لغة الجسد.. كلام صامت
اللغة الجسدية تكشف انفعالاتنا وحالاتنا النفسية. «ثيتر بوي» بدأ التفاهم بين البشر عبر حركات الجسد، حيث لم تكن الحروف المنظومة موجودة، ومع تطور الأصوات وبدء استخدامها، ظهرت الحروف على شكل لغات إنسانية عدة، تأخذ أكثر من شكل، وتختلف من بلد إلى آخر، فأصبحت الاصوات او اللغات وسيلة التفاهم والفهم بين البشر. لكن على الرغم من تنوع اللغات، و رواج استخدامها، فإن الإنسان لم يتخل عن لغة الجسد التي يستخدمها في أحيان كثيرة بصورة لا ارادية، لتعكس انفعالاته النفسية، وتساعد على فهم الحالات التي يمرّ بها. وهنا نطرح اكثر من تساؤل، هل من السهل السيطرة على التعبيرات الجسدية؟ هل هذه التعبيرات مشتركة بين جميع البشر على اختلاف جنسياتهم وثقافتهم؟ هل يمكننا التعرف إلى الآخر من خلالها؟
التعرف إلى الآخر لم تكن رافيتا قيس، اللبنانية الجنسية، تعرف شيئا عن لغة الجسد قبل ان تدرس العلوم الدبلوماسية، وقالت، «درسنا لغة الجسد مادة مستقلة في الجامعة، لضرورة التركيز على الحركات للتعرف الى الآخر واكتشاف مكامن انفعالاته ونياته التي تهمنا في مجال عملنا، وهذا ما جعلني اكثر اطلاعا على هذا العلم، وكيفية التعاطي معه»، وتضيف «هناك أمور كثيرة لا يمكن السيطرة عليها ومنها النظرات، وحركات اليدين التي تظهر انفعالاتنا الداخلية، وأعتقد ان السيطرة على هذه الحركات الجسمانية ليست سهلة حين تصدر عن انفعالات مفاجئة». وتوضح رافيتا أنه على الرغم من ادراكها المسبق لمعاني لغة الجسد، من الصعوبة بمكان التقاط جميع انواع الحركات وملاحظتها « لا يمكنني ضبط أكثر من 80% من حركات جسدي، لأن هناك مواقف كثيرة يصدر عنها حركات لا ارادية، منها الخوف والغضب، يصعب السيطرة عليها، وهذ يؤدي الى فهم الآخر لذاتنا من دون ان نتكلم». لكن فهم بعض معاني هذه الحركات لا يحتاج الى دراسة معمّقة او قراءة مفصلة، و ترى رافيتا أن«هناك حركات واضحة يقوم بها المرء، لا تحتاج الى دراسات تفصيلية لعلم لغة الجسد لفهمها كالخوف مثلا»، لكن هذه اللغة تصبح جزءا من طبيعة الشخص، على حد قول رافيتا التي لا تبحث في حركات من حولها، الا في حال وضعت في مواقف تستدعي الغوص والتحليل في تصرفات الآخرين، بحيث تأخذ عملية قراءة هذه الحركات الشكل التلقائي». تعابير الوجه تستخدم خلود احمد تعابير وجهها ويديها كثيرا للتعبير عن انفعالاتها، وتقول « يصعب علي السيطرة على هذه الحركات والانفعالات، كوني لم أقرأ كفاية عنها»، وتذكر خلود التي قرأت كتابا تحت عنوان لغة الجسد، للتعرف الى هذا العالم، « قرأت الكتاب لكني لم اتعلم كيفية السيطرة على انفعالاتي، وأعتقد انه من السهل السيطرة على الفرح، مقابل صعوبة السيطرة على الغضب». ولفتت الى «وجود حركات جسدية مشتركة بين جميع افراد عائلتها، ما يتيح للجميع فهم الحالات النفسية للآخرين دون الحاجة الى الكلام والنقاش». تفسير اللغة لم يعد تحليل لغة الجسد يقتصر على علم النفس، بحيث بدأت المدارس المختصة في تعليم اصول اللياقة وحسن السلوك، تقدم دروسا في كيفية السيطرة على لغة الجسد. وتقول المديرة التنفيذية لمدرسة «الفينيشنغ تاتش» نور رومية في هذا الصدد، «بدأ العلم الحديث يتغلغل في اعماق تفسيرات لغة الجسد، ويقدم تحليلات تخول المرء التكهن بما يريد الشخص قوله، وهذا يتيح تحليل الانفعالات والحالات النفسية المختلفة التي يمر بها المرء». وأضافت « ليس هناك اختلاف بين لغات الجسد بين الجنسيات المختلفة، كونها لغة لاارادية ومشتركة بين البشر». وبما ان السيطرة على انفعالاتنا تعني التحكم بحركات الجسد، اكدت رومية ان «السيطرة على لغة ممكنة عبر التمرين، بحيث يتمكن الشخص عبر الوقت من فهم انفعالاته، والتفاهم مع ذاته ليتمكن في نهاية المطاف من السيطرة على مشاعره الداخلية»، وأوضحت أن الامر ليس بهذه السهولة، اذ يتطلب الامر التمرين والتوجيه من اخصائي، شرط أن يملك الراغب في امتلاك هذه المهارة، القدرة والارادة على التصرف وفقا لهذه الخطوات، ليتخلص من الحركات التي تظهر ما يشعر به في داخله». اقتراب وانسجام يؤكد علم النفس الحديث ان لغة الجسد تعكس ما في داخل الانسان من مشاعر، كالحب والكراهية والغضب والانتباه وعدم الاكتراث. ويقول الاستشاري في الطب النفسي الدكتور علي الحرجان « نستشعر ما في داخل الانسان من خلال لغة جسده، فاقترابنا من شخص معين اثناء الحديث يدل على التفاهم والود والانسجام، في حين ان ابتعادنا عنه إلى مسافة تزيد على المتر او والمترين أمر يدل على التنافر». ويضيف «يمكننا ان نعرف الكثير من الانفعالات التي تصيب الانسان، فالقلق مثلا يظهر من خلال حركات اليدين والتعرق، في حين ان الارتباك وعدم الصدق يظهران من خلال التلعثم في الكلام وبلع الريق. اما وقفة الانسان فلها مدلولات جنسية في كثير من الاحيان، فالشخص الذي يقف محاولا اخفاء اعضائه التناسلية، غالبا ما يكون يعاني من اضطرابات ومشكلات جنسية او خجل جنسي». تغيير جذري وفيما اذا كان يتوجب على الانسان العمل على تغيير حركات جسده، يرى الحرجان ان «التغيير الاساسي يكون بتغيير النفس من الداخل كونها الجوهر الاساسي للانسان، وان التغيير في الجوهر سيؤدي الى التغيير في هذه الحركات». ولفت الى ان «لغة الجسد علم بحد ذاته وعلى الناس الاطلاع عليه ليعرفوا كيفة التعامل معه.وعدم اتاحة الفرصة للآخرين لمعرفة اعماق ذاتنا، لأن الانسان الذي يتصرف بعفوية تامة وتصدر الاشارات من جسده وفقا لحالته النفسية، من دون ان يحاول السيطرة عليها، سيكون صفحة بيضاء امام الجميع». وخلص الحرجان الى أن «الجسد يتأثر بالنفس الى حد بعيد، والوعي يستطيع ان يتحكم بالجسد، لذا يفترض الا يترك العقل الحرية للجسد ليتصرف على هواه في كثير من الامور من الحياة، كون العقل هو الذي يحدد الصح والخطأ والصواب، ولولاه لقام بالكثير من الامور التي لا تتفق مع المواثيق الاجتماعية». حركات مخملية
قالت المديرة التنفيذية لمدرسة «الفينيشنغ تاتش» نور رومية «تتخذ الطبقات المخملية في المجتمع لنفسها حركات جسدية خاصة تستخدمها لتأكيد تميزها عن غيرها، إلا ان لدى الطبقة المتوسطة او العاديةمشكلات حياتية كثيرة تفرض نفسها على المرء، وتمنعه من مراقبة حركات جسده او حتى العمل على فهمها والسيطرة عليها».
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news