«ستارة» الشارقة تُشعل منافسات مسرح الشباب
|
|
«الستارة» كشفت عن طاقات مسرحية في شباب «الشارقة الوطني». تصوير : أسامة أبو غانم
انبهار عالٍ سيطر على حضور ومتابعي ثاني عروض مهرجان دبي لمسرح الشباب، في دورته الثانية، التي تنظمها هيئة الثقافة والفنون في دبي، في ندوة الثقافة والعلوم، وتستمر حتى الـ20 من الشهر الجاري، جعلهم غير مصدقين بأنهم أمام عمل لمخرج إماراتي شاب يخوض غمار الإخراج للمرة الأولى هو حمد عبدالرزاق، بعد أن قدم مسرحية تجريبية لمسرح الشارقة الوطني بعنوان «الستارة» أجاد خلالها استخدام أدواته بحرفية شديدة، إلى الدرجة التي جعلت مؤلف النص المسرحي يصرح «لم أقرأ نصي بالشكل الصحيح إلا معكم الآن خلف خشبة المسرح»، الأمر الذي أيده أحد الحضور وهو الفنان محمد غباشي الذي قال أثناء الندوة التطبيقية : «قرأت النص سابقاً، لكن ما شاهدته خلال العرض يبدو شديد الاختلاف عما قرأته سابقاً».
حمد عبدالرزاق نفسه لم يكن يتوقع ردة الفعل الإيجابية للعمل وهو ما لمسته «الإمارات اليوم» في اتصال هاتفي معه قبيل أيام من العرض لذلك كان عبدالرزاق المستاء الوحيد ربما من تواتر الإشادة بمجمل الجهد المبذول في المسرحية خلال الندوة التطبيقية التي أعقبت عرض المسرحية والتي صرح في نهايتها: «استيائي مبعثه أنني كنت أطمح في الاستفادة من وجود كل هذا الكم من النقاد والإعلاميين والفنانين في تصحيح أخطائي للاستفادة من ملاحظاتكم في تجربتي المقبلة».
وأثّر تواضع عرض مسرح الفجيرة القومي مسرحية «العزبة» في اليوم الأول للمهرجان بالإيجاب في «الستارة» التي جاءت بمثابة بداية حقيقية للعروض القوية، وأشعلت المنافسات بين عروض المهرجان وبمجرد أن تمت إزاحة ستارة مسرح ندوة الثقافة والعلوم، مساء أول من أمس، عاش الحضور نحو 40 دقيقة من التأمل والمتعة الشديدتين خلال متابعتهم لمسرحية الستارة التي اختار مؤلفها اللغة العربية الفصحى أداة وحيدة للحوار بلغة سهلة بعيدة عن التعقيد، وتم تجسيد أحداثها من خلال أربعة شخوص غُيِّبت عن أدوارهم المسميات، وأدى الدور الرئيس فيها الفنان أحمد ناصر بينما قام كل من رائد الدالاتي وعبدالرحمن حمادي وعثمان عبيد بأدوار مساعدة.
تساؤلات وطرح عبدالرزاق من خلال بطل «الستارة» المحوري تساؤلات مبطنة حول الحرية وحدودها ومشروعية الثورة على السائد من أجل نيلها وتبدل الأدوار وتغير العلاقات التي تربط كل منا بنسيجه الاجتماعي في لحظات الضعف والانهزام عنها في لحظات القوة والانتصار، وأثر تزييف الحقائق ورفع شعارات لا يؤمن بها او يطبقها الفرد أو القائد في مجتمع ما في جلب ويلات على كليهما في سياق دالٍ في بعض مواضعه على نظام العولمة وآثارها السياسية والاجتماعية.
من أجل ذلك لجأ عبدالرزاق إلى «الستارة» التي احتلت خلفية المسرح وبدت محركاً أساسياً للمسرحية بعدما تحولت حسب تعبير أحد الشخوص إلى «حائط صد يقيهم من الشرور» المتوقعة، وفي الوقت الذي كان يأمر قائد المجموعة الشخصية المحورية سائر الأفراد بضرورة الالتزام بقواعد حياتية كان يقوم هو بانتهاك تلك القواعد الأمر الذي جعلهم جميعاً ينقلبون عليه حين وصلته تهديدات خارجية عبر الهاتف ليعلنوا جميعاً تمزيقهم للستارة وتخليهم عنه تاركينه حائراً في تموضع كرسيه المفضل كعادته باكياً خلف صندوق كثير النتوءات أشبه بالتابوت في مشهد انتكاسي جنائزي خُتِمت به «الستارة» ليصرح أخيراً «اتركوني وارحلوا».
خلف «الستارة» وعلى الرغم من براعة الأداء الجسدي لأحمد ناصر ودقة مخارج حروفه وجودة حفظه لحوارات دوره باستثناء موقف بسيط شابه تلعثم لفظي وهو ما يرشحه بقوة لانتزاع جائزة أحسن ممثل دور أول فإن ثمة مجهوداً ملحوظاً لا يقل عن دور الكاتب والمخرج والمؤلف الرئيس في إنجاح عرض «الستارة» وهو الأداء الحرفي الراقي لمهندس الإضاءة عبدالله مسعود وقدرته على تتبع الحدث بشكل دقيق على الرغم من سرعة إيقاع الحركة التي سيطرت على الأحداث، فيما تجلت بشكل أكبر في المواقف الحوارية التي تم رصدها خيالات شديدة الوضوح على الستارة.
في الإطار ذاته حملت الندوة التطبيقية التي أدارها الزميل جمال آدم من جريدة البيان تفصيلات تحليلية مقتضبة حول «الستارة» التي رأى فيها المخرج المسرحي السوداني يحيى الحاج «إضافة جديدة للمسرح الإماراتي بعدما تمكن مخرجه من تقديم تجربة جيدة تصنف ضمن المسرح العبثي في الوقت الذي يجوز تصنيفه أيضاً ضمن المسرح التجريبي، وهو ما أعطاه مساحة لطرح كثير من التساؤلات المبطنة من قبيل النص على «ثورة الدجاج على الديك» على حد التعبير الذي جرى على لسان أحد الشخوص، فضلاً عن الكثير من الأطروحات الفلسفية غير المباشرة، ما أكسب العمل مزيداً من الثراء عبر تعدد تأويلاته».
و أثنى الفنان عبدالله بن لندن أيضاً على حلول المخرج وتمكنه من أدواته على الرغم من كونها التجربة الأولى له مشيداً في الوقت نفسه بثراء النص ودقة الأداء التمثيلي لأسرة «الستارة»، فيما أبدى المخرج السوري عبدالله إسماعيل تحفظاً على عدم استغلال المخرج مساحة كوميدية أتاحها أحد المواقف المسرحية ذاهباً إلى أن الاشتغال على تلك المساحة كان من شأنه أن يضيف تنوعاً إيجابياً للعرض، وهو ما تصدى له المؤلف بأنه تعمّد أن يكون نصه بعيداً عن الكوميديا مضيفاً: «لم تكن «الستارة» تحتمل اللجوء إلى الكوميديا ولو أردت الاستفادة من مقومات هذا الجنس المسرحي لكان لزاماً أن يتم إدخال الكثير من التعديلات على النص والإيعاز بتغيير الممثلين أيضا».
المؤلف: المخرج فكّ رموز كتاباتي قال مؤلف مسرحية «الستارة» الكاتب أحمد الماجد إن المخرج الشاب حمد عبدالرزاق استطاع أن يفكّ رموز نصه ويحيله شخوصاً تجري على خشبة المسرح ببراعة شديدة ، مضيفاً : «ترددت كثيراً في الموافقة على طلب عبدالرزاق النص ليقوم بإخراجه نظراً لحداثة تجربته، لا سيما وأنني عرضته على عدد من الأسماء الكبيرة في عالم الإخراج بعدما فاز بجائزة أحسن تأليف التي نظمتها جمعية المسرحيين في الإمارات العام الماضي»، واشار الماجد الى أن التعديلات التي تم إجراؤها على النص تمت باتفاق تام بين كليهما لمقتضيات فنية.
المخرج: «الستارة» ليست عبثيّة أكد مخرج «الستارة» حمد عبدالرزاق أنه غير مقتنع بإدراج مسرحيته الأولى في نطاق المسرح العبثي، وأنه يرى أن تصنيفها ضمن إطار المسرح التجريبي هو الأكثر مناسبة لها من وجهة نظره.
وقال حمد إنه حاول في تجربته الاستفادة من المخزون الإخراجي الذي استمده من مشاهداته لتجارب العديد من المخرجين الإماراتيين المعاصرين مضيفاً : «سعيت إلى إنجاز مسرحية مختلفة عبر فريق عمل مثالي لم يدّخر أي منهم جهداً في الخروج بـ«الستارة» على نحو مشرِّف لمسرح الشارقة الوطني».
دقيقتان ليحيى الحاج
اضطر مدير الندوة التطبيقية التي تلت العرض الزميل جمال آدم إلى تحديد مداخلة المخرج والناقد المسرحي السوداني يحيى الحاج بدقيقتين فقط على سبيل المداعبة الغامزة نظراً لما اشتهر به الحاج من مداخلات نقدية متشعبة ومطولة، وهو تنويه حدّ من مساحة مداخلات الحاج الزمنية بعدما تسبب في إطالة ندوة اليوم الأول للمهرجان التي أُسندت إدارتها له لأكثر من ساعة معظمها ذهب في عرض مفاهيم نظرية بعيدة عن المسرحية موضع المناقشة.
عرض اليوم
يعرض مسرح دبي الشعبي اليوم الأربعاء في التاسعة مساءً ضمن عروض الدورة الثانية لمهرجان دبي لمسرح الشباب في ندوة الثقافة والعلوم بالممزر مسرحية «زمان اليوم» تأليف جاسم الخراز وإخراج حمد الحمادي.
|