متعة الأدب

يوسف ضمرة

 

لا يبدو أن الناس مهجوسون بالأدب، كما كانوا من قبل. ويمكن القول إن قراء الأدب في تناقص متزايد يوما بعد آخر. فما الذي تغيّر؟

 

كان الأدب ولا يزال حقلا من حقول الثقافة، سواء في التعريفات الإنثروبولوجية للثقافة، التي جاوزت160 تعريفا منذ ماكس ويبر، أو في التعريفات الأخرى. أي أن ثمة اتفاقا على أن الأدب عنصر رئيس في الثقافة، كالفكر والمفاهيم.

 

ولأن الثقافة المكون الرئيس للهوية، فإنها لا تكتفي بالأدب، لئلا تكتفي الهوية بالثقافة. فالهوية تنطوي على معرفة الذات التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال معرفة الآخر ومحاورته.

 

ربما نكون مضطرين إلى العودة إلى مفهوم الأدب، ودوره، وموقعه في تكوين شخصية المجتمع.

 

فقد انصبّت الدراسات الأيدلوجية كلها على دور الأدب في معركة الوعي الاجتماعي. وقديما قال علماء الجمال الماركسي إن الأدب هو أرقى أشكال الوعي الاجتماعي. وعلى الرغم من المبالغة التي ينطوي عليها مثل هذا الكلام، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل ما يقدمه الأدب في هذا السياق.

 

فالوعي الذي يقدمه الأدب هو نتيجة حتمية للموضوعات التي يطرحها، والرؤى المتعددة إليها، ومقاربته أسئلة الوجود الأساسية. وليس بالضرورة أن يطرح الأدب حلولا أو إجابات، ولكن مجرد تناوله هواجس الإنسان وأسئلته الأساسية، ومحاولة وضعها تحت المجهر، يعني أن في ذلك استفزازا للعقل البشري، لكي يناقش هذه الهواجس والأسئلة، ولكي يتأمل هذا الغموض الذي يحيط به، ويحاول تقشيره والوصول إلى جوهره.

 

 ولكن ما لا ينبغي لنا تجاهله، هو سرّ وجود الأدب أصلا، في ظل وجود الحقول المعرفية الأخرى، والأكثر مقدرة على مناقشة القضايا الإنسانية ومقاربتها والبحث عن أجوبة عنها، كالفلسفة وعلم النفس والطب والعلوم المتنوعة.

 

تنطوي الآداب على قيمة الإمتاع التي تفتقر إليها حقول الثقافة والمعرفة الأخرى، وقد كانت حلقات الرواية المتسلسلة في روسيا القيصرية مثلا، تلعب دور المسلسل التلفزيوني في هذه الأيام، فكان أن ظهرت الروايات المطولة لكل من تولستوي وديستويفسكي.

 

لا يمكننا القول إن الأدب الحديث فقد متعته التي لازمته منذ البدايات. لكن، لا يمكننا أن ننكر تضاؤل مساحة المتعة في الآداب الحديثة. ولعل السبب في ذلك، يعود في المقام الرئيس إلى مفاهيم مغلوطة حول الحداثة الأدبية.

 

لقد رأينا كثيرا من الكتابات الجديدة التي تريد اختزال المعارف الأخرى، وتكثف المعرفة الكونية في ذاتها، إضافة إلى تجاهلها حق القارئ في الاستمتاع بما يقرأ.

أصبحت ثمة سخرية من مفردات كالتشويق مثلا، لمجرد كونها تنتمي إلى خطاب تقليدي، ولمجرد القول إن الحداثة تتطلب انقلابا شاملا في المفاهيم. وينسى أصحاب هذه التوجهات أن المتعة هي رأس مال الأدب. وأن التشويق لعبة ينبغي إتقانها، بصرف النظر عن التسميات والتوصيفات والنعوت.

 

نعم، الأدب في خطر، كما هو عنوان الكتاب الأخير للكاتب تودوروف، ولكن آمالنا تظل معلقة بمقدرة التاريخ على تصحيح الكثير من الأخطاء البشرية. ولكن مقدرة التاريخ تحتاج إلى مساعدة بين حين وآخر، وهو ما نطمح إلى رؤيته وتلمسه! 

 

 

damra1953@yahoo.com
تويتر