أقول لكم
|
|
ذهبت إلى كورنيش العاصمة، اخترت وقتاً للتأمل والاستمتاع بالإبداع، ومع بزوغ الفجر رأيت «الجاكيت» منتصباً، هكذا، من دون جسم، أو حتى رأس يعطينا دلالة على المعنى، أو إيحاء نلج منه إلى أعماق الفنان الذي أبدعه، ولا أدري لماذا قفز ماو تسي تونغ أمامي، فهذه ذكرى الصبا والشباب، وماو الزعيم الشيوعي الذي قاد ثورة الصين الكبرى، ثم كان الرمز والقدوة للحركات الثورية في العالم كله، ماو بصلابته وانعكاسات شخصيته الفريدة تميّز بذلك الزيّ الذي لا يُنسى، وبلون هو أقرب إلى السواد المائل إلى الرمادي الغامق، كان لا يلبس غيره، وقد قيل إنه رمز الكادحين، وهذا «الجاكيت» هو ما كان يلبسه، وتاهت مني الأفكار واختلطت العِبر، ورسبت في المحاولة الأولى لسبر أغوار المبدعين.
وذهبت إلى «بوكشه» فهو مجسم لـ«بني آدم» كامل الأعضاء والتقاسيم، ويميّزه شعر كثيف يشبه «الموضة» التي انتشرت بعد ظهور فرقة «جاكسون فايف» في السبعينات، والتي تميزت بها ناشطة معارضة لحرب فيتنام، أظن أنها أنجيلا ديفيز، إذا لم تخني الذاكرة، ثم تحوّلت إلى «تسريحة» مشهورة باسم «افرو» أخذت حقها في الانتشار، ثم تلاشت، وأظنني جلست قبالة هذا الشكل لأكثر من ساعة، استرجعت خلالها كل ما قرأت وعرفت ورأيت، عسى أن تهديني ذكرى أو ملاحظة إلى رابط يجمع من يقف أمامي بالمكان الذي أقف عليه، وفشلت فشلاً ذريعاً، إلى درجة أنني أسفت على الوقت الذي أضعته محدقاً في «إبداع» لا يلامس النفس، أو العقل، أو الذوق، أو حتى الذكرى. ومررت سريعاً بصاحب «الشورت» الطويل، وأغمضت عيني حتى لا أرى تفاصيله، فهذا غير محسوب في المجموع العام، مثله مثل تلك المواد التي يمتحن فيها الطلاب، ولا تؤثر في نتائجهم، وسرحت بعيداً لا أدري إلى أين وصلت، ولكنني متأكد من سؤال ظل يلحّ على البال حول قيمة الفن الذي ينفر الناس منه؟ |