هل تنقرض القصة القصيرة العربية؟ نطرح هذا السؤال ونحن نلحظ هذا التراجع الكبير من قبل الكُتّاب على كتابة القصة، ما انعكس سلباً على قرائها، وندواتها ومهرجاناتها ولقاءاتها، ومدى الاهتمام الإعلامي بها. وإذا كان هنالك من يشير إلى غربية منشأ القصة القصيرة العربية، فإننا نذكّره بالرواية أيضاً وبالأشواط التي قطعتها.
لقد شهد منتصف القرن الماضي نشأة القصة العربية الحديثة، وتمثل ذلك في قصة يوسف إدريس وزكريا تامر وغسان كنفاني. وشهدت القصة العربية في العقود الثلاثة الأولى، من النصف الثاني من القرن، نهضة وصعوداً كبيرين، إلى أن أخذت الرواية العربية في الصعود منذ أواخر الستينات، ليلمع نجمها في السبعينات والثمانينات، قبل أن ينحسر القص العربي. ونستطيع اليوم أن نؤكد أن القصة القصيرة قاومت محاولات تهميشها، من دون أن تضع نفسها في مواجهة الرواية، لأن الأجناس تتكامل ولا تتصارع. ولكن محاولات القصة القصيرة اقتصر على فئة قليلة من الكتّاب، واعتمدت على اندفاع العديد من الشباب الجدد، الباحثين في الأصل عن مكان في المشهد الأدبي. وبمعنى آخر، فإن القصة القصيرة العربية لم تلق الإخلاص الحقيقي من كتابها الذين كانوا يتكاثرون في العقود الثلاثة التي ذكرنا، بل إن كثيراً منهم سارع إلى التخلي عنها، والالتحاق بقافلة الرواية. كان على القصة القصيرة أن تتطور من داخل جسدها نفسه، لا من خلال انتحال سمات أشكال أخرى كقصيدة النثر العربية مثلاً. لكن القصة القصيرة العربية لم تجد سوى بعض التغييرات الثانوية، فظهرت القصة القصيرة جداً، وهي لا تحمل في طياتها مشروعاً قصصياً مختلفاً أو مغايراً لما حملته القصة العربية من قبل. أي أن هذا التغيير طال حجم القصة القصيرة، ولم يتمكن من حمل قوة تدميرية للبنى التقليدية في القصة القصيرة. كان الأمر ـ ولايزال ـ في حاجة إلى بعديه في الشكل والمضمون. فلا يمكن الفن أن يكون ثورياً ما لم يحمل هذه القوة التدميرية في شكله الجديد المغاير. وهو ما جعل واحدا، مثل هربرت ماركوز، يقول إن شعر رامبو وبودلير كان ثورياً أكثر ممن ادعوا الثورية بمضامينهم. لقد فعلت قصيدة النثر ذلك، وفعلت الرواية العربية ذلك أيضاً. ولكن القصة لم تتمكن من الخروج من دائرة البدايات والنضوج، إلا في ما ذكرناه مما سمي بالقصة القصيرة جداً. وهي محاولة أشبه ما تكون بمحاولة خروج الموشحات الأندلسية على القصيدة العمودية، أي أنه خروج من أجل معاودة الدخول، خروج أشبه بتغيير غلاف الكتاب والإبقاء على محتوياته.
وهو ما لم يفعله الشعراء الصعاليك مثلاً، حين خرجوا لأجل الخروج، ما جعل قصيدتهم لا تمتاز بمضامينها فحسب، بل إنها تمكنت من تحطيم البنية التقليدية السائدة آنذاك، وشيدت بنيتها الخاصة الملائمة لمضامينها. فاختفت الطللية من شعر الصعاليك، بالنظر إلى أن الوقوف على الأطلال في شعرهم، سيكون مخالفاً لرغبتهم في الانفصال عن القبيلة بكل ما مثّلته. المطلوب إذاً محاولة جادة للخروج، والتخلي عن الشعور بالدونية تجاه الرواية، لئلا نقرّ طوعاً، في ما بعد، بتفضيل جنس أدبي على آخر.
damra1953@yahoo.com
|