من كاليغاري إلى هتلر

قيس الزبيدي

 

هناك كتابان حول تاريخ السينما الألمانية، لهما أهمية فائقة في الأدبيات السينمائية العالمية: كتاب كراكاور الذي ترجم إلى العربية، وكتاب لوته ايسنر «الشاشة الشيطانية».

 ما نوع الآمال والمخاوف التي كانت تعصف بألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى؟ وكيف انعكست في الأفلام الألمانية؟.

 

كان الفيلم الألماني، في الفترة التي سبقت مجيء هتلر إلى السلطة، أشبه بمسرح أحداث صراعات داخلية يتحكم فيها تياران رئيسان من الأفلام، تيار مناهض للدكتاتورية، وتيار، كان الأقوى، خدم الدكتاتورية وابتعد تماماً عن الإشارة إلى أي حل يمكن أن يقود إلى التقدم الاجتماعي.

 

من ناحيتنا سنتابع هنا خط المخاوف الذي سارت عليه بعض أفلام التيار الأول، بداية، في الفيلم التعبيري الكلاسيكي الشهير «مقصورة الدكتور كاليغاري» الذي عبر عن حياة الألمان وهروبهم من واقعهم المؤلم إلى «مملكة الروح» وإلى قوقعة الذات الداخلية. لقد انعكست في هذا الفيلم صورة الوجه المزدوج لتلك الحياة، وتم الربط فيها بين حقيقة انتصار سلطة «كاليغاري» وبين الوهم الذي سقطت فيه هذه السلطة!

 

يرجم الفيلم الأوهام الكاذبة للمجنون كاليغاري واستخدامه العنف بطريقة التنويم المغناطيسي لإجبار النفوس البشرية على تنفيذ رغباته الإجرامية، بحيث جعلته مبشراً بهتلر، الذي كان أول من استخدم تلك الرغبات في ما بعد إلى حدود هائلة!

 

أيضا فيلم فريتز لانغ «الدكتور مابوزه المقامر» تناول شخصية طاغية معاصر، شبيهة بشخصية كاليغاري، لكنها  شخصية بدت كما لو أنها ملهمة امة أو كما لو أنها كائن فوق بشري لا ضمير له، يسيّر عصابة من القتلة وينشر بمساعدتهم الإرهاب في المجتمع!

في فيلم «وصية الدكتور مابوزه» عاد المخرج لانغ في العام 1932 إلى بعث مجرمه الخطير مابوزه مرة أخرى، لكي يظهر الشبه الشديد بينه وبين هتلر!

 

في ما بين الفيلمين يضع فيلم «الرجل الأخير/ 1924» عالمين قبالة بعضهما البعض: عالم الفقر وعالم الرفاهية، عالمين تحافظ السلطة بينهما، وتمثلها «بزة» بواب الفندق العجوز الذي ما أن يضطر إلى نزعها، حتى ينهار النظام الذي حافظت عليه. أما في فيلمه الآخر «م، مدينة تبحث عن قاتل» فيعود لانغ ليصور فيه شخصية سفاح الأطفال الشهير في مدينة دسلدورف، وهو سفاح كان يخضع  لدوافع نفسية مريضة، وقادته غريزة القتل المتأصلة فيه إلى ارتكاب الجرائم، تماماً مثلما قادت إرادة الدكتور غاليغاري القوية شخصية «سيزار» المنوّم مغناطيسياً إلى ارتكاب الجرائم!

 

في البداية أراد لانغ أن يسمي فيلمه «القتلة بيننا» لكنه تراجع عن التسمية، بسبب منعه من استخدام الاستوديوهات السينمائية، وتلقيه رسائل التهديد. وكان الدافع من وراء ذلك خشية الحزب النازي، أن يوحي العنوان بالجرائم التي كان يرتكبها! لم يكن بوسع معظم الشعب الألماني، الذي كان مستسلماً للتراجعات الاجتماعية، إلا أن يخضع إلى سلطة هتلر المقبلة. وكما تكهنت الأفلام، انطلقت  الشخصيات التي استحضرتها الأفلام من «الشاشة» إلى «المجتمع» وكما حصل كل شيء على شاشة السينما: تعالى ضجيج المعارك وتعاقبت الانتصارات، وتحقق أيضا التشاؤم المبهم حول النهاية والسقوط! 

 

  

alzubaidi@surfeu.de
تويتر