وداعاً بونابرت السينما المصرية

قيس الزبيدي


راودتني ثلاثة أسئلة وأنا أقرأ، بحزن شديد، خبر رحيل شيخ الفنانين يوسف شاهين، وهي أسئلة قد لا يمكن طرحها الآن، بسبب الألم الذي يبعثه في نفوسنا رحيل الفنان، لكن يبقى طرحها ممكناً، لسبب بسيط آخر، لأن كل من تألم لرحيله بهذه الطريقة المأساوية، فعل ذلك ليس بدافع شخصي، إنما بسبب من كون الراحل لا يعد فقط من أهم المخرجين في سينما مصر، إنما لأنه أيضا المخرج الأهم في سينمانا العربية. كما أنه الوحيد من جيله، الذي تابع إبداعه باستمرار وواكبت أعماله أعمال أجيال مختلفة من السينمائيين، كما استطاع أن يخرج من معطفه، أيضا، مجموعة مهمة من السينمائيين الشباب، أين يمكن أن يوضع يوسف شاهين كمخرج في السينما المصرية؟

 

وأين يمكن أن يوضع شاهين كمخرج في السينما العربية ؟
وأين يمكن وضعه كمخرج في السينما العالمية؟

 

ثلاثة أسئلة لا يمكن أن نجيب عليها الآن، لأن الإجابة عليها  تقتضي العودة إلى تأثير أعمال الفنان نفسه في تطور لغة التعبير في السينما، كما تقتضي العودة إلى المراجع، التي تبين حقاً مدى مكانته، وتأثيره في السينما العربية، وأهمية موقعه الفني الحقيقي في السينما العالمية. 

 

أمامنا طبعاً مراجع مهمة وعديدة سجلت مثل هذا الحضور لمخرجين عديدين من دول لم تكن سينماها معروفة في العالم. فهل استطاع شاهين مثلاً أن يضع مصر على خارطة السينما في العالم كما فعل البولوني اندريه فايدا في فيلم «قنال» والياباني أكيرا كوراساوا في فيلم «راشومان»والهنغاري زولتان فابري في فيلم «20 ساعة»؟


لكم كان شاهين يجهد ليس فقط في عمل أفلام بقدر جهده أن تجد أفلامه حضورها القوي والمؤثر في السينما العالمية! 

 

من هنا جاء ألمه حين تم تكريمه بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي عام 1997 عن مجمل أعماله، ورغم أنه استلم الجائزة، إلا أنه كان يتمنى، كما يقــــال، ألا يكرم هو نفسه إنما أن يفوز فيلمه «المصير» بالجائزة الكبرى! كذلك جاء فوزه بجائزة «الدب الفضي» في مهرجان برلين في العام 1978 نتيجة ملابسات انسحاب مخرجي الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية من الدول الاشتراكية، احتجاجاً على عرض فيلم «صيد الغزلان» المعادي لفيتنام! ما هي حقاً سينما شاهين؟ «بــــاب الحديد»، «الأرض»،  «حدوتة مصرية»، «الاختيار»، «اليوم السادس» و«داعاً بونابرت» أم «المصير»؟ وهل استطاع شاهين أن يطور أسلوبه السينمائي المتنوع الخاص، بشكل مبتكر يعبر عن شخصيته الفنية؟ والى أي مدى وضعت ظروف وطبيعة الإنتاج المصري العوائق أمام موهبته السينمائية؟ وإلى أي مدى جعل الإنتاج الفرنسي أفلامه تصبح، من جهة، متميزة عن أفلام  السينمائيين في مصر، وجعلتها، من جهة أخرى، أفلاماً غريبة عنهم! لا شك أن يوسف شاهين ظاهرة فريدة في السينما المصرية، ظاهرة يستحق فهمها منا النفاذ بعمق إلى جوهرها، ظاهرة قد تكشف لنا الصراع المأساوي بين ما نريد وما يجب علينا فعله!    

 

alzubaidi@surfeu.de     

تويتر