أدباء ونقّاد يقوّمون مصطلح «الأدب الوطني»
|
|
مفهوم المقاومة والوطنية في الادب بات ملتبساً. أرشيفية -أ.ب
راجت في مراحل سابقة تسمية الأدب بالوطني. وكان الشاعر والكاتب يومها لا يخجلان من الدعاوى والتحريض والتعبئة. اليوم يقول محمود درويش اقرب شاعر الى قضية وطنية، إنه شاعر أولاً.
والسؤال اذا كان الأدب الوطني فرعاً من الأدب السياسي، ام انه أدب شعبي بحد ذاته. السؤال اذا كان الأدب السياسي لا يجوز ان يلتبس بالأدب الوطني فالسياسة شأن كياني فيما الأدب الوطني تعبوي يتغنى بقيم جاهزة ولا يبتكرها. هل هناك بعد محل للأدب الوطني، خصوصاً ان معارك العرب القومية لاتزال حاضرة.
وفي «المقاومة» ما يجعل الموضوع مطروحاً، هذا السؤال تلقى أجوبة شتى.
وطني وغير وطني
رئيس اتحاد الكتّاب اللبنانيين الشاعر غسان مطر، يرى انّ مصطلح «أدب وطني» هو مصطلح ملتبس، الا اذا كان المقصود به الادب الملتزم همومَ الوطن، المقاومة والتحرير، الحرية والنهوض.. بهذا المعنى يدخل «الأدب الوطني»، برأيه، في باب الادب السياسي، الانساني او الملتزم، ويصبح نقيضه الادب غير الملتزم. ولا يرى انّ هناك ما يسمّى بأدب غير وطني، فهذا بحسب قوله توصيف سياسي وليس ادبياً.
ويضيف انّه لا يجوز انسحاب الخيار السياسي على الادب، لأن كل ما يكتبه المرء، هو صحيح بالنسبة إليه وناتج عن قناعة شخصية ورضا تام.
فتجوز هذه النعوت والتوصيفات، بالنسبة إليه في السياسة، امّا في الادب فهذا غير صحيح وغير وارد اصلاً. لا يفضّل مطر استخدام المصطلحين «وطني»، و«غير وطني»، بل يحب التعامل مع مصطلحي «الالتزام» و«اللا التزام»، اللذين يشكّلان، برأيه، مدرستين مختلفتين تصارعتا طويلاً في التاريخ المعاصر.
ويضيف «أنّ العقائد السياسية التي حكمت نصف العالم في القرن الماضي، صنّفت الادب، وفق رؤاها السياسية. فالماركسية، مثلاً، ولّدت مدرسة الواقعية الاشتراكية، اي الادب الذي يعالج هموم الطبقات الفقيرة، ويناضل ضدّ الاستعمار والهيمنة والاستغلال. والمدارس القوميّة ولّدت الادب المقاوم، القومي والمقاتل، بدءاً من شعراء زمن الانتدابين الفرنسي والإنجليزي لمنطقتنا، مروراً بالنكبة الفلسطينية وما نتج عنها وحولها من ادب، بلوغاً الى ما نحن فيه اليوم من تعبيرات عن معاني المقاومة والصمود والنضال ضدّ الاستكبار والاحتلال والسيطرة الخارجية على الاوطان وثرواتها. في المقابل يذكّر مطر بنظريّة الفن للفنّ، التي هي لا تقيم وزناً للموضوع في ذاته بل للجمال بالمطلق.
ويضيف «برأيي انّ هاتين المدرستين، في الادب، مازالــتا قائمتين حتى يومنا هذا».
علاقة الوطن بالمواطن
من هنا بات على المواطن السعي لتحرير الوطن وصولاً الى تحقيق الحرية». امّا الكاتب الطليعي، برأي حجازي، فهو «الذي يرسم افق العلاقة، وهو الذي يوجّه الانظار الى مكامن الوجع. والأدب الوطني، يضيء درب الاجيال وصولاً الى تحقيق الحريّة ويثبّت الامل في نفوس الساعين الى التحرّر، والعاملين على تحقيقه».ويضيف حجازي «على الكاتب والأديب مسؤولية اقناع الابناء بإمكانية تحقيق النصر، عبر الكشف عن القدرات الكامنة في نفوسهم، والتي غالباً ما يجهلونها. والتربية الوطنية هي تربية على العزّ ورفض الذلّ، تربية على النصر ونبذ الهزيمة».
أنحطاط ثقافي
ومن امجاده انّه نظم قصيدة تهاجم وعد بلفور العام 1917، في حين لم يصدر عن الرابطة القلميّة وقتها، المؤلّفة من الكتّاب جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة وإيليا ابو ماضي، ما يشير الى استنفارهم لهكذا قضية «وطنيّة او قوميّة».
أدب جيد ورديء
ولشروط الجودة والرداءة اعتبارات كثيرة، برأي صبح، تدخل ضمنها مواقف الكاتب ورؤاه، وهي لها علاقة بالشرط الانساني للإبداع. وترى صبح «انّ كل ادب يحمل عناوين الحرّية والعدالة، والظلم والحب، وهذه العناوين تدخل في مضمار الادب الانساني». وتضيف انّ قلق كلّ كاتب هو قلق انساني، لكن في الوقت نفسه من الطبيعي ان يكون له علاقة بمجتمعه ومحليّته وبيئته، وهو يحمل اسئلة هذا المجتمع. والانتماء مهم جداً في الادب، لكنه لا ينبغي ان يكون عنصرياً بمعنى من المعاني». وتضيف «هناك عوامل عدة تشكّل الادب اللبناني، السوري او المصري.. فكل ادب له سمات وأسئلة معيّنة وخصوصيّة ما، انّما هناك ايضاً ادب عربي. والمصطلحات «وطني» و«قومي»، هي مصطلحات سياسية وليست أدبية».
أمّا الناقدة رفيف صيداوي فتعتبر انّ هذا التصنيف «أدب وطني» و«أدب غير وطني» كان ممكناً في فترات سابقة، اي من اواخر القرن 19 وحتى منتصف القرن .20 اذ انّ الادب هو نشاط انساني، يحمل طابع المجتمع والجماعة والفرد الذي ينتجه. وهذا التصنيف كان يحمل طابع المرحلة التي كان يمرّ بها العالم العربي في الفترة التي ذكرتها». وتضيف «كانت فترة النهضة العربية وما تلاها من تيارات فكريّة، ايديولوجيّة وسياسية عند العرب، مثل الليبرالية والقوميّة والشيوعية، فحملت هذه المرحلة آمال تحرّر ونمو، بالتالي اصبح هذا التصنيف قائماً في الشعر والرواية».
وتعطي صيداوي مثالاً على ذلك رواية «الرغيف» لتوفيق يوسف عوّاد، الصادرة في العام 1939، والتي هي من الروايات العربية الاولى التي صوّرت حركة انتقال الشعوب العربية، بالمقاومة والكفاح، من تحت الاحتلال العثماني الى الحرّية.
وبعدها كانت الرواية الواقعيّة او القوميّة التحرّرية». وتتابع صيداوي انّها في المرحلة الحالية لا ترى هذا التصنيف جائزاً، لأنّ الادب بشكل عام دخل في حداثة جديدة وأصبح هناك اهتمام اكبر بالقالب الفنّي للعمل. ويمكن توصيف الادب بكلمة «اجتماعي». وهي كلمة، بحسب صيداوي، تحمل تحت لوائها كلّ ما يؤلّف الادب، اي السياسة والأنطولوجيا والجانب النفسي.. وتضيف «نحن كنقّاد لا نهتم بهذه التصنيفات في العمل الادبي بقدر اهتمامنا بفنّية العمل والأسئلة التي يطرحها». * تنشر بالتزامن مع جريدة «السفير» لبنان |