«الجزيرة».. مافيا أميركية في الصعيد
|
|
الفيلم يفرض أحمد السقا بطلاً متوّجاً على عرش «الأكشن» أو «فان دام» العرب. أرشيفية
لا يضيع فيلم «الجزيرة» لشريف عرفة فرصة تقديم فيلم «مافياوي» أميركي بامتياز، وبنسخة مصرية تتخذ من الصعيد مسرحاً لأحداثه، وباتكاء على ما يمكن اعتباره التربة الخصبة لنشوء نوع من الجريمة المنظمة المبنية على أسس عائلية وعشائرية، تجد من الروابط التي تفرزها هذه العلاقات سنداً لها في بناء هذا النوع من الجريمة المبنية على الانضباط والتفاني من دون أن تغيب عن الأذهان العقلية الثأرية المتوارثة والمتأصلة. فيما تقدم الصورة النمطية التي قدمتها السينما المصرية عن الصعيد، مع التأكيد أن خيار عرفة ومن خلفه كاتب السيناريو محمد دياب في أن تكون «الجزيرة» في الصعيد يأتي بالاعتماد على هذه الصورة التي يعززها ما أشيع حول الفيلم من أنه مأخوذ عن قصة الصعيدي عزت حنفي الذي دوّخ الشرطة المصرية ولقى حتفه في النهاية على يد عناصرها. العائلية، مضافاً إليها بطولة أسطورية، وقصة حب حزينة، والنتيجة دراما مشدودة ومضمونة النجاح، مع الاعتماد على أداء مميز وخاص لمحمود ياسين، الذي لعب دور والد منصور (أحمد السقا) والزعيم والمؤسس لكل المجد الذي سيورثه لابنه. يبدأ فيلم «الجزيرة» مع خبر قطع مجموعة الطريق على قطار الصعيد، وليكلف الضابط الشاب طارق (محمود عبد المغني) بتولي التحقيق في خلفيات هذا الحادث ومن يقف خلفه، ولنكتشف بأن العائلية حاضرة أيضاً في الشرطة، فوالده لواء على حافة قبره نشاهده طوال الفيلم في غرفة العناية المركزة، وصهره العميد رشدي (خالد الصاوي) يكون ضابطاً كبيراً في الصعيد. يدرك طارق أن كل ما يحدث وما سيحدث هو بيد منصور الأسطورة القادر على فعل كل شيء من دون أن يكون هناك أي شيء يدينه، وأن منطقة «الجزيرة» هي مقاطعة يمتلكها بأرضها وأفيونها وسلاحها ورجالها ونسائها وكل ما يدب عليها. يعود الفيلم إلى ما قبل 10 سنوات من مجيء الضابط طارق، ونتعرف إلى عالم الجزيرة الذي يكون في حينها تحت سطوة وجبروت وعدالة والد منصور، والذي يعلن فجأة بأنه سيورث مملكة الأفيون التي يحكمها إليه، الأمر الذي يفاجئ جميع العشائر الموالية له، وحتى عمه حسن (باسم سمرة)، لكننا نكتشف أن منصور أهل لهذه الوراثة، هذا على صعيد القوة البدنية وما إلى هنالك، وفوق ذلك فهو متعلم كما يؤكد والده دائماً. ما إن يموت والده حتى تقدم إحدى العشائر التي رفضت مبايعته على قتل أمه وزوجته، وكل ما تمكن رصاصهم من أن يطاله، ولينجو منصور وابنه بأعجوبة، ولتكون المفارقة الدرامية أن محبوبته كريمة (هند صبري) المتيم بها تكون من تلك العشيرة، إلا أنه يتزوج بصديقتها إيفاء منه لعُرف الزعامة. يقوم منصور بعد ذلك بكل ما يجعله الزعيم المطلق للجزيرة، يلجأ إلى المطاريد في الجبل بعد أن يقرر العميد رشدي إبقاء كل رجاله في السجن، وإطلاق سراح رجال العشيرة المعادية له. يهب منصور المطاريد المال والسلاح، ويثأر من تلك العشيرة، ويقتل أخا كريمة أمام عينيها، ولنعود إلى ما صار إليه مع مجيء الضابط طارق إلى الصعيد. اكتشافات كثيرة يقدمها الفيلم في ما يتعلق بعلاقة منصور مع الشرطة، ومع العميد رشدي، والمنافع المتبادلة بينهما، الأمر الذي يمتد لمعرفة أن والد طارق نفسه كان كذلك مع والد منصور، من دون أن يخلو الأمر من الإصرار المتواصل على تعزيز أسطورة منصور وقدراته الخارقة على النجاة من أيدي من يتربصون به، وإيضاح مدى تجاور انعدام الرحمة في قلبه مع رقته وحبه لكريمة وأخيه الأخرس وغير ذلك من جوانب إنسانية. نهاية الفيلم تقع تحت إملاءات تضخم سلطة منصور، وتحوله إلى غول لا راد له، وبالتالي رد الفعل الذي سيجده من الحكومة حين يصرخ بأعلى صوت «أنا الحكومة». ينجح «الجزيرة» في منع المشاهد من القول إنه مأخوذ من الفيلم الفلاني من السينما الأميركية، لا لأنه لم يفعل، بل لأنه أخذ من كل أفلام تلك السينما التي تناولت المافيا وعوالمها وسلوكياتها، مع إيجاد غطاء له بالالتصاق ببيئة مصرية أحكم صياغتها المخرج، مع فرض أحمد السقا بطلاً متوجاً على عرش «الأكشن»، وبملابس عصرية لا يبدلها إلا مرات محدودة، فكيف يفعل وهو «فان دام» العرب؟ |