«البروكار».. حكاية حرير من دمشق
العاملون في هذه المهنة يشكون تراجعها وابتعاد الجيل الجديد عن احترافها.
ينسج الدمشقيون الحرير منذ القرن السادس الميلادي وهو الوقت الذي قيل إن الرهبان النسطوريون جلبوا فيه الحرير من الصين الى الشرق الاوسط.
وسرعان ما ازدهرت صناعة عرفت في أنحاء العالم على امتداد ما عرف بطريق الحرير وهي مجموعة من الطرق المترابطة طولها 8000 كيلومتر كانت تسلكها القوافل والسفن وتمر عبر جنوب آسيا الى أنطاكية في سورية وعرف صناع الحرير الدمشقيون بمهارتهم الفائقة في صنع البروكار وهو قماش سميك ينسج يدوياً من خيوط الذهب أو الفضة والحرير الطبيعي ويقصب بالذهب أو الفضة بنقوش عربية تقليدية.
وارتبطت هذه الحرفة بالصبر، والقدرة على التحمل والموهبة الخاصة في الرسم. وتمثل هذه المهنة واحدة من أهم الملامح التي تميز دمشق، أو هي حكاية من حكايا دمشق. ويجتذب حرير البروكار الدمشقي بألوانه الطبيعية الثرية ونقوشه الشرقية الدقيقة الزائرين الاجانب للعاصمة السورية. وقال أنطون مزنر الذي يملك أحد المصنعين الباقيين لحرير البروكار في دمشق «إنها صناعة قديمة وعريقة، ارتبط تاريخها بتاريخ دمشق، توارثنا هذه المهنة أباً عن جد، وقد شهدت هذه المهنة الكثير من التطورات وخصوصاً على مستوى الآلات التي كانت سابقاً مرتبطة فقط بالنول العربي».
وتعرف عائلة مزنر بهذه المهنة وتعتبر حتى أن الفضل يعود الى جد انطوان في انتشار نقش الفراشة الشهير المكون من سبعة ألوان على حرير البروكار الذي يحظى بإقبال كبير من الاوروبيين. وقال مزنر «مئات السياح يأتون إلينا لشراء قماش البروكار ويدفعون مبالغ كبيرة لأنهم يدركون القيمة الفنية لهذه الصناعة بالإضافة الى الموزاييك والصدفيات وغيرها من الحرف القديمة التي تشتهر بها دمشق». وصناعة حرير البروكار عملية دقيقة تحتاج الى وقت طويل، حتى أن النساج الماهر لا ينتج في المتوسط أكثر من متر من هذا القماش الفاخر في اليوم ليصبح المتوافر منه محدوداً للغاية ويصل سعر المتر منه الى 78 دولاراً.
ويعمل عامل البروكار العجوز عثمان رمضان (70 عاما) في مهنته في مصنع مزنر منذ 60 عاماً، ولايخفي خوفه من اندثار حرفته لقلة اقبال الشبان على التدريب عليها ومنهم أبناؤه. وقال «أعمل في هذه المهنة منذ 60 عاماً أي منذ كان عمري 10 سنوات، واكثر ما يحزنني أن أولادي رفضوا تعلم هذه المهنة واتجهوا نحو أعمال بعيدة كل البعد عن الصناعات الحرفية، وهذه المشكلة ليست في أولادي، لأن الجيل الجديد بصورة عامة يرفض تعلم هذه المهن التي تتطلب الكثير من الصبر والتحمل».
وبعد أن شهدت صناعة الحرير في دمشق ازدهاراً كبيراً على امتداد قرون عدة تراجعت في القرن 18 بعد أن فرض الحكام العثمانيون ضرائب جديدة عليها ثم زاد تراجعها خلال فترة الانتداب الفرنسي تحت وطأة الازمة الاقتصادية العالمية في ثلاثينات القرن الماضي.
للبروكار أنواع تختلف باختلاف العناصر المستعملة، وتختلف الألوان حسب الأذواق وبالتالي حسب الطلب الذي يختلف من دولة إلى اخرى لأن لكل دولة لونها المحبب، فالألمان يحبون الأزرق البروسي، والسويديون يحبون الزهر الفاتح، ويفضل الشعب الاميركي الألوان الرمادية..
ومن البروكار ماهو مقصب بخيوط ذهبية أو فضية. وينحصر دور هذه الخيوط في الرسوم والأشكال التزيينية المتنوعة والتي يكون بعضها نباتياً، أو بعض الصور الآدمية والراقصات ومنها نباتي أو حيواني كالفيل والغزلان والطيور. يعتبر نقش الرسوم على البروكار عملية معقدة ودقيقة، حيث يرسم الشكل على ورق ميليمتري على أن لايتجاوز عرضه خمسة سنتمترات في حالة نسجه على نول الـ400 سنارة حيث يتكرر الشكل كل خمسة سنتمترات، أو أن يكون عرض هذا الشكل كل 20 سم.
ويطبقون هذا الرسم على ألواح كرتونية تكون على أعلى النول ويسمى الجاكار، ومن المهم جداً معرفة عدد الثقوب الموجودة على كل سنتمتر مربع، فعندما يدار نول النسيج فإن المكوك الخاص بالخيوط العادية يمر كالمعتاد بين الطيقان على اختلاف أنواعها، أما المكوك الخاص بالخيوط الذهبية فإن مروره يرفع السنارات لعدد الثقوب وهكذا حتى يتكون الشكل ثم يتكرر العمل كلما تكرر الشكل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news