«كوكينغ سنس».. أطفال يُعـــــــــــــــدِّون طعامه

 تهدف «كوكينغ سنس» إلى تشجيع الأطفال وزيادة ثقتهم بأنفسهم.  تصوير: باتريك كاستيللو  


 كثيراً ما تعتمد المرأة على حواسها الخمس حينما تدخل إلى المطبخ، بغية تحضير الوجبات لعائلتها، بدءاً من اختيار المواد الأولية الضرورية، وغسل الخضراوات  وتقشيرها وتقطيعها وطبخها، انتهاءً بتجهيز الأطباق والجلوس إلى المائدة مع زوجها وأولادها، غير أن مدرسة «كوكينغ سنس»  (حس الطهي) طرحت فكرة تحمل ميزات إجابية كثيرة، مثل تعليم الأطفال كيفية تحضير وجبات خفيفة وسهلة، تتناسب مع أعمارهم، عوضاً عن تناول الوجبات المشبعة بالدهون والسموم المضرة، وذلك خلال حفلات أعياد ميلاد، تتخللها مسابقات يشارك فيها المدعوون، كنوع من البهارات المطيّبة.
يعد الطهي بمساعدة مدرسة «كوكينغ سنس»، ومقرها دبي، متعة، لاسيما أنه يعلم الناس كيفية تحويل مفهوم الطعام من مجرد مضغ وهضم إلى فرصة للاجتماع مع الأصدقاء والأحباء لتحضير المأكولات، في جو مريح ومحبب. 

حل توافقي
تحاول أم محمد، متزوجة منذ ستة أعوام، منع ابنها البالغ من العمر خمسة أعوام من تناول الحلويات، خاصة الشوكولاتة، خوفاً على صحته، وتفادياً للسمنة المضرة، وتقول «يتعين علي كأمٍّ الانتباه إلى نظام طفلي الغذائي؛ لأنه لا يعرف المفيد من الضار»، فهو يرغب في تناول ما لذّ وطاب من الحلويات، وتضيف «أزوده بطعام صحي عندما يذهب إلى المدرسة»، في حين لا تعطيه المال، كي لا يشتري الشوكولاتة والسكاكر و«الشيبس»، وتؤكد «لا أحرمه من تناول ما يشتهيه بشكل نهائي»، بل تخصص  نهار الجمعة أو السبت لتذوق ما يريده من المعجنات والنشويات.

وفي السياق نفسه، توضح أم محمد أنها أدركت ضرورة وضع نظام غذائي لطفلها بعد أن أبلغها مدرب رياضة الكاراتيه بحاجة محمد لخسارة بعض الوزن، والامتناع عن مزاولة هذه الرياضة، لعدم قدرته على مجاراة زملائه في اللعب والتعلم، بسبب وزنه الزائد، وتوضح «أستبدل بالشوكولاتة سلطات الفواكه الطازجة مع القليل من السكر و(الجاتوه) المصنوع في البيت»، لأنها تشعر بأنه يأكل ما يمنع عنه «في المدرسة مع أصدقائه، فضلاً عن أنه يصاب بالشره في أعياد الميلاد، حيث يندفع بقوة ويملأ طبقه بكل أنواع الحلويات والمأكولات، حتى لو شعر بالتخمة والشبع».

في المقابل، يقول محمد إنه يحب تناول البوظة والشوكولاتة والسكاكر كثيراً، في حين يكره الخضراوات والوجبات المحضرة في المنزل، غير أنه يضطر لأكلها لأن والدته تجبره على تناولها يومياً، خصوصاً أنهما  يتشاجران عند الجلوس على المائدة، غير أنهما اتفقا على «حل وسط» يرضيهما معاً، ينص على الالتزام بأوامر الوالدة طوال أيام الأسبوع، شريطة السماح له بتناول بعض الحلويات والمأكولات التي يحبها في نهاية الأسبوع، جائزةً ترضية.تعب وثقة  ووجدت خلود حلواني، أمٌّ لطفلين صغيرين، الفكرة جميلة ومفيدة في الوقت نفسه، خاصة أنها تقيم حفلات أعياد ميلاد لطفليها، وتقول «تعد فكرة تحضير الأطفال وجبات سهلة والتباري في ما بينهم مميزة وجديدة»، غير أنها تشك في قدرة الأطفال دون خمسة أعوام على تحضير العصير أو الوجبات الخفيفة، وتضيف «سأضطر للإشراف عليهم ومساعدتهم بنفسي»، في حين أنها لا تستطيع الاهتمام بعدد كبير من الأولاد المشاغبين أو غير المنضبطين، فضلاً عن إمكانية تلطيخ ملابسهم بالعصير أو إيذاء أصابعهم وأيديهم. وتقول «يستمتع الأطفال بالتنوّع في المأكولات المحببة إلى قلوبهم مثل (الجاتوه والكروسان والدوناتس والمافينز) والفطائر المحلاة» لاسيما أن الألوان الكثيرة تجذبهم وتدفعهم لتناولها، لكنها تشير إلى أنها لن تتردد في تطبيق الفكرة عندما يكبر طفليها.

في المقابل، تشجع ريتا بيرغهانسن، أسترالية تعيش مع أسرتها في دبي، هذه النشاطات التي تزيد من ثقة الأطفال بأنفسهم، وتقول «يبدأ الطفل بتعلم الأشياء منذ صغره»، لذلك لا تستغرب الفكرة أبداً، خصوصاً أن تعزيز مفهوم العمل والاجتهاد والمنافسة الشريفة بين الأطفال يحصنهم في المستقبل، ويجعلهم أكثر قوة وكفاءةً ونشاطاً من أولئك الذين يعتمدون على دلال آبائهم، لكنها تشير إلى أن المناهج المدرسية الحديثة تعمل على تطبيق هذا المفهوم، لأن الكتابة والقراءة لا تكفي وحدها، لتأسيس شخصية الطفل، ويصبح فرداً فاعلاً في المجتمع عندما يبلغ سن الرشد، غير أن فكرة «كوكينغ سنس» تتطلب بعض الوقـت ليـألفـها الآباء والأطفـال ويعتـادوها.

واستغربت وداد عبدو، جدة لسبعة أطفال، الفكرة وقول «لطالما حضرت الحلويات في أعياد أولادي، وكذلك تفعل بناتي»، معتبرة العمل كتقليد متبع ومعروف في أنحاء العالم، ومتناقل منذ أجيال طويلة، وتضيف «أفضل أن نحافظ على هذا التقليد تفادياً للفوضى وزحمة الأطفال»، في حين لم تعارض إمكانية إدخال عنصر المسابقة والجائزة في عيد الميلاد، لأنه يزيد من حماسة الأطفال ونشاطهم، كما لم تمانع تطبيق فكرة تعلم الصغار تحضير وجبات صحية وسليمة في المنزل بين الإخوة، أي في نطاق صغير حيث تشرف الأم على سلامة أطفالها. 

مدرسة متخصصة
تقدم مدرسة (حس الطهي) «كوكينغ سنس»، الرائدة في منطقة الشرق الأوسط كونها المدرسة المتخصصة في تعليم الطبخ للمحترفين، فكرة جديدة للأمهات الراغبات في تعليم أولادهم عادات غذائية سليمة، وجعلهم يستمتعون بأوقاتهم، وتقول الطباخة والمعلمة في المدرسة سميرة رينغرت «الهدف من حث الأطفال على تحضير طعامهم الصحي هو إشعارهم بالفرح والسعادة والمسؤولية»، لقدرتهم على اختيار ما يحبونه ويريدون تناوله، لاعتبار أن مهمتها تكمن في إعادة الطهي الصحي إلى كل مطبخ، والمحافظة على الوصفات التقليدية والشعبية لكل بلد للأجيال المقبلة، والتي تشكل جزءاً من حضارات البلدان وثقافاتها.

وبالإضافة إلى الدروس الخاصة بتعليم الأطفال كيفية طهي وجبات سهلة وخفيفة، خصصت رينغرت في المدرسة التي تديرها وزوجها «صفوفاً منزلية» يعلمون فيها الأطفال تحضير وصفات خلال حفلات أعياد الميلاد، إذ يحضّر صاحب العيد وضيوفه وجباتهم الخاصة، وطريقة ترتيبها وتنظيمها على مائدة الطعام «البوفيه»، وتلقينهم مهمة الالتزام بأصول تناول الطعام في الأعياد والمناسبات الاجتماعية، بغية تفادي الأخطاء في التصرف، وزيادة ثقتهم بأنفسهم.

 منافسة وجوائز
على مدار ثلاثة أيام متتالية، عرضت رينغرت فكرتها في مركز «ميركاتو» التجاري في دبي، من الثالث ولغاية الخامس من شهر يوليو الجاري، وخصصت اختباراً حضر خلاله الأطفال المتطوعون عصائر من الفاكهة واللبن والمواد الأولية الخفيفة الدسم بأيديهم، في البداية، يختار الأطفال الوصفات المفترض تحضيرها بالقرعة، ليقرأوها ثم يجمعوا ما يحتاجون إليه بالقرب منهم، وتقول رينغرت، التي تحضر حالياً كتابها الأول في عالم الطهي عن الأطباق الخليجية «إن أهم القواعد المتبعة خلال تحضير الطعام تتركز حول توخي الحذر والانتباه، خشية إيذاء النفس أو الآخرين، غير أنها تشرف بنفسها على عمل الأطفال الذين ينفذون التعليمات المكتوبة على الورقة من تقطيع الفاكهة إلى قطع صغيرة ووضعها في الخلاط الكهربائي، ثم إضافة اللبن أو العصير الطبيعي، ليحصل كل منهم على الوصفة المطلوبة، مشددةً على ضرورة استبدال المواد المشبعة بالسكريات والوحدات الحرارية بأخرى أقل، مثل السكر الأبيض بالأسمر أو الاصطناعي، وتشير إلى إمكانية تحلية العصير الحامض الطعم بالموز. وبعد الانتهاء من تحضير العصير، يسكب الأطفال وصفاتهم في كؤوس بلاستيكية صغيرة، ثم يصفونها بشكل أفعواني على «صينية» كبيرة مع عدد من حبوب الفراولة أو التوت الصغيرة، لتعلن رينغرت انطلاق وقت المرح والتسلية.  
 
الحواس الخمس
لا تتعامل رينغرت مع عملها كطاهية ومدربة، أو كواجب إلزامي، بل تعده إحساساً وشعوراً، وتوضح أن الغاية من إنشاء «كوكينغ سنس» لا تتمحور حول الطهي فحسب، لأنها حوّلتها إلى فرصة مناسبة حيث يجتمع الأصدقاء في أجواء منزلية ومريحة، بغية كسر الروتين اليومي و«عناء ارتياد المطاعم نفسها»، خاصة أنها تتطلب « استنفار الحواس كلها من جمع وتحضير المقادير المطلوبة، وتنشق رائحة الوجبة وسماع صوت نضوجها، ثم تذوقها والاستمتاع بطعمها  اللذيذ، بمساعدة محترفين ومختصين في عالم الطهي والأطايب المفيدة لسلامة العقل والجسد».

ومن أهداف المدرسة أيضا تعريف الناس بالمطابخ العالمية، بدءاً من المحيط الضيق جغرافياً، وصولاً إلى البلدان البعيدة والمتنوعة، ومروراً بالمطابخ العربية المختلفة في الخليج العربي ومنطقة البحر الأبيض المتوسط وشرق آسيا، وتقول رينغرت «نرغب في تعليم الناس وجبات صحية بطريقة سهلة وواضحة»، كما تشعر أن مهمة تحضير الطعام بين زوجين متحابين تجعل من الأمر عربون حب ومحبة وتعاون.  بالإضافة إلى ذلك، تمنح «كوكينغ سنس» إمكانية اختيار صفوف عدة من ضمن قائمة المدرسة الطويلة المتعلقة بالطعام ومشتقاته من طهي، وخبز، وتحضير مستحضرات تجميل من الفاكهة والخضار، والطهي مع ولأجل الأطفال، والطهي مع مجموعة، وتزيين وترتيب مائدة الطعام، وتعلم أصول التصرف وتناول الطعام على المائدة، وإعداد وجبات خاصة للمصابين بأمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.  

 
تويتر