المحرقي: التشكيل والكاريكاتـير خطان متلازمان


قال التشكيلي البحريني عبدالله المحرقي «إن الفن التشكيلي في الخليج العربي ينقصه الكثير، لاسيما بعد الحروب الطاحنة التي تعرّضت لها المنطقة خلال الـ20 سنة الماضية التي أهمل فيها الناس والحكومات الفن وصار من الكماليات»، وعدَّ «الإمارات وقطر الدولتين الوحيدتين اللتين توليان الفن التشكيلي اهتماماً خاصاً، ونجد فيهما  جهوداً كثيرة لتوفير صياغات ترفع من قيمة الفنون البصرية بين الناس، وإيجاد حاضنة تستقطب الفنانين التشكيليين من أرجاء الوطن العربي، والعالم بصورة عامة».  

 

وأضاف المحرقي الذي يعد من رواد الفن التشكيلي في المنطقة، أنه دخل عالم الفن من دون تخطيط مسبق «شاءت الأقدار أن ألتحق بكلية الفنون حيث لم يساعدني معدلي في الثانوية العامة على الالتحاق بكليتي الطب أو الهندسة اللتين كنت أطمح لهما»، وأشار إلى أن والده رفض بادئ الأمر الفن كتحصيل أكاديمي، لاسيما أن مستقبله المهني كان مبهما وغير واضح، وبعد محاولات إقناع مكثفة، التحق المحرقي بكلية الفنون التشكيلية في القاهرة عام 1957، ثم  كلية دمشق ليتخرج عام 1966 حاصلا على أول درجة شرف في الفنون الزخرفية، ثم سافر إلى لندن لدراسة الدبلوم في الطباعة والتصميم. 

 

ويعود المحرقي الى بداياته الفنية، ويوضح أنه كان مأخوذا بأعمال عمالقة الفن التشكيلي في عصر النهضة الإيطالية في روما، أمثال ليوناردو دافينشي، ومايكل أنجلو، ودولكروا الفرنسي، وجويا وبيكاسو ودالي من إسبانيا»، وقال «أثناء وجودي في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، شدتني أعمال أستاذي المرحوم صلاح عبدالكريم وتأثرت بها، ومازالت بصماته موجودة في أعمالي، وعلى الرغم من ذلك اتبعت في تجربتي مدارس وأساليب عدة في اللوحة الواحدة، لكن غالبا ما تسيطر على أعمالي النزعتان الرمزية والتعبيرية»، موضحا «في بداياتي انجذبت للواقعية (الكلاسيكية) لبساطتها وجاذبيتها، ثم استهوتني سريالية دالي، ورومانسية دولكروا، قبل أن انتقل إلى تكعيبية بيكاسو وبراك، ولكن بشكل مبسط، أو ما أطلقت عليه التكعيبية المبسطة»، ويضيف المحرقي «على مدى السنين والخبرة يستطيع الفنان أن يجد له طريقاً خاصة به، ومميزات تجعل من لوحته علامة فارقة لا تخفى على المتلقي العادي أو المختص»، وعلى الرغم من المدارس الفنية المتنوعة التي مر بها المحرقي لم يلجأ الى المدرسة التجريدية فهو يعدها لا تخدم القضايا، «لأنها تنأى عن التشخيص والتمثيل، ورسم ما يلامس الواقع، والفنان جزء لا يتجزأ من العالم المحيط به، ولابد أن يتأثر ويؤثر فيه»، وأكد أن « الفن للحياة،  والفنان التشكيلي لابد أن يوجه فنه في سبيل نصرة قضايا أمته، ونشر ثقافتها في العالم، وتصحيح صورتها ليستحق لقبه، كسفير فوق العادة».

 

قضايا سياسية
تجسّد أعمال المحرقي مجموعة من الأحداث والقضايا السياسية والاجتماعية على المستويين الداخلي والخارجي، كما هي  رسوماته الكاريكاتورية التي رصد فيها مجموعة كبيرة من الأحداث المهمة على الساحتين العربية والعالمية، وتنوّعت في مجملها بين السخرية اللاذعة تارة، والمحببة تارة أخرى، ويقول «لابد لرسام الكاريكاتير من الموازنة بين رغبات الشعب والسلطة، وعلى الرغم من أنها معادلة صعبة للغاية، إلا أنها الضمان الوحيد لاستمراريته، وفي تجربتي أترك باباً صغيراً أهرب منه عند الخطر، أعني أني أضع مبرراً مقنعاً للطرفين «الشعب والسلطة» عند المساءلة، خلال المدة الطويلة التي قضيتها في مزاولة فن الكاريكاتير تعرضت لمواقف صعبة، وأخرى خطرة، وقليل منها مضحك، لكن الله عز وجل نجاني منها دائماً».

 

معتبرا أن فن الكاريكاتير «صريح، ناقد، صادم، مرشد، منذر، مضحك وخطر على صاحبه، ولابد أن يكون رسامه سريع البديهة، قادراً على التقاط الحدث وتحويله إلى موضوع مثير في الشكل والمضمون، واختزاله في خطوط ضاحكة، تجذب القارئ والمشاهد، وتستدرجه إلى الهـدف الذي يـرنو إلـيه في ثـوانٍ معـدودة».  وعن جمعه بين الفن التشكيلي والكاريكاتير أوضح المحرقي أنهما خطان متلازمان يسيران في الاتجاه نفسه، ويتأثر كل منهما بالآخر، والكاريكاتير فن تشكيلي بحد ذاته، إلا أنه يتميز بأسلوب بسيط وناقد في الوقت نفسه، كما أن كثيراً من رسامي الكاريكاتير كانوا في الأصل فنانين تشكيليين». 

 

شعار الإمارات
يحظى عبدالله المحرقي بمكانة خاصة في الإمارات؛ فهو مصمم الشعارالرسمي للدولة، بعد أن فاز بالمسابقة التي طرحت على مستوى الوطن العربي، وشاركت فيها مجموعة كبيرة من الفنانين، ويوضح «قبل أن أفوز بتصميم شعار الإمارات بسنتين، استدعيت لتصميم شعار أبوظبي، وبعد قيام الاتحاد اعلن عن مسابقة لتصميم شعار الدولة، وبفضل الله فزت بتصميم الشعار، لكني لم أفز بتصميم العلم»، وقال «استوحيت فكرة الشعار من الصقر الحر كصديق أمين، قوي المخلب، حاد النظر، وقمت برسمه بشكل زخرفي، ملتفتاً جهة اليمين، وعلى صدره صورة سفينة ذات شراعين، رامزاً بذلك إلى التجارة والازدهار الاقتصادي، وقد توج فرحي بتصميم الشعار  بلقاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان  آل نهيان الذي اعتمد الشعار». 

 

وتقديراً لجهوده المتميزة في مجال الفن التشكيلي أطلق المتحف الوطني في قطر اسم المحرقي على إحدى قاعاته التي تعرض أعماله المميزة.    إنّ الإرباكات والإحداثيات التي بات يصنعها تسيّد ثقافة الصورة في المشهد العالمي على الصعيد الفكري والمعرفي الإنساني في ثوابت كثيرة اعتاد الإنسان التعامل معها باعتبارها من الأساسيات التي يصعب زلزلت اركانها، صارت وبحكم التسارع المجنون لتطور ثقافة الصورة تبشر بطلسميات بدأت تنقاد اليها البشرية في ما يُشبه العماء المعولم.

 

الغريب ان هذا التسارع في تطور ثقافة الصورة وانعكاساتها التي تكاد تكون يومية لا يرافقه اي تسارع بحثي حافر يقوى على التنظير لهذه الحادثة الحضارية، وعلى عكس ما كان يحدث في كل نقلة حضارية وتكنولوجية عاشتها البشرية، من حيث المواكبة التنظيرية للتداعيات المؤثرة التي كانت تتركها كل نقلة، نلحظ أن الاندفاع العالمي باتجاه ثقافة الصورة، ومع كل الإمكانات التي تتيحها مثل هذه الثقافة للمجموع البشري من مجانية في التعامل معها، نلحظ بأن الوعي التنظيري للتداعيات التي من الممكن أن تُحدثها ثقافة الصورة وكأنه يغط في سبات بشري عميق.

 

وإذا حاولنا امتلاك مخيلة كشط المشهد السائد في ثقافة الصورة وثورة المعلوماتية عموما، سنلحظ ان التاريخ الإنساني الذي ظل يتشيد بقوى أفعال ثلاثة، هي الفعل الماضي، والمضارع، والإطلالة من حافة الفعل المستقبلي، صار وبحكم التسارع العجيب لثورة الإنترنت وثقافة الصورة محكوما بفعل واحد هو فعل المضارع. إنّ الآنية المضارعية تبدو كأنها السمة الأكيدة لصناعة التاريخ البشري في زمن ثقافة الصورة.

 

ذلك أن التاريخ الذي ظلّ يتسيد ورقيا، ويأخذ سمة التبجيل والتقديس، ويعمل على انتاج نفسه وتخليق احفاده في كل عصر مستحدث الى درجة المضغ والاجترار في اغلب الأحيان، بدأت ثورة ثقافة الصورة تستدرجه نحو افخاخها الكهرومغنطيسية الراجفة على سطح شاشة الكمبيوتر، بحيث يمكن الجزم بأن التاريخ فقد تدوينه المحبّر وصار مصوّرا. والمشكلة الحقيقية لا تكمن في تدوين التاريخ تصويريا، وامكانية الاحتيال عليه بالمونتاجات التي تكاد تكون فكاهية، بل في الإهمال العجيب لفكرة التاريخ عموما.

 

وتجنب التعامل معها على كل المستويات الفكرية والمعرفية. ومن يراقب التعامل البشري اليومي مع الإنترنت وجحوره الإلكترونية ومواقعه و«الميديا» الخاصة بهذه الثورة سيلحظ ان التعامل مع ثقافة الصورة يعتمد اساسا على تفريغ الحمولة المعرفية بشكل يومي، وان مساحة المضارع الآني تبدو وكأنها المساحة الوحيدة للتعامل مع التاريخ.

 

وان فعل الأرشفة والتوثيق والتأريخ يكاد لا يحدث الا في هذه المساحة المضارعية اليتيمة. ولعل اعمق ماقيل حول هذه الظاهرة المضارعية في التعامل مع التاريخ هو ما اشار اليه الناقد والروائي الإيطالي البرتو ايكو في مقابلة نشرتها صحيفة القدس العربي قبل ايام، حيث قال: «مع الإنترنت وفي لمحة بصر، تجد في حوزتك كل المعلومات، وبالمقابل ليس بمقدورك أن تميز بين المعلومة الصحيحة، والمعلومة الخاطئة. وهذه السرعة تتسبب بفقدان الذاكرة، خصوصاً بالنسبة إلى الأجيال الشابة. وفرة المعلومات المتعلقة بالحاضر لا تسمح لك بالتفكير في الماضي.

 

إن هذه الوفرة هي بمثابة خسارة، وليست ربحا، فالذاكرة هي هويتنا وهي روحنا. إذا حدث وفقدت ذاكرتك فإنك ستصبح وحشا». الى هذا الحد يمكن للبشرية أن تقع في فخ الانبتات الأبدي عن تاريخها. والى هذا الحد سوف تقرع البشرية رأسها بصدمة المستقبل الحارس الأبدي لمرمى التاريخ.

 



«مأساة غوّاص»
  
تعد لوحة (مأساة غواص) من أشهر اللوحات التي أبدعتها ريشة الفنان عبدالله المحرقي، وتقف الجائزة الدولية الأولى في معرض جرولو دورو عام 1980 في إيطاليا شاهدةً على ذلك، وفيها جسّد المحرقي رحلة الغوص ، مستخدماً التكعيبية المبسطة، والرمزية كذلك. وتبيّن هذه اللوحة مكانة البحر في قلب المحرقي وذاكرته، والذي يعد مصدر إلهامه، لاسيما أنه كان يقطن منزلاً قريباً منه في منطقة «فريج الفاضل»، إضافة الى أن والده كان بحارا، ويأخذه معه في بعض أسفاره القريبة إلى الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية مثل رأس تنورة والخبر، ويحكي له باستمرار عن معاناة الغواصين خلال رحلاتهم الطويلة والشاقة.

الأكثر مشاركة