الجريمة و«الجنسية»!

   
 في المؤتمر الصحافي الذي عقدته شرطة دبي أول من أمس، للإعلان عن إلقاء القبض على المتهم بقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم، رفض اللواء خميس مطر بن مزينة الكشف عن هوية الجاني، وبمعنى أدق عن جنسيته، على الرغم من إلحاح الصحافيين لمعرفتها. وبالطبع، فإن تصرف اللواء خميس نابع من أمور أمنية وقانونية، ربما يجهلها الناس العاديون، خصوصاً أن التحقيق لايزال جارياً في القضية.

ومع ذلك، فضلنا متابعة القضية، وذكر تفاصيلها التي بدأت خيوطها والخطط الخاصة بتنفيذها خارج الدولة، وتم التنفيذ فقط في الإمارات.. ذكرنا التفاصيل، ونشرنا ما ورد في بعض الصحف المصرية، ليس لأننا لا نحب الالتزام بفقرات المؤتمر الصحافي لخميس بن مزينة، ولكن لأننا ندرك تماماً أن هناك من يتلذذ بتصيد مثل هذه الأمور، ومن يجيد الحبك والتربيطات «التافهة» التي لا علاقة لها بالحقيقة، فلن نستغرب أبداً لو لم نذكر «جنسية» الجاني، من خروج بعض الأصوات «الساذجة» وهي تكيل لنا الاتهامات بتعمد التشهير والعنصرية في ذكر جنسية دون أخرى!

ومع قناعتنا التامة، بأن ذكر جنسية الشخص في خبر الجريمة، لا يسيء إطلاقاً إلا للمجرم نفسه، فلا يوجد شعب في العالم من دون مجرمين و«حرامية» ونصابين، كما لا يخلو شعب من المفكرين والمبدعين والصالحين.

 معادلة مفروغ منها، إلا في نفوس من في قلوبهم «مرض نفسي»، فيعتقدون أن هناك فئة من البشر لا يمكن لها أن تسرق أو تنصب أو تقتل، وحتى إن ثبت جرم أحد من هذه الفئة، فيجب التستر عليه، ومداراة الحقيقة. وإذا أمكن «تكريمه» على جريمته، وإلغاء أي عقوبة مفترضة عليه، لماذا يا ترى؟ هل هناك فعلاً «شعب الله المختار»! قضية سوزان تميم ربما تجعل البعض يدرك أن للأمور الأمنية خصوصيتها، ورجال الأمن هم وحدهم الذين يدركون متى ينبغي ذكر تفاصيل الجاني وجنسيته، ومتى ينبغي التكتم عليها، والصحافة المحلية هي مجرد ناقل لأخبار الجريمة، لا يمكنها الزيادة أو النقصان، ولا أعتقد أبداً أن صحافة الإمارات هي من ابتكر قصة «خليجي» أو «عربي» أو «آسيوي» الجنسية، فمثل هذه الأمور تعود إلى تقديرات رجال الشرطة، وخصوصية كل جريمةوطبيعتها وملابساتها، فعلى ماذا «يتفلسف» المتفلسفون؟

كنا في فترة من الفترات «نسخر» من الأفلام الهندية وحبكتها، ولكننا أدركنا اليوم أن المخرجين الهنود أكثر تفهماً وثقافة وانفتاحاً منا، ففي كثير من الأفلام يكتشف ضابط الشرطة في نهاية الفيلم أن زعيم العصابة الذي يلاحقه ما هو إلا شقيقه، لكنه يلقي القبض عليه ويسلمه للعدالة، وهذا هو الأساس.. العدالة فوق الجميع، وفوق الجنسيات، ولا تزر وازرة وزر أخرى، فإن كان المتهم «مواطناً» فإن شعب الإمارات غني بالنماذج الصالحة المثقفة الطيبة، وإن كان هناك نصاب مصري أو سوري أو هندي، فإن هناك عشرات الملايين من هذه الجنسيات هم من الراقين و«عيال أكابر»، فما الإساءة في ذكر جنسية متهم تسبب بنفسه في الإضرار بنفسه؟ 

أتمنى من هواة «التصيد» الساعين إلى «تسطيح» القضايا، وإبعادها عن مسارها الحقيقي إلى زوايا ضيقة لا تعكس إلا ضيق مبتدعيها، أن ينهوا مسلسل الجنسيات في الجرائم، فالمذنب يبقى مذنباً مهما كانت جنسيته، و«من كان بلا خطيئة فليرمنا بحجر»! 

reyami@emaratalyoum.com 

الأكثر مشاركة