مبادرة جيدة لكنها غير مفيدة!!
|
|
قيام بعض شركات توزيع البنزين بتنفيذ نظام الخدمة الذاتية في محطاتها لاشك أنه خطوة جيدة، ويشكل مثل هذا القرار مبادرة لا بأس بها في الاتجاه نحو تقليل العمالة غير الماهرة، ولكن في الوقت الذي نُشيد فيه بهذا التوجّه لابد أن نقتنع أيضاً، وبشكل ربما يكون «متشائماً» بعض الشيء بأن مثل هذه المبادرات، حتى وإن طبقها جميع محطات تعبئة الوقود في الدولة من السلع حتى الفجيرة، فإنها لن تؤثر في مسألة الاستغناء عن العمالة، ومسألة الخلل الكبير في التركيبة السكانية، إلا كما تؤثر أمطار الخليج الصيفية في منسوب مياه المحيط الهندي.
دعونا نفترض أن محطات التعبئة استغنت عن كل عمالها الهامشيين، ولنفترض أن الخدمة الذاتية طُبقت على الجميع، فكم تتوقعون عدد العمالة التي ستخرج من سوق العمل؟ 10 آلاف.. 20 أو حتى 50 ألفاً، في المقابل هل سيغادر هؤلاء البلاد أم سيبحثون عن فرص عمل في أماكن أخرى؟ وإذا غادر هؤلاء هل تعلمون كم عدد نظرائهم الذين دخلوا البلاد في غضون شهر أو شهرين، ضعوا الرقم الذي تتوقعونه، واضربوه في خمسة أو ستة أضعاف، سيظهر لديكم عدد العمالة التي تدخل سوق العمل سنوياً في الإمارات، عندها ستتأكدون أن المحيط الهندي المترامي لا تؤثر فيه إطلاقاً قطرات من أمطار الخليج المتقطعة! نعم نحن نحتاج إلى مبادرات من هذا النوع، فرماد العين أهون من «عماها»، نحتاج أن تعمّم هذه المبادرات على جميع النشاطات الشبيهة مثل الجمعيات التعاونية، ومحال «السوبر ماركت»، والمحال التجارية الصغيرة، و«الحلاليق» و«الكافتيريات» وأسواق السمك واللحوم وغيرها، تلك التي تعج بالعمالة الزائدة على الحاجة، وتمتلئ بالمخالفين، إلا أن هذا كله، وفي أفضل الأحوال، لن يجدي نفعاً إلا مع اتباع سياسة حكومية شاملة، وواضحة المعالم، تصبّ جميع بنودها وفقراتها في مجال السعي إلى التقليل من تأثير خلل التركيبة السكانية. لن نكون غير واقعيين ونطالب بمعالجة الخلل ووضع حلول سحرية تقضي عليه في سنوات عدة، بل نطالب اليوم بضمان الحد الأدنى الذي يجعلنا نحافظ على وجودنا وهويتنا. مبادرة شركات الوقود جيدة.. هذا صحيح، لكنها لن تنفع إطلاقاً في وضع بذور الحل، قد يعتقد البعض أن هذه المبادرة تتناسب مع مفهوم المثل الشعبي الشهير: «شيء أفضل من لا شيء». نعم صحيح.. شيء أفضل من لا شيء، لكن ليس في موضوع التركيبة السكانية، نحن اليوم في موقف يجبرنا على إلغاء مثل هذه الأمثال، فلا يوجد «أفضل» مع وجود خلل كبير، نحتاج الآن مبادرات أشمل، وتحركات أوسع، ونحتاج إلى خطوات تنفيذية أكبر بكثير، وكثير جداً، من مبادرات التعبئة الذاتية للوقود في محطات البنزين! علينا أن نلغي الكثير من الأمور التي كنا نحلم بها، وننظر إلى الواقع بعين واقعية، والواقع يحتم علينا اليوم العمل وفق خطط مدروسة بشكل أكثر جدية، لننقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان!
reyami@emaratalyoum.com
|