«قمار إلكتروني» يستهوي المراهـقين في فنادق و«مولات»

أحد اللاعبين خسر 56 ألف درهم في يوم واحد.    الإمارات اليوم


انتشرت في الآونة الأخيرة لعبة أشبة بالقمار في الفنادق ومراكز التسوق في أبوظبي، واستقطبت مواطنين ووافدين عدة غالبيتهم من المراهقين.

 

وقال عدد من المواطنين والوافدين إن هذه اللعبة تحولت إلى ظاهرة داخل المراكز والصالات المخصصة لأجهزة إلكترونية، وهي مبرمجة على لعبة البوكر الأميركي.

 

 وتعتمد اللعبة على أن يشتري اللاعب عددا افتراضيا من النقاط 2000 نقطة بمبلغ مالي لا يقل في معظم المحال التي تمارس فيها هذه اللعبة عن 100 درهم، بينما لا يقل المبلغ في محال أخرى عن 500 درهم لكل 2000 نقطة من دون حد أقصى، وبعد أن يشتري اللاعب آلافاً عدة من النقاط يقوم عامل المحل وغالبا ما يكون فتاة آسيوية بتعبئة الجهاز بقيمة النقاط، ويبدأ اللاعب بضغطة على أحد الأزرار للبدء، ثم تفتح الشاشة على خمسة كروت ورقية مختلفة على اللاعب أن يؤلف بينها، وبضغطة أخرى تظهر ورقات مخفية عليه أن يختار أيا منها يصلح لتوليف الأوراق الأصلية بضغطه الزرار الأسود أو الأبيض، وفي كلتا الحالتين يكون خاسرا ويتم خصم عدد من النقاط التي يملكها في رصيده، وفي حالة فوز اللاعب بعد تكبّده آلافاً من الدراهم، فإنه يكسب جائزة عينية موبايل أو قطعة ذهب أو غيرها كنوع من التحايل وإظهارها لعبة عادية وليست قمارا، ولاستكمال الشكل اللائق يتم وضع نماذج الجوائز في صندوق زجاجي مجاور وعلى كل منها عدد النقاط اللازم إحرازها للحصول على الجائزة.

 

قمار إلكتروني

أبلغ مواطنون ووافدون «الإمارات اليوم» أن ظاهرة القمار الإلكتروني انتشرت في فنادق ومراكز تسوق في أبوظبي واستقطبت شريحة كبيرة من الشباب والمراهقين، موضحين أنها أحد أشكال القمار تسلب اللاعبين أموالهم مقابل كسب هدايا بشرط تحقيق عدد معين من النقاط، على سبيل المثال يبلغ عدد النقاط اللازم لكسب تليفون محمول حديث 96 ألف نقطة، وموديل 95 مع ذاكرة 8 غيغا 46 ألف نقطة، وموديل 93 يحتاج إلى 22 ألف نقطة، وموديل 70 يحتاج إلى 16 ألف نقطة، وتليفون آخر يتطلب 15 ألفاً و400 نقطة، وموديل أقل يحتاج إلى 12 ألفاً و600 نقطة، وموديل متواضع الإمكانات يحتاج إلى 8000 نقطة.

 

وأكدوا أن اللاعب الذي يشتري العدد اللازم من النقاط للحصول على الجائزة لا يتمكن من الحصول عليها إلا بعد انتهاء اللعبة أي بعد خسارته معظم النقاط التي اشتراها.

 

إقبال كبير

وقال جاد علي، موظف في شركة توزيع تجارية في النادي السياحي، إنه مارس هذه اللعبة مرة واحدة منذ شهر، عندما دخل الصالة لانتظار أحد أصدقائه وفوجئ بوجود هذه الأجهزة وإقبال الشباب عليها، مؤكّدا أنها أجهزة القمار نفسها التي تنتشر في روسيا وبلغاريا وألمانيا، والتي عاش فيها فترات طويلة من حياته، موضحاً أن مثل هذه الأجهزة موجودة في صالات القمار الأوروبية وتحيط بها الموائد التي يمارس عليها المقامرون لعبة البوكر، والفارق الوحيد بينهما أن العاملين عليها هنا لا يقدمون للفائز جوائز مالية، وإنما جوائز ذهبية أو أجهزة هواتف محمولة أو ساعات أو ما يشبهها.

 

 وأكّد أنه شاهد أحد المواطنين وهو يبدأ اللعب واشترى كروتاً بمبلغ 8000 درهم خلال أقل من ساعتين، وفي النهاية فاز بجهاز موبايل كنوع من الاسترضاء يقوم به القائمون على اللعبة عندما يهم اللاعب بالانصراف، ولتشجيعه على القدوم مرة أخرى.

 

وأفصح مواطن من المشاركين في اللعبة يبلغ 21 عاماً أنه خسر نحو 56 ألف درهم في يوم واحد، موضحاً أنه يجد متعة لا تقاوم في ممارسة هذه اللعبة، إضافة إلى شعوره بالإثارة، لافتاً إلى أن العديد من أصدقائه دأبوا على دخول هذه الأماكن التي تنتشر في كثير من فنادق أبوظبي وبعض المولات التجارية مثل مركز المارينا، ويتنافسون على قيمة المبالغ التي يلعبون بها في يوم واحد.

 

واعتبر الباحث الاجتماعي بهجت دحلة أن انتشار مثل هذه الألعاب يهدّد السلام الاجتماعي والأسري، خصوصاً حين تنتشر في أوساط المراهقين الذين لا يقدّرون تبعات هذه الممارسات، مشيراً إلى أن القمار يشبه المرض النفسي الذي يدفع صاحبه لممارسة اللعبة من دون سيطرة، وهو ما يفسر اعتياد الكثيرين اللعب على الرغم من الخسائر التي يمنون بها، مضيفاً أن المراهق لا يعرف كيف يسيطر على نفسه مثل الشخص البالغ، وبالتالي فهو أكثر عرضة للتضليل، وقد يضطر في وقت من الأوقات إلى السرقة لممارسة هذه الألعاب إذا لم يجد المال اللازم بطرق مشروعة.

 

مرض نفسي

من جانبهم، اعتبر مديرو بعض هذه الفنادق أن هذه الأجهزة مشروعة ومرخّصة وليست مخالفة للقانون، وقال مدير فندق كابيتال علي صالح إن جميع هذه الأجهزة وغيرها مرخّصة من الجهات المختصة، ومنها غرفة أبوظبي للتجارة والصناعة ودائرة التخطيط والاقتصاد وهيئة أبوظبي للسياحة، وتمارس عملها في حدود ما هو مرخص لها، مؤكداً أنها ليست قمارا 100% مثلما يوجد في أوروبا، موضحاً أن المبالغ المالية التي يدفعها الزبون ينفق معظمها على المأكولات والمشروبات.

 

وقال صالح إن هذه الألعاب جزء من صناعة السياحة ومن وسائل الترفيه المعمول بها في كل فنادق العالم ولا يتأذى منها أحد، متابعاً أن «من يتأذى منها عليه ألا يمارسها لأن كل إنسان مسؤول عن نفسه وتصرفاته».

 

وأيده مدير فندق بلازما الإمارات قائلاً إن جميع الأجهزة والألعاب التي توجد في الفندق مرخّصة من الجهات المختصة والجهات الأمنية وليس فيها ما هو غير عادي أو يثير الريبة، مضيفاً أن الفندق لم يتلق شكاوى تتعلق بهذه الألعاب.

 

ورفض مسؤول في فندق أوريكس عبداللطيف العلمي السماح بتداول هذه الألعاب، قائلاً إن إدارة الفندق تنتهج نظاما مغايرا يعتمد على توفير الهدوء ووسائل الراحة للعملاء، مشيراً إلى أن الفندق أغلق النادي الليلي نفسه ولا يسمح بمثل هذه الألعاب التي يكتنفها الغموض.

بينما رفض مدير فندق المفرق التحدث بشأن هذه الأجهزة، معتبراً أن مكالمتنا الهاتفية غير قانونية لأنها قد تكون مسجّلة.

 

الهيئة غير مختصة

وقال المسؤول الإعلامي في هيئة أبوظبي للسياحة سعيد حمدان إن التصاريح التي تمنحها الهيئة للفنادق لا تتضمن التصريح بهذه الألعاب أو غيرها، خصوصاً أن بعض الفنادق تحصل على ترخيص بمنشآت داخلها من الجهات ذات الاختصاص مثل دائرة التخطيط والاقتصاد، موضحاً أن الهيئة تمنح تراخيص الفنادق مثل وحدات متكاملة، مؤكّدا أنها تمارس دورها الرقابي في الإشراف والتفتيش على أنشطة الفنادق التي رخّصت بها وليس من بينها الألعاب الإلكترونية.

 

وأضاف أن إصدار مثل هذه التصاريح يتبع الجهات المحلية الأخرى ذات الاختصاص مثل الدائرة الاقتصادية أو غرفة التجارة والصناعة، أما الهيئة فإنها جهة غير مختصة بإصدار تراخيص لمثل هذه الأجهزة.

 

بينما أكدت رئيسة قسم العلاقات التجارية في دائرة التخطيط والاقتصاد مريم عيسى المهيري أن تراخيص الفنادق وما تحتويه من منشآت لا تخضع بأي حال لاختصاصات الدائرة الاقتصادية، وإنما يقتصر دور الدائرة على إصدار ترخيص الاسم التجاري فقط، وأضافت أن الأمر برمته يُعد من اختصاصات هيئة السياحة.

 

دور رقابي

وأكّد مصدر قانوني مسؤول لـ«الإمارات اليوم» أن جميع هذه الأجهزة سواء كانت في فندق أو نادٍ ليلي أو مركز تجاري أو محال يتم ترخيصها على أنها أجهزة ألعاب عادية، مثل أجهزة «البلاي ستيشن» والألعاب الإلكترونية الأخرى، ولا يصرّح باستخدامها بطريقة غير مشروعة أو ألعاب غير مرخص بها، مطالباً بوجود دور رقابي وإشرافي من جهة الترخيص على المنشآت التي ترخص لها، وفي هذه الحالة تعتبر دائرة التخطيط هي المسؤولة عن هذا النشاط باعتبارها ألعابا إلكترونية حسب المسؤول القانوني.

 

وأكد أن قوانين الدولة تمنع ممارسة القمار، لكن بعض الجهات تتحايل على القانون بابتكار أساليب أخرى لتحقيق أرباح خيالية بطرق غير مشروعة، وضرب مثالاً بأن هذه الأجهزة التي انتشرت في مراكز التسوق والفنادق يوجد مثيل لها في ملاهي الأطفال، لكن المقابل الذي تمارس به أقل كثيراً، كما أن الجوائز التي يفوز بها الطفل هدايا رمزية وغالباً ما تعتمد على المهارة.
 

 

القمار حرام مهما تعددت أشكاله

يقول مستشار الشؤون الدينية في ديوان رئيس الدولة علي الهاشمي إن القمار هو القمار مهما تعددت صوره وأشكاله، مؤّكداً أن الشرع لم يحدد ضرورة توافر شخصين أو أكثر كشرط لاعتباره قمارا أو لا، وإنما يمكن أن يكون شخصاً مع جهاز إلكتروني يؤدي إلى النتيجة نفسها، وهي أكل أموال الناس بالباطل ومن دون وجه حق، كذلك لا يشترط حصول الفائز في اللعب على أموال نقدية، وإنما قد يحصل على أشياء عينية مثل هاتف محمول أو ساعة أو غيرها كبرت قيمتها أو صغرت.

 

وتابع أن القمار هو الميسر والمعروف أن الميسر والأصنام والأزلام هي من الفواحش ويجازى عليها الإنسان بالخسران في الدنيا والآخرة.

 

ويعرّف العالم الأزهري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر الدكتور عبد المعطي بيومي القمار بأنه كل لعب فيه غرم بلا عوض وفيه استيلاء على أموال الناس بغير حق أو مجهود يتناسب مع قيمة المال، ومن ثم فكل ما ينطبق عليه ذلك فهو حرام لما فيه من إضاعة المال أو الكسب من غير طريق شرعي ولاشتماله على أضرار كثيرة مدمرة للجماعة والأفراد، مضيفاً أن الشرع حدد مبدأ عاما للقمار حينما قال: «يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون»، بحيث يعرف كل من يبتكر حيلة لممارسته أن ذلك عين الميسر، حتى وإن كان عبارة عن جوائز توزع على عدد من المشاركين من أموال دفعها جميعهم، وقال إن ذلك هو أكل لأموال الناس بالباطل لما فيها من غرر، وأكّد أن القمار هو مرض يصيب عقل الإنسان.

 

حبس اللاعب والمدير

قال المستشار القانوني رياض حمدان صاحب مكتب للاستشارات القانونية والمحاماة في دبي، إن قانون العقوبات يعاقب من يدير ألعاب القمار بالحبس مدة تصل إلى 10 سنوات، حيث تنص المادة 115 من القانون على حبس من يفتح أو يدير محلاً للعب القمار ويعده لدخول الناس، وكذلك كل من ينظم لعبة من ألعاب القمار في مكان عام أو مفتوح للجمهور أو في محل أو منزل يعد لهذا الغرض.

 

 وأضاف حمدان أن المادة 114 تنص على حبس ممارس اللعبة سنتين، موضحاً أن لعبة القمار حسبما يعرفها قانون الدولة هي كل لعبة يتفق فيها كل طرف على أن يؤدي للطرف الآخر مبلغاً مالياً أو أي مقابل آخر عيني إذا خسر اللعبة، وذلك بحسب المادة 113 من قانون العقوبات.

 

وأكّد المستشار القانوني عزت موفّق أن المادة 113 تجعل معظم الألعاب التي تمارس في هذه المحال من صميم لعبة القمار، على الرغم من عدم توافر الأطراف التي تحددها المادة، حيث يجعلون الأمر كأنه مجرد لعبة للترفيه والتسلية بجعلها لا تعتمد سوى على شخص واحد والآلة الإلكترونية، ظناً منهم أن ذلك يجعل شبهة القمار غير متوافرة.

تويتر