«الخفافين».. مقهى عراقي لا يعـــترف بالطوائف
المقهى يقع على مسافة قريبة من دجلة حيث السفن والقوارب. أ.ف.ب
يستعيد رواد «الخفافين» احد اقدم مقاهي بغداد، ذاكرة زمن غابر غني برموزه وشخصياته، من ابرز سماته الروابط الاجتماعية التي لم تفرق بينها الطوائف والقوميات المتعددة في بلاد ما بين النهرين. حتى ان زبائنه لغاية اليوم لا يعترفون بالطوائف والخلافات الدموية القائمة، ويقول عبدالاله الكحلة احد الرواد الذين يترددون بشكل دائم على المقهى إن «هذا المكان قديم جدا يتيح لنا فرصة استعادة الماضي، فنتذكر حياة بغداد الاجتماعية.
لقد تحول المقهى الى احد معالمنا التي لا نفارقها»، ويضيف الكحلة (70 عاما) الذي يسكن محلة «سوق حمادة» في جانب الكرخ (غرب نهر دجلة) ان «المقهى يقع في جانب الرصافة، لكنني احرص يوميا على ان اقصده سيرا على الاقدام، عبر الجسر الذي يربط الضفتين للالتقاء مع اصدقائي».
واستمد المقهى الذي يعود افتتاحه الى اكثر من 200 عام اسمه من ورش للصناعات الجلدية كانت المنطقة تعرف بها، خصوصا صناعة انواع من الاحذية الجلدية كانت محال السراجة تشتهر بصناعتها. ويفضي المقهى الذي يوحي بناؤه بأنه كان احد الخانات سابقا الى مسجد ملاصق لايزال يؤمه المصلون من مذاهب مختلفة. ويقع على مسافة قريبة من دجلة، حيث كانت السفن والقوارب التي تنقل الامتعة والبضائع تتخذ من ضفة النهر مرسى لها في الثلاثينات، كما انه قريب من سوق السراي الشهير ببيع الكتب، وكان يعرف بسوق الوراقين في الماضي. وتنتشر قبالة المقهى الواقع في منطقة محاذية للمدرسة المستنصرية دكاكين صغيرة متقابلة على جانبي شارع ضيق، مختصة بصناعة وبيع العباءات الرجالية الشهيرة بمختلف أنواعها. ولايزال أصحاب الدكاكين يحافظون على طابعها القديم رغم تحول بعضها الى محال لبيع الثياب. ويرى الكحلة ان «المقهى بات من اهم شواهد بغداد القديمة، بحيث نتذكر الشخصيات المعروفة من الادباء والتجار التي كانت ترتاده إبان اربعينات القرن الماضي». من جهته، يقول خليل عبدالجبار مصطفى (69 عاما) احد رواد المكان «ارتاد هذا المقهى منذ اكثر من 40 عاما، عندما كنت اعمل في دائرة مجاورة تابعة لوزارة العدل». ويضيف «عندما ينتهي عملي، اتوجه مباشرة الى هنا، حتى اصبحت زيارتي وشرب الشاي ولقاء الاصدقاء ابرز العادات اليومية التي لا استطيع التخلي عنها ابدا»، ويوضح مصطفى الذي يتخذ من احدى الارائك القديمة ركنا يوميا «كان المقهى ملتقى لقراء المقام العراقي الخمسينات والستينات امثال يوسف عمر وعبدالجبار العباسي وعبدالستار الطيار وعبدالهادي العزاوي وقدوري النجار». من جهته، يقول العامل في المقهى هشام (54 عاما) ان «زيارة المكان تمثل طقوسا يومية لزبائن من كبار السن، ويهمنا كثيرا الحفاظ على أجوائه القديمة التي تختلف عن سائر الأماكن، خصوصا بعد اندثار عدد كبير من المقاهي المعروفة في بغداد». ويضيف هشام الذي يحرص يومياً على تنظيف وترتيب صوراً فوتوغرافية قديمة معلقة على جدران المقهى «لم تختلف طبيعة المقهى عما كانت عليه قبل عشرات السنين، ويقدم للزبائن الشاي والنراجيل لكن لا وجود لوسائل اللهو مثل لعبة الدومينو وغيرها»، ويتابع «حتى اثاث المقهى قديم جدا، لأننا نريد الحفاظ على التقاليد»، ويشير هشام الذي يتنقل بخفة بين الزبائن موزعا اقداح الشاي الى ان «المقهى يغلق ابوابه حاليا بعد الثانية ظهرا، بعد ان كان يفتح مع ساعات الفجر الاولى حتى ساعات متأخرة من الليل». وتثير بعض الصور المعلقة على جدران المقهى الذكــريات في مخيــلة الرواد، حيث يعود بضعها الى المــلك فيصل الثاني (1935-1958) مرتديا الزي العربي التقليدي والملك غازي (1912-1939) مع زوجته الملكة عالية، واخرى لسيدة الطرب العربي ام كلثوم اثناء زيارتها بغداد. ويؤكد هشام الذي يعمل منذ اكثر من 35 عاما في المقهى ان «عدم وجود جهاز التلفزيون والراديو هو شكل من اشكال الاصالة والتقاليد التي يدأب عليها المقهى». وتبلغ مساحة المقهى نحو 200 متر مربع تتوزع فيها اكثر من 30 اريكة من الخشب تحمل آثار الماضي، وبدت الوان الجدران وكأنها رمادية نظرا لتقادمها فيما رصفت ارضيته بالحجر. ويتميز بناء المقهى بطرازه القديم مع سقف مرتفع يتدلى منه ست مراوح قديمة في حين تتوزع على جدرانه قرب السقف نوافذ صغيرة للتهوية ودخول الضوء. |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news