«حسن ومرقص».. يعالج الطائفية بخفة شديدة

 حسن ومرقص» يجمع عادل إمام وعمر الشريف للمرة الأولى.

 
يعالج فيلم «حسن ومرقص» لرامي إمام والذي بدأ عرضه في دور السينما المصرية نهاية الاسبوع الماضي مسألة الطائفية في مصر بخفة شديدة على الرغم من جرأته في التطرق المباشر الى هذا الموضوع وتعرية الازدواجية التي تحملها الشخصية المصرية تجاه هذه المسألة. ومع تسجيل الخفة التي تناول بها الفيلم قضية بمثل هذه الحساسية في المجتمع المصري خصوصاً في السنوات الاخيرة، يرى نقاد سينمائيون ان «مشكلة الفيلم» في أنه «لم يتعمق في جذور مأزق الوحدة الوطنية السياسية والاقتصادية والتاريخية والامنية» كما يقول الناقد طارق الشناوي.

وبدلاً من المعالجة المعمقة لمثل هذه القضية، تناول الفيلم مظهراً من مظاهرها فما «أراد الفيلم قوله بشكل مباشر إنك لو لم تعرف ديانة الآخر لأحببته، فالمسلم يحب المسلم ويتعامل معه والمسيحي يحب المسيحي ويتعامل معه» كما تقول علا الشافعي. وهذا المنطق الذي وقف وراء سيناريو الفيلم كما يقول الناقد نادر عدلي بدّل المواقع فجعل «من عادل إمام المسيحي مسلماً ومن عمر الشريف المسلم مسيحياً ضمن المنطق الدرامي للفيلم بقرار من أمن الدولة إثر تعرّض كل منهما لعمل ارهابي كل من أبناء طائفته».

وجاء هذا الخلط المتعمد بتغيير ديانة كل من بطلي الفيلم ضمن سياق عرض «احد مظاهر الازمة لكنه لم يقترب من معالجة المرض لانه اعمق من ذلك بكثير خصوصاً خلال السنوات الاخيرة بعكس الثلاثينات والاربعينات عندما كان حسن ومرقص متحابين على الرغم من معرفتهما باختلاف الاديان» حسب طارق الشناوي.

ويضرب عدلي مثالاً ان « فيلماً عرض في الاربعينات لفؤاد الجزائرلي حمل عنوان «حسن ومرقص وكوهين» تعرض  للقضية نفسها لكنها لم تطرح بالمعنى الديني بقدر ما طرحت بالمعنى الاجتماعي بين الطوائف الثلاث المتعايشة في مصر. ويبدو ان الفيلم الحالي اخذ العنوان من دون كوهين لمناقشة العلاقة بين الطائفتين بعد تقلص الطائفة اليهودية في مصر».

وأعاد طارق الشناوي المتغير الحاصل في الواقع الاجتماعي الى ان «الدولة نفسها سبب انتشار الفساد والاعتماد على اليد الطولى لأجهزة الأمن للتدخل في قضايا ذات شأن اجتماعي قادت الى تفاقم الازمة واستفحالها كما نراها الان في واقعنا الاجتماعي»، وتابع «عندما يجد الشاب المسلم انه لا يستطيع ان يتزوج أو يحيا حياة كريمة يلجأ للجامع وعندما يكتشف الشاب المسيحي انه لا يحصل على حقوقه المشروعة في المجتمع سواء في وظيفة يرنو اليها أو في منصب كبير من حقه ان يحصل عليه فإنه في هذه الحالة يلجأ الى الكنيسة مما يهيئ للتعصب والتطرف تربة خصبة بدأت تظهر بذورها».

واضاف «تحولت القضايا الاجتماعية والحياتية الى قضية دينية والدولة المصرية نفسها ساهمت في ذلك حيث أصبح للكنيسة صوت مهم في مناصب لا يحصل عليها الأقباط إلا اذا دعمتهم الكنيسة. الدولة المصرية تريد من رجال الدين مسلمين وأقباطاً ان يقدموا لها فروض الطاعة والولاء، لهذا فإن شيخ الأزهر والمفتي يلعبان دوراً اساسياً لصالح الدولة بالمعنى السياسي من اجل ان تبقي عليهما في منصبيهما».

 ورأى الشناوي ان «الدولة المصرية لم تقم بدورها في المدارس التي يشكل بعضها حاضنة تبث رسائل أشد خطورة مما نراه في المساجد والكنائس، تحض على كراهية الدين الآخر». ولاحظ «اصبح التعامل يتم على اساس طائفي وليس على اساس وطني في المعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
المسلمون يتعاملون مع المسلمين والمسيحيون مع المسيحيين». يبدأ الفيلم بعقد مؤتمر لرجال الدين من كلا الطائفتين حول الوحدة الوطنية ومن خلال الحوارات الفردية بين رجال الدين من كل طائفة في ما بينهم يظهرون بعض مظاهر الخلاف. ومقابل حوار بين رجلي دين مسيحيين يتحدثان عن عدم حصولهم على حق بناء الكنائس أو ترميمها وعدم حصول أبنائهم على وظائف عليا في الدولة، يدور حوار بين رجلي دين مسلمين حول غنى المسيحيين بحيث لا تجد شحاذاً مسيحياً.

ويلعب عادل إمام في الفيلم دور رجل دين مسيحي اسمه بولس يعيش مع زوجته وابنه الجامعي ويحمل رؤية موضوعية عن الديانات ما لم يُرضِ المتعصبين المسيحيين فحاولوا اغتياله بتفجير سيارته. ورفض العطار المسلم عمر الشريف ان يتولى إمارة جماعة ارهابية كان شقيقه أميرها إلا انه قتل في مواجهة مع رجال الأمن فقاموا نتيجة رفضه بتفجير محل العطارة الذي يعتاش منه.

يتدخل أمن الدولة لحمايتهما بتغيير اماكن سكنهما ودينهما فأصبح رجل الدين المسيحي عادل إمام مسلماً واصبح عمر الشريف المسلم المتدين مسيحياً، وتنتج مفارقات مضحكة خلال العلاقة التي تقوم بين عائلتيهما ومجتمعيهما حيث يمارس كل منهما طقوسه الدينية الخاصة ويظهر شخصية اخرى خلال وجودهما خارج محيطهما العائلي وكأن الفيلم يتنقل بشكل هندسي بين مشهد للعائلة المسلمة التي تنصّرت وللعائلة المسيحية التي أسلمت لينقل صورة عن التناقض القائم في الواقع الاجتماعي.

ومن خلال جيرتهما يحب ابن عادل إمام ابنة عمر الشريف ظناً منه انها مسيحية وعندما تنتهي الظروف الطارئة سيتزوجها وهي تحب بدورها الفتى على أرضية انه مسلم ومتى انتهت الظروف سيكونان معاً. إلا انه سرعان ما يتم الكشف عن حقيقة أوضاع العائلتين اللتين انتقلتا من القاهرة الى الاسكندرية لتعيشا في شقة مشتركة مما يؤدي الى إنهاء العلاقة وبدء حوار طويل عن الطائفية والحواجز بين الطائفتين. إلا أن أحداثاً طائفية في المدينة تعيد العلاقة عندما يقوم عادل إمام بإنقاذ زوجة عمر الشريف وابنته من حريق ينشب بسبب الاحداث وعندما يقوم عمر الشريف بإنقاذ زوجة عادل إمام من بين متعاركين من أبناء الطائفتين. وأجمع النقاد على تألق عمر الشريف في الفيلم. 
 

الأكثر مشاركة