الأخت الكبيرة.. أمّ في الظل

مفهوم «الأخت الكبيرة» يرتبط بمعاني التضحية والعطاء والحنان.  فوتوز.كوم 
 
ارتبط مفهوم «الأخت الكبيرة» بمعاني التضحية والعطاء والحنان، التي جعلتها شريكة للأم وقريبة منها في المكانة والسلطة، وهي بمثابة «أم في الظل»،  سواء كان ذلك بسبب مشاركة الأخت الكبيرة ذكريات وتجارب مع الأم والأب، أو بسبب كونها «الفرحة الأولى» للوالدين، أو حتى نظراً لتحولها مع الوقت إلى المسؤولة الثانية عن سير أمور العائلة وبقية الإخوة. وعلى الرغم من المشاعر الإيجابية التي عادة ما ترتبط مع فكرة «الأخت الكبيرة» والمعاني القيّمة التي تمثلها، إلا أنها في الوقت ذاته، تمثل لدى بعض إخوتها الأصغر سناً، رمزاً للسلطة والتحكم.

 

بينما يرى اخرون، أن حساسية دور «الأخت الكبيرة» الذي يجعلها بين نار تحمّل مسؤولية من يصغرها سناً وحمايتهم من اندفاعاتهم، وبين الرغبة في التحول إلى صديقة ناصحة ومستمعة دون تدخل كبير، هو الذي يضعها أحياناً كثيرة في موضع لا تتمنى أن توجد فيه، حيث تكون متهمة من الوالدين بالتقصير، ومن الإخوة بالتسلط.

 

تعترف نورة مهدي (47 عاماً) من الشارقة، أنها لم تحب كونها الأخت الكبيرة في المنزل، «لأنني الأكبر سناً بين أخواتي وإخوتي، وهو شعور سيئ بحد ذاته، أجد أنني أضعف وأكثر عجزاً من أن أتولى زمام مسؤولية ثقيلة تحتاج مني أن أكون راعية للجميع، ومن ضمنهم أبنائي»، مشيرة إلى أن شخصيتها المسالمة جعلتها تعزل نفسها عن المشكلات، وتفضل تحمّل ما يكفيها من مسؤوليات تربية أبنائها، مشيرة إلى أنها تركت هذه المسؤولية لأختها المتوسطة، «والتي تستمتع بشدة في أن تكون مطلعة على تفاصيل حياة كل فرد في العائلة، ومتدخلة في حلول المشكلات»، معترفة بأن ابتعادها عن مهمة «الأخت الكبيرة» جعلها محبوبة بين إخوتها، المتفاوتين بالعمر، من كبيرهم إلى صغيرهم، «بينما تعاني أختي المتوسطة من انزعاج الإخوة منها، واعتبارها شخصاً مزعجاً، وفضولياً، ومتسلطاً».

 

وتقول عالية محمد (37 عاماً) من دبي، أن ما يحمله مفهوم الأخت الكبيرة، «أكبر وأجمل بكثير من مسألة عمر يفرق بين الإخوة أو يبعدهم عن بعضهم بعضاً»، معتبرة نفسها أختاً كبيرة على الرغم من أنها ليست الأكبر، بل الأصغر سناً بين أخواتها الثلاث، معترفة بأنها لاتزال تذكر رعاية أختها الكبرى لها ولبقية أخواتها، «الأمر الذي جعلني أتعلق بها بشدة، ولكن ومع مرور الوقت وانشغال كل منهن بزواجها وحياتها، تحولت شيئاً فشيئاً إلى الأخت الحكيمة بينهن، وكنت الحكم في مشكلاتهن مع بعضهن أو مع أزواجهن، ربما بسبب عدم زواجي المبكر، وكوني لم أنشغل سوى بدراستي وعملي».

 

تسلّط
أما أريج حامد (22 عاماً) من الشارقة، فتبين ان تجربتها مع اختها الكبيرة حملت كثيراً من المشاعر السلبية التي جعلتها تتمنى اليوم الذي تتزوج فيه شقيقتها الكبيرة لتتمكن من «استنشاق الأكسجين»، حسب تعبيرها، اذ تقول إنها تعاني تسلطاً وتحكماً شديدين في حياتها من قبل شقيقتها الكبرى، التي «لا تتوانى يوماً عن إشعارها بأنها قادرة على إحداث المشكلات لها وتغيير رأي العائلة وتحويله ضدها إن رغبت بذلك»، معترفة بأن تسلط شقيقتها علّمها أن تكذب وأن تحور الحقيقة ولو قليلاً لتفادي المشكلات، «خصوصاً أن مسؤولية سلامتي ومصلحتي، ألقيت منذ زمن طويل على شقيقتي الكبرى، وذلك لكبر سن والدتي ومرضها المبكر ووفاة والدي مبكراً أيضاً».

وتقول عالية حسن (16 عاماً) من الشارقة، إن «أختي الكبرى شديدة العصبية»، متسائلة عن السبب الذي يحول الأخت الكبرى «من حنونة ومعطاء وصديقة حقيقية، إلى متسلطة».

 

أمّ مبكرة
وتجد شكران مهدي (50 عاما)، المبرر للأخت الكبيرة في أن تتدخل في شؤون إخوتها الصغار، وأن تكون لها مكانتها الأهم بينهم، «فما قاسيته في حياتي لأجل أخواتي، يستحق منهن أن يعتبرنني الأم وليس الأخت فقط، فبعد وفاة والدي، ومرض والدتي، والزواج المبكر لشقيقتيّ الكبيرتين، تحولت تدريجياً وأنا لاأزال في المرحلة الابتدائية، إلى أم مبكرة لأخواتي الصغيرات»، موضحة أنها قررت البقاء عزباء، رافضة الزواج من أجل رعاية اخواتها.

 

ومع مرور الزمن، قلّت عروض الزواج، إلى أن استطاعت أخواتها الصغيرات إكمال دراساتهن والزواج، لتتزوج شكران قبل تسع سنوات فقط، «إلا أنني لم أندم يوماً على ذلك، وتكفيني نظرة الاحترام والرعاية التي أجدها منهن».

 

ظلم
إلا أن فداء يوسف (44 عاماً) من فلسطين، تجد أن هناك ظلماً كبيراً للأخت الكبيرة، مشيرة إلى أنها لطالما تغاضت عن أخطاء كثيرة صدرت بحقها من إخوتها الصغار، ليأتي دور الوالدين في «تدليل» الصغيرة على حساب الكبيرة، «الأمر الذي تبين أنه يؤثر بشكل سلبي في شخصية الأخت الكبرى التي تكبر سريعاً وسط دوامة من الأعباء والضغوط النفسية والاجتماعية»، معترفة بأن المسؤوليات التي عاشتها في صغرها جعلتها تشعر بالتعب والملل وعدم القدرة على تحمّل مسؤوليات الزواج والعائلة وعبء الأطفال، «كوني اختبرت كل هذه المسؤوليات وأنا لاأزال في سن اللعب، وجدت نفسي غير قادرة على العطاء حين جاء دوري الحقيقي عند تأسيس عائلتي الخاصة»، معترفة بأنها أصبحت وفي أحيان كثيرة غير مبالية لما يحتاجه أبناؤها، أو بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، «فأنا ببساطة متعبة».  

 

أسباب التسلّط
يقول استشاري العلاقات الأسرية خليفة المحرزي إن الأخت الكبيرة تلعب دوراً مؤثراً داخل العائلة، «فهي المشرف العام الذي يتولى الإشراف على نظامها في غياب الوالدين، فهي صاحبة تأثير قوي، وأحياناً تصبح بمثابة الأم البديلة لأخوتها الصغار الذين يكنون لها التقدير والاحترام»، موضحا أن «تجاوز الأخت لدورها المعهود وممارسة دور سلطوي على أفراد العائلة، يعني تشكيلها عبئاً كبيراً عليهم ما يجعلها غير محبوبة لديهم».

 

ويوضح المحرزي أهم أسباب التوتر في العلاقة بين الاخت الكبرى وإخوتها، بما يلي:   ولطريقة التنشئة الأسرية، ومدى السماح للأخت الكبرى في فرض سيطرتها على البقية، وتدخلها في حياتهم الشخصية.  

 

يقالغيرة النابعة من الشعور بفقدان السيطرة العامة على إدارة شؤون المنزل، فبعدما كانت هذه الأخت هي التي تتحكم بالأمور أصبح الإخوة في مقام لا يريدون منها التحكم في خصوصياتهم فتنشأ حالة من الصراع بين الطرفين.  

 

حديث الصديقات القريبات من سنها عن كيفية الحفاظ على قوتها المعتادة، تحت عبارات «لا تفسحي لهم المجال»، و«لا تفعلي لهم كذا»، و«كوني قوية»، عندها تدخل الأخت الكبرى بنية التسلّط.  

 

نمط الأخت الكبرى التي تريد كسب رضا أهلها، فكلما أفرطت في ذلك بإعطائهم كل شيء تمادوا في السعي لتملكها والسيطرة عليها.  

 

معاملة أخت الزوج لأخيها كما كان يعامل قبل الزواج يعد من الأخطاء الشائعة، دون مراعاة لزوجة الأخ ودورها في تسيير زواجها.   امعدم فهم كل من الأخت وبقية أخواتها حقوق كل طرف منهم وواجباته، ونطاق التدخل المسموح به تجاه الآخر. 

الأكثر مشاركة