والفيلم بالفيلم


أثار الفيلم الإيراني «نهاية الفرعون» ردود فعل مصرية غاضبة، وقد تصدر الحزب الوطني الحاكم في مصر، وكتابه ومثقفوه، قائمة الردود العنيفة والمتشنجة.

 

وبعد أن بيّنت إيران رسمياً أن الفيلم إنتاج فني خاص، لا يمثل رأي السلطة السياسية الحاكمة. جاء الرد المصري هذه المرة مختلفاً تماماً. فقد قررت إنتاج فيلم عن الإمام الخميني بعنوان «إمام الدم».

 

ليست لدينا مشكلة مع الفيلم الإيراني، أو المصري المزمع إنتاجه. ولكن مشكلتنا تكمن في الموقف الثقافي المصري الذي يكاد يكون عاماً من الفيلم، وبالتالي من الرئيس أنور السادات، الذي يجري اعتباره بطلاً في الحرب وفي السلم. ولم نسمع أحداً من المعارضة المصرية يقول شيئاً مغايراً، بغض النظر عن الفيلم الإيراني وأهدافه. 

 

فالمثقفون المصريون ـ الغالبية ـ عانوا الكثير تحت حكم السادات، وذلك في معرض انتقاداتهم لزيارته إلى إسرائيل، ثم توقيع اتفاقيات «كامب ديفيد». وكلنا يذكر كيف تعرّض العديد من الكتاب والمثقفين المصريين ـ بمن فيهم هيكل ـ للسجن والملاحقة، فضلاً عن النفي القسري والاختياري الذي طال الكثيرين، ومنهم كاتبنا الكبير غالب هلسا الذي جرى إبعاده بقرار سياسي.

 
لا صوت مصرياً يحاول الآن اختراق هذا الضجيج الفلكلوري، الذي لا يبرره شيء سوى كون الفيلم إيرانياً. أي إن الموضوع سياسي بامتياز، خصوصاً ونحن نعرف العلاقات المتوترة بين البلدين. 

 

ولكن الغريب واللافت، هو هذا التواطؤ الذي يبديه الكتاب المصريون، إلى الحد الذي ربما يعيدون كتابة تاريخ تلك الحقبة من تاريخ مصر، طالما جاء من إيران من ينتقد حاكماً مصرياً، واتفاقاً مصرياً إسرائيلياً.

 
وطالما كان الشيء بالشيء يذكر، فإنني أتذكر المعركة الثقافية التي دارت في لبنان، على خلفية منع مدير الأمن العام فيلماً إيرانياً «كرتون»، ما استدعى تدخل المثقفين والكتاب اللبنانيين، ومن ثم وزير الثقافة آنذاك، طارق متري، ـ أصبح وزير إعلام حديثاً ـ ، دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير. ونجح المثقفون والكتاب اللبنانيون في إلغاء قرار المدير الأمني، وانتصرت الثقافة الحرة، رغم الظلال السياسية التي وقفت وراء الاحتجاج المحق في جوهره!

 

وإذا ارتأى المثقفون المصريون أن «نهاية الفرعون» يمسّ كرامة مصر والمصريين، كما عبر أكثر من كاتب مصري، فإن هذه التجاذبات والهجمات السياسية المضادة، ليست هي الطريقة المثلى للدفاع عن حرية الرأي وحرية الثقافة. 

 

كما أن إنتاج فيلم مصري، عن سابق تصور وتصميم، بقصد الرد على فيلم آخر، ينتقص من قيمة الفيلم الثاني، الذي سيكون ذا هدف سياسي ضيق، يتمثل في الإساءة إلى زعيم ديني إيراني.

 

كان يمكن للإخوة المصريين إنتاج فيلم عن السادات نفسه، بوثائق ومعلومات وتأريخ دامغ، يشكل رداً ملائماً على الفيلم الإيراني، طالما كان الفيلم الإيراني ـ في نظرهم ـ مليئاً بالمغالطات، ويشكل إساءة لمصر والمصريين، لا أن يرتكبوا الفعل الذميم كما فعل الإيرانيون، على حد تعبير الردود المصرية!

 

سيكون الموضوع «مسخرة» ثقافية وفنية، وفضيحة لا سابق لها. فليس الإبداع الثقافي فعلاً انتقامياً أو ثأرياً. ولا ينبغي للثقافة أن تظل أداة طيّعة في يد السلطة، سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية.   

 


damra1953@yahoo.com  

الأكثر مشاركة