يمكننا محاربة الفساد..

 

تضم الإمارات شركات عقارية ضخمة، تربّعت على عرش صدارة هذه النوعية من الشركات عالمياً، فأصبحت تملك من رؤوس الأموال، والمشروعات العالمية ما لا يملكها شبيه لها من أقرانها، ولا شك أن نموّ هذه الشركات بسرعة شديدة، وتحقيقها أرباحاً عالية أوصلها إلى قمّة شركات العالم، جعلها من دون شك تحقق إيجابيات عالمية، وتعاني أيضاً من بعض السلبيات، التي تعاني منها معظم شركات العالم في كل مكان.

شركاتنا العقارية تضم آلاف الموظفين، والإداريين والقياديين من مختلف الجنسيات، طبعاً ليسوا كلهم ملائكة، ومخلصين، وأهلاً للثقة، كما أنهم ليسوا جميعهم فاسدين ومرتشين وضعاف نفوس.  وفي الآونة الأخيرة، كثر الحديث، والقيل والقال، عن وجود شبهات للفساد بين شرائح العاملين في هذا القطاع، وهذا وارد وجائز، ليس فقط في الشركات العقارية، وإنما في أي دائرة أو جهة تحتوي على عميل وموظف ومصلحة متبادلة.. ضعاف النفوس موجودون، وبعض أصحاب المال من المستثمرين مستعدون للدفع، والجو مهيأ لسقوط النفس البشرية.

لن نناقش أسباب وجود موظفين فاسدين في الشركات العقارية، فهذا أمر لا يمكن تحديد مسبّباته لأنها كثيرة، ترتبط في الغالب بشخصية الإنسان، وثوابته ومرتكزات المعتقدات التي يؤمن بها، كما ترتبط ببيئة العمل المحيطة.. إضافة إلى ارتباطها بطريقة عمل الرقابة في الشركات، وكيفية فرض أساليب إدارية تقلل من إمكانية التلاعب والفساد.

 لن أناقش الأسباب كما ذكرت فهي عديدة، لكن دعونا نناقش كيفية وأد هذا الفساد قبل انتشاره، مع ملاحظة أن الموضوع في الإمارات مازال في بدايته، ولم يستشرِ بطريقة «سرطانية» معقدة، كما هي الحال في كثير من دول العالم المتحضرة والمتخلفة، والمتطورة والنامية، مازلنا الأفضل في التعاملات المالية، وثقة المستثمرين في مشروعاتنا وشركاتنا مازالت قوية، ولا يشوبها ظهور حالات فردية من المتلاعبين وقابلي الرشوة.. أعتقد أن أول أساليب الحل يجب أن يكون في أنظمة العمل، خصوصاً في ما يتعلق بأمور الرقابة والمحاسبة، إضافة إلى تحديد أساليب وطرق واضحة في عمليات البيع، فهي للأسف مازالت غامضة في معظم الشركات، وهنا تحديداً تنتشر فئات صغار الموظفين «الفاسدين»، وإيجاد آليات واضحة للبيع، لا شك أنها ستغلق الباب أمام هؤلاء الصغار للتلاعب في مواضيع مثل تفضيل فلان على غيره، وحجب شقق ومشروعات لإظهارها لاحقاً لمن يدفع أكثر!!

وبعد مراجعة الأنظمة الحالية بما فيها من ثغرات يتسلّل منها الفاسدون، يجب أن تكون الخطوة التالية هي الشفافية والوضوح، والتعامل بحزم مع من يثبت تورّطه في قضايا من هذا النوع مهما كان منصبه، وأعتقد جازماً أن إعلان أي شركة كبيرة عن حزمها ضد فرد أو مجموعة من المتورّطين في قضايا رشوة أو فساد، صغيرة كانت أم كبيرة، لا شك أنها خطوة إيجابية، تضيف الكثير إلى رصيد الشركة، وتزيد بدرجة كبيرة ثقة المستثمرين والمتعاملين معها، وليس العكس كما يظن الكثير من المسؤولين عن هذه الشركات، الذين يتّبعون أسلوب التكتيم والتستر، حتى لا يؤثر ذلك في سمعة الشركة وفق اعتقادهم.. لن نستطيع اجتثاث الفساد من قلوب المفسدين هذا صحيح، ولكن يمكن بالتأكيد محاصرتهم، ومحاربتهم، وتقليل الفرص المناسبة لهم من خلال الرقابة والنظام والشفافية.  
 
 

الأكثر مشاركة