«تهويد التاريخ» يفنّد آراء فليكوفسكي
العمل يقدم صورة جلية عن اتجاهات المؤرخ اليهودي إيمانويل فليكو فسكي. إي.بي.أيه «تهويد التاريخ» عمل ضخم قام به عدد من الباحثين المصريين، ويشكل انجازا كبيراً من حيث الترجمة ومناقشة المحتويات موضوعياً وعلمياً، كما يشكل مرجعاً مهما للقارئ ولأصحاب الاختصاص. وفي ما يشبه ما سماه الشعراء والنقاد العرب القدامى «المدح في معرض الذم»، فإن من يود ان يكتب عرضاً نقدياً عن هذا العمل البارز قد يشعر بحرج ربما يصل الى نوع من انواع «الضيق» ـ لابد منه ـ إزاء ضخامة العمل مستذكراً بيت الشعر القديم «تكاثرت الظباء على حراج/ فلا يدري حراج ما يصيد».
العمل المتعدد المجلدات ضخم ومتشعب، ولابد إذاً من التركيز على مجالات تشكل سمات عامة فيه، وتقدم صوراً جلية عن اتجاه المؤلف اليهودي الروسي الأصل ايمانويل فليكوفسكي، و«المهمة» التي وضعها نصب عينيه، كما تقدم في الوقت نفسه صورة عن المنهج الذي تبعه الباحثون المصريون، وبشكل خاص محرر هذا «المشروع» الباحث رضا الطويل.
تحضر الى الذهن أحياناً، نتيجة ما نقرأه في الكتاب، تلك النظرية الساخرة التي تقول بوجوب «التحكم» بالقدم نفسها لنجعلها تصبح مناسبة للحذاء. ويمكن ايجاز كثير من مواقف ايمانويل فليكوفسكي ببعض ما قال الباحث رضا الطويل في نقده للمؤلف في الجزء الأول من المجلد الأول ومنه «لا يعدو مشروع فليكوفسكي لإعادة ترتيب احداث التاريخ القديم في «عصور في فوضى» غير محاولة لضبط مسلسل أحداث التاريخ المصري مع ايقاع التاريخ الإسرائيلي الذي يقف بلا شواهد تاريخية تؤكد مصداقيته حتى أواسط القرن التاسع قبل الميلاد»، وقد وردت المجلدات الخمسة، التي انطوت على ستة «أسفار»، تحت عنوان عربي ارتفع في رأس كل كتاب من هذه الكتب هو «تهويد التاريخ»، وفي القسم السفلي تحت صورة لتمثال اخناتون يرد العنوان الذي اعطاه فليكوفسكي لعدد من مؤلفاته هذه وهو «عصور في فوضى».
الباحثون الذين أنجزوا هذا المشروع هم رضا الطويل وكمال رمزي ورفعت السيد علي ومحمود الطويل وفكري منير وعلي قلامي وخالد شاكر. وقال هؤلاء ان ترجمة سلسلة «عصور في فوضى» بكتبها الستة وإعدادها للنشر، استغرقت ما يتجاوز 20 سنة كاملة من العناء. وقد قدموا الكتاب الى الباحثين الراحلين احمد عمر شاهين ومحمد جلال عباس. الأسماء التي قامت بالترجمة هي احمد عمر شاهين ورفعت السيد علي وفاروق فريد ومحمد جلال عباس.
الجزء الأول من المجلد الأول تضمن كتابين تحت عنوان «رؤى نقدية»، أما الكتاب الأول فحمل عنواناً هو «عصور ليست في فوضى» وهو بقلم رضا الطويل. اما الكتاب الثاني فعنوانه «العلماء يواجهون فليكوفسكي» وكتبه كارل ساغان وآخرون، وقد ترجمه الى العربية الدكتور رفعت السيد علي.
اما الجزء الثاني من المجلد الأول فعنوانه «السفر الأول.. من الخروج الى الملك اخناتون»، ثم المجلد الذي جاء بعنوان «عوالم تتصادم»، أما المجلد الثالث فيحمل عنوان «السفر الثالث الأرض في اضطراب».
في «مقدمة الكتاب» قال رضا الطويل «إنه التزم بكتابه دراسة نقدية «تفند مزاعم فليكوفسكي حول اوديب واخناتون» وتحدث عن دراسته التي رد فيها على المؤرخ الصهيوني ايمانويل فليكوفسكي الذي اعاد كتابة تاريخ البشرية، والتاريخ الفرعوني خصوصاً، من وجهة نظر جديدة ستثير ضجة كبيرة لو صدقت»، وفي «عصور ليست في فوضى» وتحت عنوان «فليكوفسكي واخناتون» قال الطويل انه لا يمكن اعتبار فليكوفسكي «بأي معيار من المعايير مؤرخاً من طراز هؤلاء المؤرخين المدققين الذين اضاؤوا لنا مجاهل التاريخ القديم، يتقوقع فليكوفسكي في صدفة قناعاته المقدسة فلا يرى من التاريخ الا ما يتوافق مع الأساطير التوراتية، او بتعبير أدق يرغم التاريخ على الخنوع لسيطرة هذه النزعة المحددة».
وفي مجال آخر يتناول الباحث مسألة غاية في الأهمية هي مسألة الشك عند عدد من المؤرخين في وجود الإسرائيليين تاريخياً في مصر. انها نظرية على شيء من القدم، وقد اثيرت من جديد. وقد قالت عالمة الآثار واستاذة التاريخ اللبنانية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة هلن صادر في محاضرة لها قبل نحو سنتين، ان بين اهم من يتبنى هذا الرأي عدداً من علماء الآثار والمؤرخين اليهود في جامعة تل ابيب.
وتحت عنوان «تحذيرات السياسي العجوز ـ خلاصة القول»، أشار الطويل الى خلو في التاريخ المصري مما يشير الى وجود الاسرائيليين في مصر، في بحثه عن ارتباط التاريخ المصري بالإسرائيلي افترض فليكوفسكي ان شواهد التاريخ المصري القديم صمتت عن الإدلاء بأي معلومات عن العلاقة بين تاريخي ارضي مصر وفلسطين على ما بينهما من روابط الجوار. لابد من القول ـ إنصافا ـ ان مجموعة «تهويد التاريخ» عمل ضخم مهم وممتع تجدر قراءته والبحث في ما يتضمنه بتمعن، فهناك خطر من ان يكون في اي عرض نقدي له، شيء من الظلم لهذا العمل وإن كان من دون قصد. |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news