تركيا.. التلويح بخطر الأصولية يهدِّد التجـــــــربة الديمقراطي

مظاهرة تركية عقب الإفراج عن متورطين في «المؤامرة العلمانية».أ.ف.ب  

وجه المدعي العام التركي ايكوت سينغز انغين، في 14 من الشهر الجاري اتهاماً لـ 86 شخصاً بمحاولة تغيير نظام الحكم في بلاده بالقوة،  من بينهم  ضباط عسكريون وصحافيون بارزون. 

 

وقال «إن هذه المجموعة بدأت في زرع بذور الفوضى ضد حكومة رئيس الوزراء، رجب طيب اردوغان»، ذات التوجه الاسلامي من اجل ايجاد ذريعة للجيش للتدخل لحماية الدولة. وفي الوقت الذي تدرس فيه المحكمة الجنائية التركية لائحة الاتهام الموجهة ضد هؤلاء الاشخاص لتقرر ما تراه مناسباً، تدرس نظيرتها الدستورية امكانية محاكمة الحكومة نفسها. فقد طلب مدع تركي من الأخيرة حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم، و منع 71 من اعضائه من ممارسة السياسة لخمسة اعوام، بمن فيهم اردوغان نفسه. وتتمثل تهمهم في ان هؤلاء يحاولون تدمير النظام العلماني وتأسيس دولة اسلامية في تركيا.

 

ومن المتوقع ان يصدر قرار ضد الحزب الشهر المقبل، ما سيجبر اردوغان على التخلي عن رئاسة الوزراء وينضوي حزبه تحت اي مسمى جديد وقيادة جديدة لخوض الانتخابات مرة اخرى. 

 

هاتان القضيتان المتقاطعتان تشيران الى تسارع وتيرة الصراع الايديولوجي حول مستقبل تركيا. حيث يحاول العلمانيون - وهم يمثلون صفوة الجيش، والقضاء والمجتمع الحضري - جاهدين الحفاظ على صورة تركيا الحديثة وإبقاء الدين بعيداً عن الحكومة. 

 

ويتمتع «العدالة والتنمية» وهو أحد انجح الاحزاب السياسية في تاريخ تركيا المعاصر، بجذور دينية قوية، وصعد للسلطة بوصفه اكثر الاحزاب محافظة وتديناً والتي اصبح لها صوت سياسي قوي.


 وتتضارب آراء الفريقين حول الديمقراطية والاسلام والتحديث والتعايش في ظل حكم القانون. هذا النزاع القانوني اربك المستثمرين في تركيا، وهو احد اهم الاسباب التي ادت لانهيار مؤشر السوق المالي الرئيس في اسطنبول الى 40% هذا العام، وفاقم الشعور بالاستقطاب للحد الذي اصبحت المواجهة فيه محصورة بين مبادئ الديمقراطية والعلمانية. 


ويعتقد العالم السياسي  في جامعة بحسيسر  في اسطنبول، ساهن البي،  بأن «الوضع السياسي في تركيا  خطر»، ويضيف «المواطنون الذين  يشعرون بأن نمط حياتهم تهدده الاغلبية المسلمة المحافظة ينحازون في الحال للعلمانية بدلاً عن الديمقراطية، وهم في هذه الحالة لا يقدرون الخسائر». الناجمة عن هذا الاستقطاب.

 

وتعتبر تركيا بلداً ذا أغلبية مسلمة، بيد ان تصاعد التوتر يشير الى ان مجموعة من المعتقدات تفرض نفوذها ايضاً على الساحة. 


وتبنت  نظام العلمانية في عشرينات القرن الماضي على يد مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال اتاتورك، لتطهير بلاده ما سماه النفوذ الرجعي.

 

الا ان تعاليم اتاتورك بالنسبة لاعضاء قيادة الجيش والقضاء والخدمة المدنية، اصبحت تفويضاً يؤججون بموجبه حرباً شعواء على الاسلام السياسي. 

 

وفعلوا ذلك من خلال الانقلابات عام 1960 و1971 والانقلاب «الهادئ» عام 1977، وفرضوا الحظر على الاحزاب السياسية. وفي العقد الماضي اصبحت مثل هذه التدخلات غير ممكنة بعد ان ارتبطت تركيا بالاسواق الدولية وأصبحت اكثر ثراءً، ويخشى الكثيرون من عودة عدم الاستقرار من جديد.


تتميز العلاقات بين قوى العلمانية وحزب العدالة والتنمية-الذي وصل للسلطة اول مرة عام 2002-  بعدم الانسجام. وتزايدت العداوة بين الفريقين منذ ابريل الماضي، عندما سعى «العدالة» لتنصيب احد اعضائه، عبدالله غول، رئيسا لتركيا. واعترض الجيش حينئذ على تلك الخطوة، الا ان اردوغان دعا لانتخابات مبكرة وتم تعيين غول رئيساً على كل حال. 


بعد ذلك اجاز الحزب تعديلاً دستورياً لرفع الحظر عن غطاء رأس المرأة في الجامعات. وحيث ان كثيراً من العلمانيين ينظرون لغطاء الرأس بوصفه رمزاً سياسياً لنمط الحياة الاسلامية فإن ذلك التعديل الذي رفضته المحكمة العليا الشهر الماضي أصبح العنصر الاساسي في القضية المرفوعة ضد الحزب.  

 

ويعتبر مواطنون اتراك، امثال الإعلامي العلماني تونكي اوزكان،  الزعيم رجب اردوغان «ملك سلاح التخويف» الذي يلجأ حزبه «لاستخدام الدين عندما يجد ان ذلك يناسب اغراضه» في محاولة لاستقطاب القوة والثروة. ويعتقد ان «العدالة والتنمية» يسعى  إلى أسلمة المجتمع التركي بمرور الوقت. ويقول منتقدو الحزب انه منذ وصوله إلى السلطة صار يشترط في المتقدمين لشغل الوظائف العليا في الخدمة المدنية ان يكون لديهم موهلات اسلامية. 

 

ويشير كثير من الاتراك الى الضغوط المتزايدة في الضواحي للحفاظ على السلوك المحافظ، وبدأت الصحف تلتزم بنشر صور فتيات الاعلانات مرتديات لملابس بأكمام وتنانير طويلة. 


وتعرضت فتيات في فريق جامعي للضرب من مهاجمين مجهولين لارتدائهن «الشورت»، وفي الوقت نفسه دعا ارودغان النساء إلى ان يكن لديهن ثلاث اطفال على الاقل بينما لا تضم وزارته سوى امرأة واحدة. وتحت حكم «العدالة والتنمية» تدنى نصيب المرأة في القوى العاملة من 29% عام 2000 الى 22% عام .2006


ويقول مؤيدو «العدالة والتنمية» ان الحزب لا يشجع السلوك المحافظ وإنما يعكس فقط ذلك السلوك في سياساته الخاصة به. ويقولون ان الحزب معارض لفرض الشريعة، وإن أجندته التشريعية تتبنى النظام الاقتصادي الليبرالي الموالي للغرب اكثر من الاحزاب العلمانية المنافسة له. حتى الاتراك الذين لا يؤيدون «العدالة والتنمية» يستنكرون المحاولات العلمانية الاخيرة لحظر الحزب. 

 

ويقول البي «لا يمكن حظر اكثر الاحزاب شعبية في البلاد، انها مجرد نكتة»، ويضيف «ان الحزب لا يهدد العلمانية كما يدعون ولكن الجيش هو الذي يستخدم هذا التهديد لدعم مركزه في البلاد». 

تويتر