الأفلام الأميركية تشبع حاجات الخيال الجماعي
|
|
"سبايدر مان" مُخلّصنا من الشرور
السينما أميركية وما تبقى أجنبية، حقيقة تصرخ بنا في دور العرض في الدولة وحول العالم، وفي متاجر الأفلام أيضاً حيث نجدها مقسمة بين الرعب والتشويق والكوميديا، وهي جميعاً أميركية تحتل مجمل الأرفف، بينما يخصص رفّ أو رفان لما يندرج تحت مسمى «فورن» أي أجنبي. ومن جهة أخرى فإن شباك التذاكر يتكلم أيضاً بأن المشاهدين على استعداد دائم لأن تدهشهم وحوش خيالية متشابهة بأسماء مختلفة، ووصفات جاهزة ومتكررة من التشويق والإثارة، وصولاً إلى خيار واحد من الكوميديا. ويمكن محلياً أن تأتي السينما الهندية في الدرجة الثانية والتي لم يتغير فيها شيء إلا الأزياء وموديلات السيارات وغير ذلك مما يتناسب مع الرقصات والأغاني التي تهبط من السماء، كما أن السينما المصرية وجدت أن أفضل ما يمكن القيام به للحفاظ على حضورها تجارياً، هو الالتحاق بالسينما الأميركية، وتنصيب أحمد السقا رامبو العرب.
ليس لحقيقة تلك الهيمنة إلا أن تكون على شيء من البديهيات في وقتنا الحالي، وإن كان من جديد في ذلك هو تمادي تلك الظاهرة والقدرة الكبيرة للمستهلكين السينمائين على الاحتفاء بها على الدوام، ولعل ما يورده بيتير بيشلين في كتابه «إشباع حاجات الخيال السينمائي» يجيب عن جزء يسير من ظاهرة التلقي العجيبة لأفلام تتكرر على الدوام في السينما الأميركية، فهذه الأفلام على ما يبدو تقوم بمهمة «إشباع حاجات الخيال الجماعي التي ينتجها الحرمان الاجتماعي، وكلما كبر حرمان الناس ومعاناتهم، أصبح من الضروري إيجاد بدائل تحافظ على استقرار النظام الاجتماعي، وتعوض عن كل الحرمان». بناء على تقدم فإن «هالك» يشكل حلاً سحرياً للضعف وقلة الحيلة المتفاقمة في الواقع، وتقسيم العالم إلى خيريين وأشرار، ينصّب «سبايدر مان»، و«سوبر مان»، و«بات مان» على رأس قائمة الأخيار المخلصين للعالم من الشرور في محاكاة للقوة العسكرية الأميركية ومنطقها الطهراني، كما أن الاصرار على التشويق والإثارة في الأفلام الأميركية له أن يكسر من رتابة الحياة الرأسمالية المعاصرة، الخالية من أي تشويق، مادام على الانسان ألا يعرف شيئاً من هذه الحياة إلا العمل والأكل والنوم، وأن يكون معصوراً بالتزامات مالية هي كل ما يشغله. النتيجة التي وصل إليها العالم الآن على صعيد السينما هي انحباس سينمائي في القطب الهوليوودي، وأزمة غذاء بصرية، فالمتلقي السينمائي صار غير قادر على متابعة فيلم خارج الثيمات الهوليوودية، فهو محبوس بها ومحترق بحرارتها، وذائقته مشكلة مسبقاً، وليتعزز ذلك مع انعدام الخيارات أمامه، ويكفي أن نستعيد ما يعرض في الدور المحلية للتدليل على ذلك. وعلى صعيد تجاري، يمكن الحديث عن الآلة التسويقية الأميركية الفتاكة، وقدرات شركات الانتاج والتوزيع الأميركية على الوصول إلى أبعد نقطة نائية في الكون تحمل على أرضها دار عرض سينمائي، ولعل الأفلام غير الأميركية التي كتب لها أن توزع على نطاق واسع، كانت على الأغلب بتوزيع أميركي، وفي عملية اختزال، فالسينما الاسبانية تختزل ببيدرو ألدوموفار، ويضطر للرد على متهميه بأنه يمنع السينما الإسبانية من الانتشار، بتذكيرهم على صفحات «الغارديان» بأن نسبة المشاهدة في انجلترا للأفلام غير الناطقة بالإنجليزية لا تتعدى 1.3%، كما أن الأفلام الأجنبية التي تفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي أو ترشح له تجد فرصة للانتشار الواسع، مثل فيلم الفلسطيني هاني أبوأسعد «الجنة الآن» أو فيلم الايرانية مرجان سترابي «برسبوليس» وغيرها من أفلام غير أميركية وجدت مكاناً لها في دور العرض الإماراتية، وما تبقى من إنتاجات فحسبنا المهرجانات السينمائية. |