطاد الحيوانات الصغيرة، التي تتناسب مع حجمه الصغير نسبياً.
أصول عربية
ومن رموز العزة والشهامة، يربي بن ظبوي الخيول والجمال، ويدربها بنفسه، ويقول «تربطني علاقة وثيقة بها، إذ تعرفني من خلال رائحتي»، خصوصا أنه يعاملها بطريقة جيدة ما يجعلها أكثر مرونة وإطاعةً، فلا يستخدم القوة إلا في حالات نادرة، ويضيف «الخوف والإزعاج يدفعان الحصان أو الجمل للتصرف بطريقة عدوانية أو مؤذية»، لأنها ردة الفعل الطبيعية التي يقوم بها أي كائن حي.
وعن قدرتها على سماع كلامه وتنفيذه، يفسر بن ظبوي أنه كان في إحدى المرات ذاهباً لتأدية سنة العمرة، عندها اتصل به أخوه ليخبره بأن الجمل «شاهين» يرفض الانصياع لأوامره، فطلب منه وضع الهاتف على أذنه، ليقف بعدها بسرعة، ما أصاب الأخ بالذهول، ويكمل بن ظبوي «سألني أخي عما قلته للجمل»، فأجابه أنه طلب من الوقوف، موضحاً أنه عرفه من صوته، ما دفعه لتنفيذ الأمر طواعية.
ويملك بن ظبوي 15 جملاً عربياً، إلا أنه اشترى جملاً برياً من أميركا الجنوبية، ويقول «يحب الناس التقاط الصور مع اللاما»، غير أنها حيوان مزاجي، ويرفض العمل حين يصاب بالتعب أو الجوع.
وبالانتقال إلى الخيول، يشير بن ظبوي إلى أنه يربي الخيول العربية الأصيلة التي «لا تكل ولا تمل» من العمل أو الركض، والمتميزة بقدرتها على التحمل، ويقول «خيولي عربية 100 % وسريعة»، غير أنها لا تشارك في المسابقات، لأنه يشتريها من المزادات العلنية بعد «تفنيشها»، لعدم أهليتها بسبب التقدم في السن، خصوصا بعد تعديها سن 20، لكنه يوضح أن حصانه الأول «ثلجي» فأل حسن عليه، ويشرح «تطورت أعمالي بعد شراء ثلجي وصرت أملك 66 حصانا».
وكذلك، يقول بن ظبوي إنه وسع مزرعته، وبدأ بشراء الخيول تدريجياً من خلال عرض «ثلجي» في الأسواق ليلتقط الناس الصور معه، ويشرح أن سعر الصورة كان درهماً واحداً، لتتحول مع مرور الوقت وغلاء المعيشة إلى 10 دراهم. ورغم ذلك، تهافت الناس لأخذ صور تذكارية على ظهور الحيوانات، ويشير إلى أن الهنود والفلبينيين يحبون الحمار ويجدونه غريباً، في حين يفضل الأجانب الجمل.
حديقة حيوانات
تحتوي عزبة بن ظبوي على السلاحف والقنافذ والفئران والأرانب، فضلاً عن تمساح صغير يحتجزه في قفص مائي. ولا يخفي المدرب الإماراتي رغبته في تحويل المزرعة إلى حديقة حيوانات يقصدها الناس لمشاهدة واكتشاف عالم الحيوان المليء بالكثير من الخبايا والخفايا، كما يبدي انزعاجه من جهل فئة من الناس، الذين لا يعرفون الحيوانات وأشكالها، خصوصا أنهم يخلطون بينها، ويقول«سمعت في إحدى المرات أباً ينادي ولده الصغير ليشاهد البقرة»، في حين كان الحيوان المعروض حصاناً أبيض مرقطاً بنقاط سود، فما كان منه إلا أن تدخل وصحح المعلومة. أو عن طفل سمى الجمل بالديناصور، ما جعل بن ظبوي يطلق عليه لقب «ديناصور العرب».
يحب بن ظبوي مهمة الاعتناء بالحيوانات، لذلك يهتم بتوعية الناس، رافضاً تلبية الطلبات بوضع أنواع وأسماء الحيوانات على لافتات بالقرب منها، إذ يجدها متعة شخصية، تثبت تمرسه في هذا العالم، ليضرب عصفورين بحجر واحد؛ التكلم عن الحيوانات المحببة إلى قلبه «كولد من أولاده»، وتصحيح المعلومات الخطأ.
الصقور أقوى الحيوانات
يعتبر الصقر من أقوى الطيور الجارحة، فهو سريع وقوي وذكي ورشيق، ما جعله الطير المناسب للصيد، خصوصا أن بعض الناس يستخدمه لاصطياد الحيوانات الكبيرة مثل الغزلان، غير أن البدو العرب يستخدمونه لصيد الفرائس الصغيرة مثل الحبارة والكروان والأرانب.
تختلف أنواع الصقور وأشكالها، غير أن الصقر الأقوى يتمتع بمواصفات مميزة، من أبرزها اللون الأحمر، والحجم الضخم، والعنق الطويل، والذنب القصير، والجناحان الكبيران، والمخالب الغليظة، واللسان الأسود. لا تستطيع الفريسة الإفلات من مخالب الصقر، خصوصا أن بصره قوي جداً، إذ يستطيع رؤيتها من مسافة تتخطى 10 كيلومترات.
أما «البرقع»، فهو الغطاء الذي يفترض أن تُغطى به عينا الصقر المروض، كي لا يهجم على فريسته قبل الأوان، كما يجعله هادئاً ومطيعاً، في حين أن «السبوق» هو الحبل الذي تربط به أرجل الصقر كي لا يطير، فيما يسمى المكان الذي يجلس عليه الصقر ويمضي أغلبية وقته بالـ «مجسم».
|