تسييل الأجــانب يخفِّض القيمـة الســــــوقـية للأسهم

 حال انتهاء عمليات التسييل الجارية يرتد السوق بسرعة وقوة.  تصوير: إكزافيير ويلسون 

أكد محللون وخبراء في مجال الأوراق المالية أن الانخفاض الحادث في القيمة السوقية للأسهم حاليا لا يدل على حالة هروب جماعي من الأسواق المحلية، وإنما جاء تفاعلا مع تقارير روجت إلى احتمال حدوث هجوم عسكري على إيران خلال شهر أغسطس الجاري.

وقالوا إن تحليل بيانات التداولات يؤكد تمسك المستثمرين المحليين بأسهمهم وعدم الانسياق لعمليات البيع القوية من قبل الأجانب، مشيرين إلى أنه في حال انتهاء عمليات التسييل التي تقوم بها بعض المؤسسات الأجنبية قد يرتد السوق بسرعة وبنسب كبيرة، لا تمكن المستثمر الذي باع أسهمه حتى من استردادها بالأسعار نفسها التي باع بها.

تمسك بالأسهم
قال المستشار الاقتصادي وخبير الأوراق المالية الدكتور همّام الشمّاع إن «نسبة تراجع مؤشرات أسواق الأسهم المحلية ظلت محدودة طوال أيام الأسبوع، ما يعد أمرا ايجابيا، متوقعا عدم حدوث حالة هروب جماعي، فالمستثمرون لايزالون متمسكين بالأسهم ولم ينجروا إلى البيع العشوائي الذي غالبا ما يظهر بعد سلسلة تراجعات متواصلة مثل التي نشهدها في أسواقنا حاليا». 

واعتبر أن تمسك المستثمرين بالأسهم وعدم وجود عروض بيع كبيرة، يعني أن تراجع المؤشر في ظل انخفاض قيمة وحجم التداولات يعود إلى عروض البيع المحدودة أو إلى السيولة الخارجة القليلة.  وأكد الشماع وجود فرق جوهري بين أن يكون التراجع نتيجة الخروج وبين عدم الدخول، فالحالة الأولى تنتهي إلى الهلع الذي تتسارع فيه عمليات الخروج لينتهي إلى حالة انفجار الفقاعة. أما الحالة الثانية أي عدم الدخول فيترتب عليها تراجع طفيف في المؤشر يتوقف ويتحول إلى صعود لحين عودة السيولة الهاربة من أسواق المال إلى الأسواق الأخرى سواء كانت أسواق الإصدارات الأولية أو أسواق العقارات».

ولفت إلى أن «ما يحدث حاليا في أسواق الأسهم ليس خروجا وإنما عدم دخول، فعندما نتحدث عن ظاهرة عدم خروج، فإنما نعني استمرار الثقة في الأسواق وعدم فقدانها. وعلى الرغم من اعتقاد كثيرين أن الأوضاع السياسية في المنطقة هي التي تقف وراء حالة الأسواق، إلا أننا نرى أن ذلك لا يعدو أن يكون محاولة للتفسير بعيدة عن الواقع.

وأضاف أنه على الرغم من الشد والجذب بين الأطراف المتصارعة في الحرب الباردة في منطقة الخليج، فإن بواطن الأمور تشير إلى أن الحل الوحيد المتاح أمام صراع الإرادات هو التوافق على حل أو على الأقل تأجيل تفجير الصراع المسلح إلى ما بعد انقشاع غمامة المشكلات السياسة والاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية. 

الارتـداد الســـــريع
وأوضح الشماع بيع الأجانب لأسهم بأسعار رخيصة جداً بمعيار مضاعف الربحية، وبأقل كثيرا عن  السعر العادل لهذه الأسهم بحسب التقييمات الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية المختلفة، وكذا عدم دخول المستثمرين المحليين أو على الأقل الهوامير من المستثمرين المحليين الذين لا تعدمهم السيولة ووسائل الحصول عليها، في انتظار اقتراب الأجانب من قاع تسييلاتهم، كي يباشروا بالدخول عند أدنى مستويات للأسعار والتي ستكون أدنى حتى من ارخص مستوى بلغته في انفجار فقاعة عام .2005
وتوقع أن ترتد السوق صعودا بشكل سريع عند حدوث مثل هذا الأمر وبالتالي قد لا يتمكن من باع أسهمه خلال هذه الفترة حتى من استردادها بالأسعار نفسها التي باع عندها.

وأشار الشماع إلى أن ظاهرة التراجع لا تخص أسواق الإمارات فحسب وإنما تمتد إلى كل الأسواق الخليجية دون استثناء، متسائلا «ما الدليل على أن سبب التراجع والبيع المحدود الذي تشهده الأسواق يعود إلى تسييلات الأجانب؟ ولماذا لا تكون محصلة بيعهم هي نتيجة للتراجع في المؤشر وليس سببا لتراجعه».

وأوضح أن الجواب عن هذا التساؤل يكمن في التراجع في القيمة السوقية التي سجلتها الأسهم خلال شهر يوليو الماضي. حيث انخفضت أسعار 33 شركة عالية السيولة يسمح للأجانب بالتداول عليها بنسبة 7.18%، فيما انخفضت أسعار خمس شركات عالية السيولة لا يسمح للأجانب بالتداول عليها بنسبة 1.77% فقط. واستبعاد الأسهم قليلة السيولة يعود إلى أن عروض بيع قليلة بأسعار منخفضة جدا يمكن أن تؤدي إلى انخفاضها بشكل كبير. مفسرا أنها «تنخفض بنسبة كبيرة بتداولات محدودة، بينما الأسهم عالية السيولة تحتاج إلى تداولات عالية كي تنخفض بشكل كبير».

 واستطرد أن المقارنة بين خمس شركات عالية السيولة لا يسمح للأجانب بالتداول عليها وهي «اتصالات»، «طاقة»، «أركان»، «ميثاق»، «بنك ابوظبي الإسلامي»، حيث كان معدل انخفاض قيمتها السوقية خلال شهر يوليو هو 1.77% بالمقارنة مع انخفاض 7.18% بالنسبة لـ33 شركة يسمح للأجانب بالتداول عليها، من بينها «الدار» و«صروح» و«إعمار» و«بنك ابوظبي الوطني» و«بنك دبي الإمارات» و«بنك الخليج الأول» و«أرابتك» وغيرها من الشركات العالية السيولة.
 
 ما يعني أن من يقوم بالتسييل في المقام الأول هم الأجانب. أما المستثمر الوطني خصوصا الكبار فإنهم ثابتون في السوق، وان القلة التي تقوم بتتبع خطى عمليات التسييل التي يمارسها الأجانب لم تستطع أن تؤثر بدرجة كبيرة في الأسهم عالية السيولة التي لا يسمح للأجانب التداول فيها كونها تحتاج إلى عروض بيع كبيرة نسبياً كي تنخفض قيمتها السوقية بشكل كبير ومحسوس».

وأكد الشماع أن الشواهد كافة يجب أن تطمئن المستثمر الوطني والمحلي إلى أن السوق قابلة لاستعادة أدائها الجيد، مهما طالت المدة التي ستستغرقها تسييلات الأجانب والتي تنتهي أما بالعودة إلى السوق نادمين أو نفاذ استثماراتهم في أسواقنا المحلية.

 توتر سياسي
من جهته قال مدير قسم الأبحاث والدراسات في شركة «الفجر للأوراق المالية»، الدكتور محمد عفيفي إن «هناك سببين رئيسين وراء التطورات التي شهدتها جلسات التداول خلال الأسبوع الذي تزامنت بدايته مع انتهاء المهلة المحددة من قبل الدول الغربية لإيران للرد على مقترحاتها في شأن تجميد نشاطها النووي، وتزايدت التكهنات حول ما ستسفر عنه هذه الجولة من التوتر المتصاعد بين الطرفين، خصوصا أن هناك بعض التقارير التي روجت إلى احتمال حدوث هجوم عسكري على إيران خلال شهر أغسطس الجاري، الأمر الذي يفسر ارتفاع وتيرة تصفية المراكز أو تخفيفها من قبل بعض الأجانب».

وبلغ صافي الاستثمار الأجنبي السالب خلال الأسبوع المنقضي ما يقرب من مليار درهم، وتحديدا 874 مليون درهم، بما يشكل تقريبا ضعف قيمة صافي الاستثمار السالب خلال الأسبوع السابق والذي بلغ 458 مليون درهم، وبذلك يرتفع صافي الاستثمار الأجنبي السالب منذ بداية شهر يوليو وحتى الآن إلى نحو 3.4 مليارات درهم وهو أعلى معدل لحركة تصفية المراكز للأجانب منذ بدء الدخول المكثف إلى الأسواق المحلية، بدءا من شهر أكتوبر الماضي.

وأضاف عفيفي أن «التطورات السياسية واتجاه التخفيف من المراكز لبعض الأجانب جاء متزامنا مع ترقب المستثمرين والمضاربين المحليين أو الأجانب لحركة مؤشر السوق من ناحية التحليل الفني، إذ لم يشاركوا بفعالية في التداولات انتظارا لأن يعطي السوق إشارات ايجابية من ناحية التحليل الفني الذي أصبح هو المحرك الأساسي لسلوك المؤسسات والمحافظ، ومن ورائهم المستثمرون الأفراد، الأمر الذي شكل ضغطا هائلا على مستويات الأسعار للأسهم وعلى المؤشر العام للسوق الذي انخفض بنسبة 3.25% خلال الأسبوع ليصبح سوق الإمارات يتداول عند مكرر ربحية 11 مرة وهو الأقل في ما بين الأسواق الخليجية التي تتراوح مكررات الربحية بها ما بين 12.3 و 16.9 مرة».

وتابع أن البيانات التاريخية للسوق تدعم بقوة احتماليه أن تحقق الأسواق المحلية ما يقرب من معدل 46% كأرباح مع نهاية هذا العام، تمثل نسبة انخفاض القيمة السوقية لغالبية الأسهم حاليا عن أسعارها العادلة، فإذا نظرنا لأداء السوق منذ بداية العام الماضي وحتى منتصف شهر أغسطس الماضي نجد أن المؤشر العام للسوق مرتفع بنسبة 5.6%، واستطاع المؤشر العام للسوق منذ منتصف أغسطس الماضي وحتى نهاية ديسمبر من تحقيق ارتفاعا بمعدل يصل إلى 49,25 %، أي أنه خلال الفترة من منتصف أغسطس الماضي وحتى نهاية 2007 استطاع المؤشر أن يحقق أرباحا بمعدل 43 % تقريبا، وهذا يعني أن التاريخ قد يعيد نفسه خلال ذات الفترة منذ منتصف أو نهاية أغسطس الجاري وحتى نهاية ديسمبر المقبل، خصوصا إذا كانت أدوات التحليل الأساسي تشير إلى إمكانية تحقيق ذلك في ظل معدل نمو لأرباح الشركات يبلغ 50%، مقارنة بالعام الماضي، ومكرر ربحية يقل بنسبة 46% عن متوسط مكرر الأرباح للدول النامية أو للأسواق الخليجية».

وأشار إلى أن ما يقرب من 76% من الاستثمارات الأجنبية التي دخلت الأسواق المحلية منذ أكتوبر الماضي لاتزال موجودة داخل الأسواق المحلية حتى الآن، على الرغم من كل التطورات السلبية للأسواق أو السياسية، إذ إن مجموع صافي الاستثمار الأجنبي المتدفق إلى الأسواق المحلية منذ أكتوبر الماضي وحتى نهاية يونيو 2008 بلغ 14.79 مليار درهم، في حين خرج منها فقط منذ بداية شهر يوليو وحتى الآن 3.4 مليارات درهم، ولايزال الأجانب محتفظين بصافي استثمار موجب منذ أكتوبر الماضي وحتى الآن يبلغ 11.3 مليار درهم، وذلك وفقا للإحصاءات اليومية الصادرة عن كل من سوقي أبوظبى ودبي الماليين».

وأكد «أهمية تريث المستثمرين الأفراد وألا يندفعوا نحو البيع، وفي الوقت ذاته عدم الدخول المكثف بكامل السيولة حتى تتضح الرؤية وتظهر الإشارات الصريحة ببداية المرحلة الجديدة التي نتحدث عنها، وكذا فيجب على المؤسسات والمحافظ المحلية أن يكون لها دور في مساندة السوق والحفاظ على مكتسباته، خصوصا في هذه المرحلة».
 
 خوف المستثمرين 
 
ذكر  التقرير الأسبوعي لشركة «شعاع للأوراق المالية» أن تداولات السوق خلال الأسبوع الماضي أظهرت ارتفاعا في حجم التداول نتيجة الحالة النفسية التي يمر بها المستثمرون تجاه استمرار التراجع السعري والذي تصاعدت وتيرته مع نهاية الأسبوع الماضي لتظهر مدى خوف المستثمرين من توالي الانخفاضات المستمرة لفترة أطول خلال هذا الوقت من العام. 

وعلى الرغم من ارتفاع حجم التداول إلى 7.4 مليارات درهم بزيادة نسبتها 68.5% نتيجة ضغوط البيع التي ظهرت وبشكل مفاجئ يوم الأربعاء الماضي لتبقي حالة عدم الاستقرار مسيطرة على السوق، كما ان مؤشر الإمارات العام سجل انخفاضا بواقع 3.31% ليصل إلى ما دون 6000 نقطة والتي كانت تشكل حاجزا نفسيا قويا لدى المستثمرين، مشكلا كذلك ضغطاً كبيراً على المؤشرات الأخرى لكل من سوقي دبي وأبوظبي.

وأكد التقرير أن «غياب الاستثمار المؤسسي المحلي عن السوق شكل أرضية خصبة لإطلاق الشائعات عن مدى هروب الاستثمار الأجنبي من السوق، وزيادة نشاط المضاربين في الاستفراد بصغار المستثمرين خلال فترة الصيف. كما ان انخفاض حجم السيولة العائدة إلى السوق شكل عامل ضغط على الأسعار الحالية، دافعاً بها نحو الأسفل لتكسر مؤشرات دعم قوية، والتي بدورها زادت من اتجاه المستثمرين من سوق الأسهم للبحث عن فرص استثمارية أسرع من خلال القطاع العقاري الذي شهد انتعاشا كبيرا خلال الفترة الماضية».

وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من استمرار التراجع إلا ان الدخول للأسهم عند الأسعار الحالية يعتبر هو أنسب استثمار على المدى المتوسط، حيث تتهيأ الأسواق على النقاط الحالية للدخول في حالة تصحيح سعري إيجابي قوي جدا».  
تويتر