إدلبي: الكاريكاتير يسعد الناس ويتعب الفنان

إدلبي: «لبعض السياسيين وجوه بخيلة تشكيلياً» .تصوير: أشرف العمرة

يذهب الفنان السوري حسن إدلبي في معالجاته للوجه البشري من خلال الكاريكاتير إلى أبعد من صياغة ونقل ذلك الوجه وإعادة تركيب أجزائه وفق تفاوت في الأبعاد. ويرى ان «المعالجة النهائية للوحة الفنية تحمل إلى جانب الملامح بعدا آخر يبرز الصفة الأعم من ملامح الشخصية»، لافتا إلى أن الفروق في طبيعة وموقع ومهنة الشخصية، تؤثر إلى حد ما في الشكل النهائي، واصفا ذلك بأنه «يحتاج إلى الدخول في الحالة النفسية لموضوع اللوحة».
 
ويقول إدلبي الذي عمل في عدد من المطبوعات، سياسية وفنية، لـ«الامارات اليوم» ان «الكاريكاتير متعب للفنان، بقدر ما يقدم من متعة للمتلقي»، مبينا أن «المسألة تكمن في تقييد الفنان بأدق تفاصيل الشخصية». ومع ذلك، يرى إدلبي أنه حاضر في جميع وجوه شخصياته، مؤكدا أن «الفنان حاضر في رسوماته، مهما حاول تجنب ذلك، فمشاعره ومواقفه تتسلل إلى اللوحة».

ويؤكد إدلبي الذي دخل عالم الكاريكاتير من بوابة التشكيل، أن الإنسان محور اهتمامه الفني، موضحا أن التشكيل، وان لم يحظ بفرصة عرضه أمام الجمهور، إلا أنه المساحة الحقيقية للتعبير عن الرؤية الفنية، والتي يراها تجمع في لوحاته التشكيل والكاريكاتير، في محاولة لفتح معبر بينهما، مشيرا الى أنه يستعد لعرض لوحاته التشكيلية في وقت قريب، حيث يقوم بالإعداد لمعرضه الاول في دبي، ومعارض لم يحدد بعد أماكنها.

 قراءة الوجوه
تمكن حسن إدلبي من رسم البورتريه في فترة مبكرة من حياته الفنية، ما أهله للتعامل بكثير من البراعة مع الكاريكاتير، خصوصا تحوير الوجوه التي يراها بصورة مختلفة، فقدم سياسيين وأدباء وفنانين وأشخاصا عاديين، أغراه «كرم وجوههم» فرسمها، مؤرخا من خلال تجربة تعد الأبرز بين التجارب القليلة المتميزة في الوطن العربي، بانوراما باسمة لحقبة غنية بالمفارقات السياسية والاجتماعية والفنية، قوامها قرابة عقدين من الزمن. فاصطاد إدلبي بريشته تناقضات هذه الحقبة التي بدت واضحة على وجوه شخوص لوحاته، «تمكنت من رسم البورتريه في مرحلة سابقة، وأرى أنه لا يمكن لرسام الكاريكاتير النجاح من دون إتقان رسم البورتريه، كما أن الشاعر لا يمكنه كتابة قصيدة نثر أو قصيدة تفعيلة من دون معرفة المتنبي والبحتري، وغيرهما».

وعلى الرغم من أن بعضهم لا يرى في الكاريكاتير غير تشويه أو سخرية من شكل شخص ما، يصف إدلبي الرسم الساخر بأنه «تحطيم الشكل، وإعادة صياغته بطريقة مختلفة تماما عن الرسم العادي، مع التأكيد أن ذلك لا يعني السخرية أو الإضحاك». فنجح في تقريب شخصية لوحته من المتلقي، حتى وإن اختلف المتلقي مع صاحب اللوحة «إلا انني انشأت علاقة مرحة بين الخصوم»، موضحا «هذه النوعية من الفن، هي محاولة لإعادة تركيب الوجه، مع المحافظة على الملامح الرئيسة، إلى جانب توظيف مهارات خاصة في قراءة أكبر عدد من حالات الوجوه».

العين
 يبدأ إدلبي الذي يشارك للمرة الثانية في مهرجان المحرس الدولي للفن والنحت في تونس بين 23 يوليو الجاري والثالث من أغسطس المقبل، في اقتناص الملمح الأبرز للوحته المقبلة من العين، التي تحمل وتحكي سمات الشخصية، وأدق حالاتها، من فرح وحزن وغيرها «أعتقد أن أغلب الكائنات تتواصل من خلال النظر للتعبير عن المشاعر. وبالتالي، أكثر ما يعنيني في الشخصية هما العينان اللتان أستطيع من خلالهما قراءة الشخصية». مؤكدا أن «الوجه لا يحتمل الخطأ، خصوصا العين  التي يؤدي أي تحوير فيها إلى تشويه العمل». وأضاف «أبدأ من زاوية ما لاصطياد العلامة الفارقة التي يمكنني في ما بعد البناء عليها، وهي اللحظة الأكثر إشراقا وتكثيفا للحالة الشعورية غير العادية، والمشحونة بمشاعر أستطيع التعامل معها فنياً».
 
واشار إلى أن المصورين والعدائين يفكرون بأجزاء من الثانية، لذلك يرصد الفنان اللحظة. إلا أن إدلبي وعكس ما يتوقعه البعض، يفترض أن اللوحة تشبه الشخصية أكثر من الصورة الفوتوغرافية، «إذا كانت الصورة تشبه الشخصية بنسبة 70%، فان اللوحة تشبه صاحبها بنسبة أكبر بكثير». ويضيف ان عددا من الرسامين يستشرفون ملامح الشخصية في المستقبل «ما يعني أن ثمة انفتاحا على الزمن في الكاريكاتير، بعكس الصورة التي تتوقف عند لحظة التقاطها»، مؤكدا أهمية توظيف الألوان في بعض الوجوه «يكتسب اللون في الكاريكاتير أهمية، تبعا للشخصية، فالمبالغة في اللون والكتلة والخطوط كذلك لها أهميتها، على أن تلك المبالغة ليست مجانية، ولا تمس بالشخصية، أو أسلوب تقديمها». 

 مفاتيح
 لكن كيف تنعكس مشاعر إدلبي من الشخصية على اللوحة، خصوصا التي لا يجد فيها ما يرسمه. يقول «إذا كنت أحب الشخصية، فذلك ينعكس على اللوحة، والعكس صحيح، مع المحافظة في الحالتين على المستوى الفني»، مبينا أن ذلك أقرب إلى الموقف النقدي، البعيد عن الكراهية والتشويه، لافتا إلى أن إعادة رسم الشخصية من جديد، يعيد تقديمها بشكل مختلف، وموضحا أن «النبض والتعامل والحالة الشعورية، ليست على سوية واحدة في كل الأوقات».

لكن، ما ملامح تلك الوجوه التي تدفع إدلبي إلى رسمها، وما طبيعة تلك، التي ترفض تسليم مفاتيحها؟ يقول «ثمة وجوه لا تشجعني على رسمها، ولكن في وقت ما، أعود إلى اللحظة الأولى أو الالتقاطة الأولى، فأبني عليها»، مؤكدا أن «تلك اللحظة تشكل قلب الهدف ومحرق التصويب». ومتى يكون الوجه مفروضا على الفنان، على الرغم من عدم وجود مفاتيح واضحة تمكنه من تقديم لوحة معبرة؟ يقول «تُعرف وجوه بعض السياسيين بأنها بخيلة، لان السياسي يستطيع إخفاء ملامحه وحقيقة مشاعره في أغلب الأحيان، على العكس من الوجوه الفنية متعددة القراءات، والتي تُوصف في الكاريكاتير بالكريمة، لأنها تمنح الفنان مساحات أكبر»، موضحا «في الصحافة العالمية يعرف العمر الافتراضي للوجه السياسي بأنه قصير نسبيا، أما الوجوه الفنية والأدبية، فهي أكثر حضورا وديمومة».

أما عن مدى انعكاس معرفة إدلبي بالشخصية على شكل اللوحة، وهل ذلك في مصلحة الفنان، يوضح «المعرفة المفرطة تضر أحيانا بالعمل، بحيث تبعد الفنان عن نقطة التركيز». ويضيف «المعاصرة حجاب، لذلك يجب أن ابتعد قليلا حتى أتمكن من توظيف تلك المعرفة من الذاكرة، فلا أستطيع مثلا رسم أمي، لان تعدد الحالات التي اختزنتها تعمل على تشويش عناصر اللوحة».
 
حول الوجوه الأكثر شعبية، يقول ادلبي الذي يعمل رسام  كاريكاتير في الزميلة «البيان» «هناك إجماع لدى الرسامين على وجوه الأدباء أكثر من غيرها، بحيث يُرسم الأديب بكثير من الحب، ولكن مشاعر الفنان تجاه مواقف السياسي، تدخل في تكوين اللوحة».

 وبين الأديب والسياسي، يبقى تفاعل الناس مع وجه الفنان أكبر، إذ يرى إدلبي أن «الرسم الساخر يرسخ صورة الفنان التي هي في الأصل كاريكاتير خاص، مثل الفنانين عادل إمام، نجاح الموجي، وغيرهما. وكذلك لدى الأدباء كاريكاتير معين مثل الشاعر أدونيس، ولكن الكاريزما ليست مهمة للأديب بقدر أهميتها للفنان».

معبر بين التشكيل والكاريكاتير
 بعد 17 عاما من التعامل بحب وحذر وخوف مع الوجوه، يقول ادلبي عن علاقته بالتشكيل، خصوصا أنه بدأ  تشكيليا «أبرز فناني الكاريكاتير في العالم هم في الأصل تشكيليون، ومنهم الفرنسي دوميه، ودافنشي الذي عمل على تحوير الوجوه في عدد من لوحاته»، مؤكد أن الفنان عندما يمتلك القدرة على الرسم الواقعي «يتحول الوجه إلى عجينة يمكنه التحكم بها وتحريكها في أكثر من اتجاه، من دون الإضرار بمفتاح الشخصية».

ويلفت إلى أن الكاريكاتير على الرغم من تحرره، إلا أنه «يجبرك على الارتباط بالشخصية وملامحها، وهو متعب للفنان»، حتى ان إدلبي عندما يود الاستراحة من عناء الكاريكاتير، فانه يذهب إلى اللوحة، موضحا «العمل التشكيلي، يضعني أمام بياض اللوحة، ويطلق العنان لمخيلتي، لاستحضار المخزون التعبيري والجمالي من الذاكرة، دون الالتزام بعناصر خارجية مفروضة. وبالتالي اللوحة تعبر عني أكثر».

وحول ما اذا كانت لوحة إدلبي التشكيلية تستطيع التخلص من سطوة الكاريكاتير، يقول «اللوحة، وإن كانت تشكيلية بامتياز، فإن روح الكاريكاتير حاضرة فيها من دون قيود مفروضة. والسبب أن الكاريكاتير تداخل مع التشكيل في شخصيتي»، مبينا أن الرسم الساخر أكسبه خبرة وقدرة على توظيف تقنيات فنية صارمة، والتي تؤهل الفنان للتعامل مع اللوحة التشكيلية بسهولة وسرعة، واختصار كثير من التفاصيل غير المهمة، والتي تثقل على المستوى الفني مجمل العمل. تحاكي ريشة إدلبي التعبيرية الحديثة، وتتخذ من الوجه البشري كل موضوعاتها، مؤكدا أن لا لوحة حقيقية تعبر عنه، إذا لم يكن الإنسان محورها، موضحا أن ذلك الحضور، ليس ساخرا، وإنما أبعد من ذلك، إذ «يمثل الحالة الإنسانية في محاولة لفتح معبر بين الكاريكاتير والتشكيل».
 
ويرى إدلبي أن «القادرين على الجمع بين التشكيل والرسم الساخر، هم قلة في الوطن العربي، منهم جورج بهجوري، ويوسف عبدلكي، ومصطفى حسين، وعبدالرحيم ياسر. أما غالبية رسامي الكاريكاتير فرسومهم أقرب إلى التوضيحية منها إلى اللوحة التشكيلية او الكاريكاتير».  
 
 

وزير يحب الطعام
 
يقول الفنان حسن إدلبي الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 1989 «خصصت واحدا من معارضي لشخصيات سياسية لبنانية، وضم نحو 100 لوحة، وحضره أكثر من 30 سياسيا، عبروا عن ارتياحهم لطريقة التناول والمستوى الفني». 
 
ويضيف «الطريف في المعرض أن وزير الثقافة اللبناني السابق ميشيل اده فرح كثيرا وحرص على اقتناء لوحة تصوره وفي جيبه ملعقة وسكين، في إشارة إلى حبه المعلن للطعام. تلك الأريحية تمكن الفنان من تناول أكبر عدد من الوجوه، خصوصا السياسية، فمشكلة الصحافة الأبرز في الوطن العربي، هي سقف الحرية المنخفض، والذي يحد من مساحة الابداع».

ويوضح «اعترض أحد الأشخاص على صورة رسمتها له، واصفا إياها بأنها لا تشبهه، فقال الفنان فاتح المدرس (هذه اللوحة تشبهه أكثر منه). فكشفت لي تلك الجملة أن الزخارف والإضافات، ربما تشكل عناصر تشويش، لذلك كان تركيزي على عناصر العمل وتسليط الضوء على الحالة، بعيدا عن الإضافات».  
 
تويتر