فلسطين ترتدي الحداد في رحيــــــــــــل محمود درويش

 درويش.. غياب الفارس وبقاء الشعر 
 
أضاءت فلسطين شموعاً في رحيل الشاعر محمود درويش، وارتدت الحداد الذي يليق بوفاة شاعر بحجم درويش الذي رحل بعدما حاور الموت عن قرب مرات عدة، وراوغ الموت اكثر من مرة، وتآخى معه أحيانا. لكنه شاعر يؤمن بحدسه، يعرف تماماً ان مراوغة الموت لن تدوم كثيراً، خصوصا انه الفلسطيني الذي خبرت روحه مآسي شعبه وأرضه. من قرية البروة تهجر قسريا، كما حال ابناء الشعب الفلسطيني، الى المنفى الذي احتل مساحة كبيرة في قصائده، كما في حياته، الى مستشفى في ارض بعيدة، هناك انتهت مراوغة الموت، في انتظار العودة ذات الصمت البليغ والجارح الى مسقط روحه فلسطين. 

فجعت فلسطين، وفجع الوطن العربي كله، وفجعت الانسانية، برحيل الشاعر الفلسطيني درويش الذي يعود الى ارضه عبر رحلة حداد طويلة، كما لو أنها القصيدة الأخيرة، حيث يلتف جثمان الشاعر بالعلم الفلسطيني ويدفن غداً، وتبكي أشجار الزيتون والقدس ويافا وحيفا ورام الله وغزة والخليل، حيث يبكي البحر ونابلس وجنين وبيسان وطولكرم والكرمل والجليل وكل فلسطين. 

توقف قلب درويش، اول من امس، لكن نبض قصائده يتواصل عبر الزمن، وقد اعلنت فلسطين الحداد العام ثلاثة ايام. توفي درويش في أحد مستشفيات تكساس في جنوب الولايات المتحدة، ليرحل معه أحد كبار الشعراء الفلسطينيين والعرب. وأعلنت المتحدثة باسم مستشفى «ميموريال هرمان تكساس ميديكال سنتر» آن بريمبري، وفاة الشاعر.

وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمة بثها تلفزيون فلسطين «كم هو مؤلم على قلبي وروحي أن أنعي للشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية وكل محبي السلام والحرية في العالم، رحيل نجم فلسطين وزينة شبابها وفارس فرسانها، الشاعر الكبير محمود درويش الذي انتقلت روحه الطاهرة الى بارئها الساعة التاسعة والنصف مساء اليوم (السبت) بتوقيت فلسطين». وأضاف عباس أن «غياب شاعرنا الكبير محمود درويش، عاشق فلسطين ورائد المشروع الثقافي الفلسطيني الحديث والقائد الوطني اللامع والمعطاء، سيترك فراغاً كبيراً في حياتنا الثقافية والسياسية والوطنية». وتابع أن «هذا الفراغ لن يملأه سوى أولئك المبدعين الذين تتلمذوا في مدرسته، وتمثلوا أشعاره وكتاباته وأفكاره، وسيواصلون حمل رسالته الإبداعية لهذا الجيل وللأجيال المقبلة».

وقال أيضا «كان صوت محمود درويش وسيظل عنواناً لإرادة شعبه في الحرية والاستقلال، وسيبقى اعلان الاستقلال الفلسطيني الذي صاغه شاعرنا العظيم عام 1988 مرشداً لنا ونبراساً لكفاحنا، حتى يتحقق حلمه في ان يرى وطنه مستقلاً ومزدهراً بعد ان يرحل الاحتلال عن ارضه». وتابع عباس «انني اعلن الحداد العام في الوطن لمدة ثلاثة ايام تكريماً لروح فقيد الشعب والأمة و الإنسانية، وتعبيرا عن حب هذا الشعب لابنه البار والمميز محمود درويش».

وفي عمان، قال السفير الفلسطيني في الأردن عطالله خيري لوكالة فرانس برس إن «الرئيس الفلسطيني محمود عباس سوف يرسل طائرة رئاسية الى هيوستن.. لنقل جثمان محمود درويش الى عمان». وأضاف «ستجري له مراسم وداع في عمان قبل نقله الى رام الله». وتابع خيري أن «الرئيس الفلسطيني طلب من الجهات المختصة الفلسطينية مخاطبة السلطات الاسرائيلية من اجل دفن درويش في الجليل». وسبق أن اُجريت لدرويش عمليتان جراحيتان في القلب عامي 1984 و.1998 

ابن قرية البروة
 ولد محمود درويش عام 1941 في قرية البروة المدمرة اليوم في الجليل، ونشأ وترعرع هناك واعتقل اكثر من مرة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلية.

ودرويش هو ثاني اكبر اربعة إخوة وثلاث أخوات. كان في السابعة من العمر عندما حصلت النكبة عام 1948، وتشرد الفلسطينيون قسريا نتيجة الاحتلال الاسرائيلي. 

احتل الجيش الاسرائيلي قريته البروة، فغادرت العائلة الى لبنان لمدة سنة فقط قبل ان تعود سنة 1949 لتجد القرية وقد دمرت على غرار 400 قرية فلسطينية اخرى افرغت من سكانها العرب وبنيت مستوطنات اسرائيلية على انقاضها، فعاش لفترة قصيرة في قرية دير الاسد في الجليل، قبل ان يستقر في القرية الجديدة المجاورة لقريته البروة. تنقل بين قرى الجليل، حيث تلقى دروسه الابتدائية والثانوية واستقر في شبابه في مدينة حيفا.

ويروي درويش ان جده اختار «العيش فوق تلة تطل على ارضه وظل حتى وفاته يراقب المهاجرين (اليهود) يعيشون في ارضه التي لم يكن قادرا على زيارتها».
كانت أمه حورية لا تحسن القراءة والكتابة، غير ان جده علمه القراءة، ويقول إنه بدأ يكتب الشعر وهو في السابعة.

يصف درويش الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الاسرائيلي بأنه «صراع بين ذاكرتين». وتتحدى قصائده المعتقد الصهيوني القائل عن فلسطين «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». في العام 1972 توجه الى موسكو ومنها الى القاهرة وانتقل بعدها الى لبنان، حيث ترأس مركز الابحاث الفلسطينية وشغل منصب رئيس تحرير مجلة «شؤون فلسطينية». وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجا على اتفاق اوسلو عام .1993  نشر الشاعر محمود درويش آخر قصائده في17يونيو الماضي، تحت عنوان «أنت منذ الآن غيرك» انتقد فيها التقاتل الفلسطيني. وكان ديوانه «اوراق الزيتون» 1964، ثم «عاشق من فلسطين» 1966 نجاحاً كبيراً وذاع صيته كشاعر مقاومة وهو في مطلع العشرينات.
 
وتحولت قصيدته الشهيرة «بطاقة هوية» صرخة تحدٍ فلسطينية جماعية للاحتلال الاسرائيلي. يقول فيها «سجل انا عربي ورقم بطاقتي 50 الفا»، ما ادى الى اعتقاله عام .1967  
 
 إبداعات 

للشاعر محمود درويش أكثر من 30 مجموعة شعرية، وترجمت أشعاره الى نحو 40 لغة:
عصافير بلا أجنحة (شعر).
أوراق الزيتون (شعر). 
عاشق من فلسطين (شعر). 
  آخر الليل (شعر).
مطر ناعم في خريف بعيد (شعر). 
يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص). 
يوميات جرح فلسطيني (شعر). 
  حبيبتي تنهض من نومها (شعر). 
محاولة رقم 7 (شعر). 
أحبك أو لا أحبك (شعر). 
مديح الظل العالي (شعر). 
 هي أغنية ... هي أغنية (شعر). 
لا تعتذر عما فعلت (شعر). 
عرائس.

  العصافير تموت في الجليل. 
تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.
حصار لمدائح البحر (شعر).
شيء عن الوطن (شعر). 
ذاكرة للنسيان. 
 وداعاً أيها الحرب وداعاً أيها السلم (مقالات). 
 كزهر اللوز أو أبعد. 
  في حضرة الغياب (نص).  
  لماذا تركت الحصان وحيدا. 
 بطاقة هوية (شعر). 
  أثر الفراشة (شعر).

جوائز
حاز الشاعر محمود درويش عدداً من الجوائز العربية والدولية، من بينها جائزة البحر المتوسط في 1980 ودرع الثورة الفلسطينية (1982)، وجائزة لينين في الاتحاد السوفيتي (1983)، وجائزة الأمير كلاوس الهولندية وجائزة العويس الثقافية مناصفة مع الشاعر السوري أدونيس (2004).
كما منح جائزة «الاركانة» التي يقدمها بيت الشعر في المغرب وكان يفترض أن تسلم له في حفل في الرباط في اكتوبر المقبل.  
 
تويتر