درويش.. خسارة الشـعر والحياة وفلسطين


 
حمل الراحل محمود درويش الشعب الفلسطيني في شعره وروحه إلى أصقاع الأرض، ولم يتعب، فقد كان يلم شمل الشعب العربي في قصيدته، وحاز من المعرفة ما شكل ذاكرة جديدة تتحرك في مشهده الشعري، تحرك في المساحات الضيقة ليتسع الفضاء في قصائده، وصف الاحتلال بأنه يقيم في دبابة، لم يجزئ الوطن ولم يهادن في موقفه. قال «حين ننام يحرسنا الشهداء..»، نام الآن زيتونة فلسطين بعد أن حلّق 67 عاما مع عصافير الجليل يتفقد الوطن شارعاً وقرية ومدينة ومخيماً، تقف الكلمات كلها الآن أمام نعشه، وقلبه الكبير الذي خذله في غرف العمليات، ليعيد إلينا قلبه الآخر، والسري، الموجود في شعره ونثره ومقالاته وما قال. ترجل درويش كأي فارس عن حصانه ليتركه وحيدا للحياة، طالما انه يمثل الحياة، وترك لنا ما يمكن أن يمثل استمرارنا، ترك مشروعه الشعري والإبداعي والإنساني عنوانا نفتخر به، شاعرا حملنا إلى الجماليات، والى مهام جديدة وجميلة للشعر. 

 

لم يكن خبر رحيل الشاعر العربي الكبير والمجدد في الشعر العربي المعاصر محمود درويش خبرا عاديا يمكن المرور عليه أو تلقيه ببساطة، بل شكل صدمة لن تمر بسهولة على قراء الشعر الحديث الذي كرسه الراحل درويش وشكل منه جمهورا لا يقف إلا في أمسياته، فصالات وقاعات وأمسيات الشعر تشهد لواحد من ابرز الشعراء، فقد أكد الراحل أن للشعر جمهورا..

 

 بل وجمهورا كبيرا، يقف أمام القصيدة ووقعها الحسي والفعلي والجمالي، الشاعر الذي اختار أبجدية مختلفة وعناصر كيمياء القصيدة التي يكتبها من عصارة الحزن والمنفى ليخلق الفرح ويعيد للحياة هيبتها ضد احتلال عنصري وكريه، فدرويش مثل النضال العربي والإنساني والكوني في قصائده، وكان مشروعا شعريا مكتملا رغم الرحيل الآن. الشعراء والكتاب، والقراء أيضا، ما زالوا تحت وطأة الحادثة، وقسوتها، وبعضهم تحدث لـ «الإمارات اليوم» عن الخسارة العظيمة، للشعر والحياة وفلسطين.  

 

حين تمرض الحياة
 الشاعر الإماراتي احمد العسم عبر عن مفاجأته وحزنه بفقد الشاعر العربي محمود درويش، وقال أن موت درويش مضاعف للآلام، انه موت الشاعر الرافض والقامة الشعرية الكبيرة وأضاف «كلنا تلاميذ مدرسته، اثر فينا الموت، وموته بمثابة موت شجرة، لكنه لم يمت لأنه باق فينا.كنت أتمنى لقاءه ومصافحته، لكنني صافحته من خلال الجلوس بعيدا في أمسياته، شعرت بالآلام لأن المرض خصوصا مرض الشاعر خطير، فالشاعر يبحث عن الحياة، وإذا مرض تمرض الحياة»، وختم العسم «افتقد درويش الشاعر والإنسان كثيرا، واعزي نفسي بفقده».

 

الشعر ابن المستقبل
وعاد التشكيلي السوري، طلال المعلا مع الشاعر الراحل درويش إلى شبابه حين استذكر مقطعا من شعره العاطفي والإنساني «شيء مؤلم، لم يبق لدينا بعد درويش أي عمود من الأعمدة، وفاته تشكل سكتة للذاكرة، أول الشعر الذي استمتعت به للراحل حين كنت شابا، وحين سمعت خبر الوفاة قفزت إلى ذهني مقاطع من قصائده الأولى، مازالت من تلك اللحظة حتى اليوم عالقة في ذهني، درويش علمنا معنى أن يكون الفن خارج المباشرة، وان يكون الشعر ابن المستقبل».

 

فقدان الراحل درويش بالنسبة للكثير سيمكّنه من الإقامة من جديد، كما يرى  المعلا «اعتقد انه سيكبر أكثر في ذاكرة الثقافة، خصوصا انه صاحب مشروع ثقافي عربي، اذكر انه ساهم في الوقوف خلف عدد من المجلات التي كان يشرف عليها وكان مؤثرا، وصاحب رؤية شكلت مثقفا واقفا خلف المتاريس تجاه كل المتغيرات التي حاولت أن تأكل الإبداع»، الشاعر درويش رسخ حالة مختلفة من الشعر في الوجدان العربي «كان حاضرا في الواقع الذي يوازي الإبداع، والواقع الذي يحمل كل يوم وقائع النضال الفلسطيني، خرج درويش وقت الانقسام الفلسطيني ليوحد في كلمته الوطن والشعب».

 

وأضاف التشكيلي المعلا «علاقتي مع الراحل درويش هي علاقة مع الحياة، كانت دلالاتها أكثر بنائية مما يمكن مراجعته الآن، وسيبقى حقلا شعريا للشعر العربي لعقود وقد يتجاوز ذلك إلى قرون، كون الكلمة التي قالها في شعره كانت تحاكي الأحاسيس والمشاعر والتحرر والاشتغال على الإنسان الذي يسعى إلى الحرية، وسيشكل غياب درويش نوعا من التحطيم لأنه خارج حدود الشعر والجغرافيا وكونه لم يسترخ يوما على كرسي اثناء أمسياته بقميصه الأزرق السماوي».

 

وقال المعلا «أنشأ درويش مشروع شعر جمالي للعرب، حمل رسائل الإنسان العربي، رحم الله الشاعر».

 

شخصية لن تتكرر
 الشاعرة الإماراتية الهنوف محمد عبرت عن حزنها الشديد لرحيل درويش، وقالت ان «موته خسارة لنا جميعا، أصبت بالحزن الشديد حين سمعت خبر وفاته، فهو قامة كبيرة، أسست للشعر العربي الحديث، وهو شخصية لن تتكرر في حياتنا، عرباً ومثقفين وشعراء، حيث كان متفردا دائما وراصدا للوجع الفلسطيني والعربي في قصائده، بل للحياة والإنسانية حين اختصر الكون في قصائده».

 

 شعر أقل
واكتفى المسرحي والناقد السوداني الدكتور يوسف عيدابي بالقول «شعراً أقل .. شعراً أقل .. شعرا أقل .. حزن أعم .. حزن أعم .. حزن أعم».

 

حُفر في وعينا
ورأى الشاعر الفلسطيني عمر شبانة أنه لا يوجد كلام في غياب شاعر بمكانة محمود درويش «شاعر صنع تجربة كبيرة خلال خمسة عقود، صنع تجربة متميزة على صعيد الوطن والحب والحياة بشكل عام، وظل إلى آخر لحظة يواجه ويصارع الموت،  ليس الموت الوجودي بل الموت الحقيقي في الشعر، وبالتالي فإن شاعرا بمكانة درويش لن يموت وسيبقى لأنه من القامات الشامخة في الشعر العربي، فمنذ المتنبي لم يعرف الشعر العربي شاعرا مثل درويش».

 

وعاد شبانة ليؤكد «درويش تجربة غنية أثرت في الكثير من الشعراء أبناء جيلي، كما أن تجربته أثرت تجربتنا ووعينا للشعر والقضية، وكان من أوائل شعراء المقاومة، الذين قرأنا لهم، البداية التي كانت مؤثرة وجارحة، وحفرت في وعينا وبشكل عميق، حتى آخر كتاب (أثر الفراشة) هذه الكتابة المبسطة والهادئة التي تجمع المسائل الإنسانية والرائعة». وتساءل شبانة كيف يمكن أن نتحدث عن تجربة عمرها خمسون عاما بهذه اللحظة السريعة؟ وكم سنة تحتاج فلسطين لتنتج وتصنع شاعرا مثل درويش، نحن على قدر كبير من الحزن والألم، وستكون الحياة الثقافية الفلسطينية والعربية مختلفة بعد غياب درويش».

 

لم أتخيل أنه رحل
ووصف الشاعر الإماراتي إبراهيم الملا رحيل الشاعر محمود درويش بأنه خسارة كبيرة في الوطن العربي وقال «خسرنا قامة كبيرة تغيب في فترة نحتاج فيها للشعر، وفقدان درويش خسارة للشعر العربي، كل ديوان له كان بمثابة موسم وعيد، والآن خسرنا هذه الأعياد الشعرية، فهو شاعر كان ينتمي للأرض والأم، والوطن، وخلق وطنا متخيلا للإنسان الفلسطيني». وأضاف الملا الذي يعيش صدمة رحيل الشاعر درويش «الخسارة مضاعفة عند الفلسطينيين، الخبر كان بمثابة صدمة، وأنا لم أتخيل انه رحل، لم نكن ننتظر منه أن يرحل في هذه المرحلة وهذا الوقت، كان الراحل منتصرا على الانشقاق الذي يعانيه الإخوة في فلسطين، في شعره وتجربته التي تجمع الشعب الفلسطيني والعربي». 

 

نقاء النوع
ولفتت الناقدة والكاتبة الإماراتية الدكتورة آمنة ذيبان إلى أن رحيل درويش يمثل حالة «خسارة كبيرة للمشهد الأدبي بشقيه الإيقاعي النثري، والقصيدة التفعيلية، وهو غياب لغير صالح المنتج الشعري بشقيه النوعي والكمي، فقصيدة درويش هي نقاء النوع».    


عابرون في كلام عابر
أيها المارّون بين الكلمات العابرة آن ان تنصرفوا ولتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا آن ان تنصرفوا  ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا فلنا في ارضنا ما نعمل ولنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الاول ولنا الحاضر،والحاضر ، والمستقبل ولنا الدنيا هنا...و الآخرة  فاخرجوا من ارضنا من برنا.. من بحرنا من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا من كل شيء، واخرجوا  من ذكريات الذاكرة ايها المارون بين الكلمات العابرة! من قصيدة للشاعر الراحل  


لم أعد بعد
«يشترط الإسرائيليون عليك لزيارة الجليل شروطاً أخجل من أن أذكرها لك». هذا ما قاله لي صديقي الكاتب «إميل حبيبي» الذي لم يكن يعلم بأنه سوف يقضي بعد سنتين، وبأن دفنه سوف يعطيني فرصة حزينة لفرحة قصيرة في ربوع فلسطين. يومها أعطوني تصريحاً بالإقامة ثلاثة أيام كي أؤبن صديقي الراحل وألاقي بيت أمي. يومها أكلتني نار العودة وقلت: من هنا خرجت وإلى هنا أعود.

 

ثم رأيت كيف يستطيع الإنسان أن يولد مرة ثانية. لم يكن ينقصني شيء في نوبة هذه الولادة الجديدة كي أحقق موتي الموعود. ولكني كنت أعلم بأن الحقيقة التي تعرّت من الأسطورة لاتزال بحاجة للماضي وبأن التحرر من الأسطورة لايزال بحاجة للمستقبل. أما الحاضر فلم يكن إلا زيارة قصيرة يعود بعدها الزائر كي يرحل نحو توازنه الصعب بين منفى مكره عليه ووطن بأمس الحاجة إليه. هنا لا يعارض المنفى الوطن، ولا يكون الوطن عكس المنفى. لم أعد بعد، والطريق لما تنته بعد كي أعلن عن بداية الرحلة .من مقالة للشاعر الراحل   

 

غداً يدفن.. في رام الله
قالت مصادر في السلطة الوطنية  الفلسطينية امس، ان جنازة وطنية ستقام غدا الأربعاء للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، قبل دفنه في رام الله. وسيشارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء فلسطين سلام فياض في الجنازة التي من المتوقع ان تكون الاضخم منذ وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في نوفمبر .2004 وقال احمد عبدالرحمن مستشار عباس ان «الجثمان سيصل غدا صباحا الى الاردن، حيث سيقام له حفل وداعي قبل نقله بمروحية اردنية الى رام الله، حيث الحفل الرسمي سيكون في المقاطعة (مقر السلطة) قبل الدفن».

 

ومن المتوقع ان يدفن درويش، وهو احد كبار الشعراء في العالم العربي، على مقربة من قصر الثقافة في ارض مطلة على مدينة القدس، وقالت مصادر ان السلطة الفلسطينية طبعت اكثر من خمسة آلاف علم عليها صورة درويش لكي يتم توزيعها خلال التشييع. وقال وزير الخارجية في السلطة رياض المالكي ان درويش المولود في قرية البروة في الجليل سيدفن في رام الله «تبعا لوصيته»، واكد «عدم الطلب من اسرائيل السماح» بدفنه في مسقط رأسه الذي دمر بشكل تام خلال حرب عام .1948 وكانت مجموعة من اصدقاء الشاعر من جنسيات عربية مختلفة، وجهت نداء الى محبيه، خصوصا الفلسطينيين للعمل حتى يوارى الراحل الكبير في مسقط رأسه في الجليل الذي «ملأ قصائده بعطر اللوز والزيتون».    رام الله ــ أ. ف. ب 

 

وزير الثقافة يعزي
بعث وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع عبدالرحمن محمد العويس برقية تعزية بوفاة الشاعر الكبير محمود درويش إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعرب فيها عن خالص تعازي الأسرة الثقافية في دولة الإمارات كتابا وشعراء. وجاء في البرقية «لقد تلقينا بعميق الحزن وبالغ التأثر رحيل الشاعر الكبير محمود درويش، أحد أبرز المعالم الثقافية المعاصرة، وإنني إذ أتوجه باسم الأسرة الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة، كتاباً وشعراء، لشعبكم الصابر وللأسرة الثقافية العربية عامة والفلسطينية خاصة بأحر التعازي والمواساة، فإننا لن ننسى في هذه المناسبة الأليمة إنجازاته وإبداعه مذ كان شاعرا مبشرا بالحرية في وطنه وسجنه، وداعية أمل في منفاه، ورسولا للقضية الفلسطينية العادلة في عودته، وشاعرا كونيا مبدعا أضفى على قضيته أبعادها الإنسانية، لقد كرس محمود درويش حياته لشعره وكرس شعره لقضيته، وكما قال في شعره «أنا لست لي فهو  إرث انساني». ب أبوظبي ــ وام 


«يا أهل  لبنان الوداعا» 
 لا ارض تـحـتـي كـي اموت كـما اشـــاء ولا سمــاء حولـي شـكرا لـكل مــسدس غطى رحـيلي بـالارز وبـالـزهور وكان يـبكـي او يزغرد مـا اسـتطـاعـا اليوم اكملت الرسالـة فانشرونـي ان اردتـم فـي القبائـل توبـة او ذكريات او شـراعـا  الــيوم اكـماـت الـرســالـة فــيكم فلتطـفـئـوا لـهـبـي اذا شـئـتـم عن الـدنـيا وان شــئــتم فزيدوه اندلاعا حـملـت روحي فـوق ايـديـكـم فراشات وجــسمي نرجـسـا فــيـكم وموتي اندفــاعا يا اهل لــبنان الوداعا هـذا دمـي يااهل لـبـنان ارسمـوه قـمرا علـى لـيل العرب هذا دمي دمكم خذوه ووزعوه شــجرا على رمل الـعرب هذا خروج اصابعي من كـفـكــم هذا فطـام قـصـيـدتي فلتكتبوه وترا على طرب العرب هـذا غــبار طـريـقـنا فـلترفـعـوه لهمو حـصونــا او قلاعـــا او ذراعا يا اهل لـبنان الوداعا سيــجـيئكم مـطـر ويغسـل ما تـركـت على شوارعكم من الكلمات يطرد ما تركت على نوافذكـم من الشهوات يمحو ما لمست من الصنوبر في جبـالكم وينسيكـم فتى كـسر الهواء على موائدكـم قليلا او اضاع ايديكم سنة وضـاعا يا اهل لبنـان الوداعا من قصيدة «مديح الظل العالي» 


«تُصبح على وطن»
عندما يذهب الشهداء الى النوم أصحو  وأحرسهم من هواة الرِّثاء  أقول لهم  تصبحون على وطن  من سحابٍ ومن شجرٍ  من سراب وماء  أهنئُهُم بالسلامةِ من حادثِ المُستحيل  ومن قيمة المذبح الفائضة  وأسرقُ وقتَا لكي يسرقوني من الوقتِ  هل كُلُنا شهداء؟من قصيدة «عندما يذهب الشهداء إلى النوم» 

تويتر