هبـة قـواس: الغنـاء العـربـي «حـالـتــه حالــة»

هبة قواس: أوروبا استنفدت كل ما لديها، ومازال الشرق غنياً بما لديه.تصوير: سعيد دحلة      
 
استطاعت الفنانة اللبنانية هبة قواس أن توجد لنفسها مكانة خاصة على الساحة الفنية العربية والعالمية عبر مشروعها الفني الخاص، وتسعى من خلاله لتقديم أوبرا عربية تحمل حلم الجمهور العربي وتعبر عنه.
 
وقالت قواس لـ«الإمارات اليوم» ان الغناء الاوبرالي ليس جديداً على الموسيقى العربية، لكنه غريب عن الأذن العربية التي اعتادت الغناء المصري واللبناني، متهمة وسائل الإعلام بالتسويق للغناء التجاري والاستهلاكي وتوصيله للبيت العربي بدلاً من ان يقتصر على الملاهي الليلية.

 
واعتبرت نفسها من المحظوظين، «فهناك العديد من أصحاب المشروعات الغنائية الجادة ولكنهم مغيبون، كما ان هناك مشروعات فنية تم اجهاضها لعدم توافر الانتاج» وأضافت ان النجاح الذي حققته في الخارج ساعدها كثيراً على الحصول على الدعم والانتاج.

 

أوبرا عربية
وقالت قواس إن حلمها الكبير بتقديم أوبرا عربية تجاوز نطاق الحلم بعد أن أصبحت هناك خطوات فعلية لتحقيقه على ارض الواقع منذ بدأت أعمالها تنتشر في أوروبا والعالم العربي، لافتة إلى ان «فكرة تنفيذ اوبرا عربية ليست جديدة تماماً، فقد سبق وعرف العالم العربي ترجمة بعض الأعمال الاوبرالية للغة العربية كما حدث في مصر، لكن ترجمة الأوبرا لا يجعلها عربية، فتغيير اللغة لا يصنع للعمل الفني هوية جديدة، واللغة العربية لها موسيقاها الخاصة التي تنبع من الحروف، أيضاً يجب ان تحمل الأوبرا العربية حلم بلادنا العربية وتبعثه على مستوى عالمي، من خلال المزاوجة بين تقنية الأوبرا والموسيقى التقليدية العربية، والمحافظة على مخارج الحروف».

 

و عما يميز مشروعها الفني في هذا المجال عن المحاولات السابقة له قالت: «ما يميز اعمالي هو المزاوجة بين تقنية الأوبرا من جهة والموسيقى التقليدية العربية من جهة اخرى مع الحفاظ على مخارج الحروف العربية السليمة، وساعدني كثيراً على هذا الموضوع تجويد القرآن الكريم من ناحية، حيث لدي جوائز في هذا المجال، ومن ناحية أخرى دراستي للأوبرا، وهما العاملان الأساسيان في إثراء تجربتي والتي عملت على تطويرها»، وأضافت «حالياً اتجهت لمنح هذه التقنية لأصوات أخرى، لينتشر هذا النوع من الأعمال أكثر، و ليأتي أشخاص جدد فيما بعد يعملون على تطوير هذه التجربة، ورغم انني بدأت في تنفيذ هذا الأمر في لبنان، أسعى لتوسعته ليشمل العالم العربي كله، ولذا هناك اتجاه للتعاون مع مصر وتونس، كما ان هناك جامعات في مناطق من خارج العالم العربي مثل أميركا واسبانيا أبدت استعدادها لتعليم هذه التقنية وتعليم اللغة العربية، وهي ليست لغة سهلة مثل اللاتينية، فحروف اللغة العربية لها صوتيات غريبة تحتاج إلى وقت وجهد كبير لتعلّمها».

 

غناء دخيل
ورداً على الآراء التي ترى أن الخصوصية التي تتميز بها اللغة العربية تجعل البعض لا يستسيغ دمجها مع اللحن الغربي أو الاوبرالي، قالت قواس: «الموسيقى التي أقدمها مكتوبة بأسلوب عالمي لكنها شرقية عربية، تقوم على إحساس شرقي عربي، وهي تشبه كثيراً موقع لبنان وغيرها من دول البحر المتوسط، حيث تجمع بين الشرق والغرب، وهو ما ينطبق أيضاً على مدينة الإسكندرية المصرية»، وأوضحت أن «أسلوب الكتابة وتقنيات الغناء هي التي تحول الموسيقى، نحن نجد أحياناً في تجويد القرآن الكريم اختلافاً في طريقة نطق الكلمة، نتيــجة لما يقوم به القارئ من مد وتعريب وانتقال مقامي مكثف، وهذا لا يعني انه تجاوز التقليد العربي، بل هذا يعد أساس التقلـيـد العربي، والغناء يستمد من تجويد القرآن الكريم الكثير، مثل ما يستمد أيضاً من الترتيل السرياني والبيزنطي باعتبار ان هذه المحاور الثلاثة هي المصبات التي صبت في الموسيقى العربية والتركية أيضاً».

 
وأضافت «قد يشعر المستمع أحيــاناً انه يضيع مع التطويل في مد حرف او كلمة معينة لمساحات أوسع من المعــتاد، ولكن مع الوقت وتكرار التجارب يبدأ في التعوّد على هذا النوع المختلف من الغناء الذي لا يعد دخيلاً على الموسيقى العربية، ولكنه دخيل على الأذن التي اعتادت على الموسيقى السائدة في الـ50 عــاماً الاخيرة، وعندما نعود إلى المقام العراقي نجده يعتمد على المد، وكذلك القدود الحلبية والموشحات والمالوف والذي يعتبره البعض مأخوذاً عن الغرب والحقيقة ان الموسيقى الغربية هي التي أخــذت عنه، وحتى الأذان يعتمد على المد».


وقالت«الأغنيتان المصرية واللبنانية اللتان انتشرتا بدرجة واسعة عبر الإعلام بكل وسائله، حددتا الأذن العربية بجو سمعي معين، لكن هذا لا يعني بالضرورة ان هذه هي الموسيقى العربية فقط، فهي أوسع واشمل من ذلك كثيراً، وعموماً كل شيء جديد يحتاج إلى وقت وإلى التعوّد وهو ما يحدث حالياً».

 

غناء استهلاكي
وترى قواس أن هناك ازدواجية في الساحة الغنائية العربية، فالساحة الغنائية في الفضائيات شيء وخارجه شيء آخر، وأن «الغناء الذي تقدمه الفضائيات (حالته حالة)، فهو تجاري استهلاكي ضروري لحالات وأماكن معينة مثل المطاعم والملاهي الليلية، ولكن الإعلام العربي يقوم بتوصيله إلى البيت العربي، أما خارج الإعلام فهناك جيل لديه تطلعات مختلفة، وقادر على خلق أبعاد جديدة جداً ولكنه غير محتضن إعلامياً».


وأضافت:«اعتبر نفسي من المحظوظين الذين يوجدون في منطقة وسط بين المنطقتين، فهناك ضوء إعلامي علي مقارنة بالذين يعملون على مثل هذا اللون الموسيقي، وفي الوقت ذاته أقدم الموسيقى الجدية التي تعمل -من وجهة نظري- على تطوير الحالة الموسيقية والتي يمكن ان تأخذنا إلى موقع أكثر عالمية، وأنا أجد ان لدينا أصواتاً جميلة جداً، لكن يبدو وكأن هناك خطة لتسطيح الفكر العربي بشكل كامل، فأنا أؤمن بأن الإنسان الذي يحمل تاريخاً عريقاً يحمل قدرات هائلة ولذا اذا امتلك الوعي أصبح يشكل خطراً ولا يمكن التحكم فيه والسيطرة عليه، ولذلك من الأفضل تسطيح فكره لتسير الأمور، ولهذا السبب نجد ان غالبية العرب الذين يهاجرون خارج العالم العربي يحققون الكثير من الانجازات في كل المجالات العلمية والإبداعية والتي تسجل بأسماء الدول التي يعيشون فيها».


تقصير متبادل
وعزت قواس ابتعاد الفنانين الجادين عن الأضواء ووسائل الاعلام إلى ان «الإعلام أصبح مثل دائرة مغلقة تتحكم فيها رؤوس الأموال، ففي كل دول العالم نجد وسائل الإعلام تدفع للفنان حقوق الملكية لأغنياته وأعماله، ولكن عندنا تعوّدت المحطات التلفزيونية على ان تحصل هي على أموال من شركات التسويق والإنتاج التي تقدم إنتاجاً تجارياً رخيصاً مقابل عرض ما ينتجونه»، وبحسب قواس «هي حالة مخالفة لقانون الملكية الفكرية، ويمكن أن تتم مقاضاتهم عليها أمام محاكم دولية، ولكن ومن خلال تجربتي وجدت انه من الصعب تغيير الساحة الفنية العربية بهذه الطريقة، ولكن يتم التغيير بشكل بطيء، وهي مسؤوليتنا نحن وليست مسؤولية الآخرين، وبالتالي اعتبر التقصير من جهتنا نحن وليس من الآخرين ومن بينها وسائل الاعلام، لأن وعيهم أصبح في الاتجاه الذي نجدهم عليه حالياً، وعلينا ان نتكاتف مثقفين وفنانين عرباً من أجل خلق حالة جديدة تلفت انتباه الآخرين، وكذلك الإعلاميون في حاجة لمثل هذه التوعية، وهذا ما جعلني أغير اسلوبي، وأؤمن بأهمية مد جسور التواصل مع الآخرين».

 
صعوبات الإنتاج
وشددت الفنانة اللبنانية على أن صعوبات الإنتاج اجهضت بالفعل الكثير من المشروعات الفنية والابداعية الجادة «في بلد عاش حرباً طويلة زادت من صعوبات الإنتاج الفني، الدولة كانت مرهقة ولا تملك القيام بإنتاج اعمال فنية ضخمة مثلما تفعل الدول عادة حيث تتولى انتاج المشروعات الثقافية والفنية من خلال دور أوبرا تمتلك موازنات وأوركسترا وغير ذلك، لكن مقابل هذه الصعوبات حصلنا على نعمة اخرى وهي ان أصبحنا مؤسسين لمشروعات فنية وهذا شرف كبير لي حصلت عليه بعد الكثير من الجهد والعناء، ولكن النجاح الذي حققته في الخارج ساعد على فتح أبواب جديدة أمامي، و هذا لا يعني ان الأمر أصبح سهلاً بالكامل، فأنا لدي القدرة على ان اقدم عملاً جديداً كل شهر ولكن أين الانتاج، فنوعية العمل الذي نقدمه مكلفة جداً خصوصاً وانها تعتمد على وجود أوركسترا كبيرة ومسرح وتنظيم كامل». 

 

مواهب متعددة
نفت هبة قواس أن يكون هناك تعارض بين ما تقوم به من أدوار متعددة في العمل الفني الذي تقدمه مثل التلحين والغناء وقيادة الاوركسترا نظراً لأنها بدأت هذه الامور من طفولتها فبدأت الغناء وعمرها عامان ونصف العام كما بدأت التأليف الموسيقي وعمرها لم يتجاوز أربع سنوات، وبالتالي تفتّح وعيها بين هذه الأعمال، وكانت مثل الالعاب التي يقضي الأطفال وقتهم معها، خصوصاً وانها طفلة وحيدة دون إخوة وأخوات.
 

الأكثر مشاركة