آلاف الفلسطينيين شاركوا في تشييع جثمان محمود درويش. أ.ب
ودّع عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، أمس، جثمان الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، بالدموع والزهور وقصائده التي كانت تبث في رام الله ومختلف المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، قبل أن يوارى الثرى في قبره الذي يقع على ربوة مطلة على القدس، قريبة من المكان الذي ألقى فيه آخر قصائده الجديدة «لاعب النرد» و«محطة قطار سقط عن الخريطة» في يوليو الماضي.
وتحولت مراسم جنازة الشاعر درويش (67 عاماً)، الى ما يشبه مؤتمراً شعبياً ورسمياً عبر الكلمات التي دعت الى مواصلة النضال والابداع والوحدة الوطنية لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. درويش شاعر العروبة والانسانية، الذي مثلت القضية الفلسطينية مركزاً مشعاً في ثنايا قصائده، عبر عن الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني، وصاغ رؤية شعب في ابداعاته الشعرية والنثرية، وهو الذي كتب وثيقة الاستقلال.
وكان جثمان الشاعر الكبير نقل من الولايات المتحدة بطائرة إماراتية، الى مطار ماركا في عمان، حيث ودّعه أصدقاؤه ومن بينهم الفنان مارسيل خليفة والشعراء طاهر رياض وزهير أبو شايب ويوسف عبدالعزيز والدكتور خالد الكركي والناشر ماهر الكيالي ومحبّوه، قبل أن يصل الى مدينة رام الله المحتلة بطائرة هليكوبتر أردنية، حيث كان في استقباله عشرات الآلاف من المشيّعين.
وكان درويش قد توفي يوم السبت الماضي نتيجة مضاعفات عقب جراحة في القلب أجريت له بمستشفى في هيوستن بولاية تكساس الأميركية.
وكان في استقبال نعش درويش المغطى بالورود والعلم الفلسطيني الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعشرات من المسؤولين وكبار الشخصيات لدى وصوله الى المقر الرئاسي في رام الله. حمل ثمانية أفراد النعش من الطائرة الهليكوبتر عبر الساحة بينما عزفت الموسيقى العسكرية.
وقالت النائبة الفلسطينية حنان عشراوي إن هذه خسارة للصوت الفلسطيني والرؤية الفلسطينية وان الفلسطينيين كانوا يشعرون انه مادام هناك محمود درويش سيبقى الخير والأمل وإمكانية الخلاص.
وحملت عربة نعش درويش أمام الآلاف من المشيعين متجهة الى ضريحه على بعد أربعة كيلومترات. وتجمع الفلسطينيون في الساحة الرئيسة لرام الله لتوديع الشاعر الفلسطيني الكبير.
وبدأت بلدية رام الله منذ يوم الإثنين الماضي في إعداد الموقع الذي أقيم فيه ضريح درويش ويدفن فيه الشاعر الفلسطيني الكبير على ربوة بجوار قصر ثقافة رام الله.
وأقيمت لدرويش جنازة شبيهة بالمراسم الرسمية والتكريم الذي صاحب الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى مثواه الاخير. وجنازة درويش في رام الله أول جنازة رسمية تقيمها السلطة الفلسطينية منذ جنازة عرفات عام .2004
وخلال ثلاثة ايام من الحداد الوطني على الشاعر الفلسطيني الكبير علقت صور درويش في شوارع رام الله الى جانب مقولته الشهيرة «على هذه الارض ما يستحق الحياة».
وكان درويش قد جعل من رام الله داراً له منذ عودته في التسعينات الى الضفة بعد بقائه في المنفى سنوات طويلة.
وترجمت قصائد درويش الذي نال الكثير من الجوائز وكان شاهداً على الشتات الفلسطيني وضياع الوطن الى اكثر من 20 لغة كما ترجم العديد من دواوينه الى العبرية وان حظرت رسالته الوطنية في الدولة اليهودية كما ألغيت سريعاً خطة لعام 2000 بتدريس أشعاره في المدارس الإسرائيلية. وقال رجل الاعمال الفلسطيني محمد سقف الحيط وهو يقف في الموقع الذي سيدفن فيه درويش «إنه لم يمت لأنه خلّف وراءه إرثاً من الشعر إنه باقٍ في قلوبنا».
وفي قطاع غزة قال محمود الزهار وهو قيادي بحماس «لا شك ان محمود درويش استطاع ان يعبر بشعره الكثير من الحواجز النفسية، وان يعبر الكثير من الحواجز الجغرافية».
وأضاف «درويش استطاع ان يكسر بشعره الكثير من الممنوعات بين المحتل والرجل الذي يقاوم المحتل. محمود درويش سيبقى علامة من العلامات الثقافية والادبية الفلسطينية التي يجب ان تأخذ حقها من الدراسة والتقويم حتى تستطيع الحركة الثقافية الفلسطينية ان تبني عليها وان تتقدم وأن ترسخ لمفاهيم أكثر عمقاً».
وعمّ الحزن كل فلسطين لوفاة درويش. وقالت منة علي وهي مدرسة في غزة لرويترز «درويش هو رمز لفلسطين. رجل مليء بالحب والوطنية والعاطفة».
واضافت «بكيت كما لم أبكِ من قبل، وسأبكي في كل مرة أقرأ أو أتذكر فيها قصيدة من قصائده العظيمة».
ولد درويش في البروة التي دمرها الاحتلال الاسرائيلي، وسجنته اسرائيل مرات عدة لنشاطه السياسي.
وسافر درويش عام 1971 للاتحاد السوفياتي السابق ثم تبعتها سنوات منفى قضاها في القاهرة وبيروت وتونس وباريس.
وخلال سنواته في الخارج وصل الى موقع مرموق في منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة عرفات وعاد الى الضفة في التسعينات. ثم استقال من المنظمة عام 1993 بعد وقت قصير من توقيع عرفات وإسرائيل اتفاقات أوسلو المؤقتة.
ويقول أصدقاء درويش إنه عارض «أوسلو» لأنها لا ترقى الى مطالب الشعب الفلسطيني بانسحاب اسرائيل من كل الاراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 وبحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
أثناء حفل تأبين في نادي الصحافة تصوير: مصطفى قاسمي
مؤسسة محمد بن راشد تســــــــــــــــتعد لتأبين الشاعر الكبير
روضة السويدي ــ دبي
قال مدير إدارة النشر في مؤسسة محمد بن راشد، علي سيف الشعالي«إن رحيل الشاعر محمود درويش خسارة كبيرة للثقافة العربية قبل الشعر العربي، واللغة العربية قد خسرت كذلك بفقدانها الشاعر محمود درويش»، وأضاف «نحن في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم نبذل قصارى جهدنا لتنظيم تأبين للشاعر العظيم محمود درويش، في القريب العاجل، وبالطريقة التي تليق بمقامه». وتوافد مثقفون وإعلاميون في نادي دبي للصحافة، أول من أمس، لحفل تأبين الشاعر الكبير محمود درويش، أحد رواد الشعر العربي الحديث والمعاصر، والمدافع عن وطنه فلسطين، الذي وافته المنية مساء السبت الماضي في مدينة هيوستن الأميركية، إثر عملية هي الثالثة في القلب. بدأ حفل التأبين بعرض شريط عن حياته وشعره، وبعدها كلمة للمديرة التنفيذية لنادي دبي للصحافة مريم بن فهد التي ذكرت فيها أن نادي دبي للصحافة يشاطر الأمة العربية وجمهور شعره في جميع أنحاء العالم الحزن، بفقدان أحد أبرز رموز الأدب العربي. كما ألقى المتباري في مسابقة أمير الشعراء عبدالله العريمي كلمة باسم 35 شاعراً في المسابقة، وقال إن «موت كل شاعر ينقص منسوب الجمال في الأرض فكيف إذا كان الشاعر هو محمود درويش». واختتم التأبين الشاعر الإماراتي كريم معتوق بمرثية بعنوان «جدار لجدارية درويش».
وقال القنصل الفلسطيني سليم أبوسلطان لـ«الإمارات اليوم» إن «فارس الكلمة ولد في بلدة البروة وتم تهجيره قسراً بسبب الاحتلال إلى لبنان، ثم عاد إلى فلسطين، ليجد بلدته يسكنها المحتلون، فعاد لاجئاً من لبنان إلى لاجئ في بلده فلسطين».
وقال الشاعر علي جعفر العلاق «انتاب الشعر العربي قشعريرة لفقده الشاعر العظيم محمود درويش، ولا أظن أنه سيتعافى من هذا الجرح الذي لن يلتئم بسهولة، وسيفتقد عنصراً من الحيوية، حيث إنه جمع جميع عناصر الحداثة في شعره إيماناً بقضية موطنه فلسطين وعبر عن هذا الألم بكل رقي».
واضاف ان «الإنسان لا يملك إلا أن يقف مرتبكاً وحزيناً بحزن غير عادي لهذا الشاعر الكبير، الشاعر الذي لا يمكن أن توفيه حقه بمجرد كلمات في مرثية. ولا أي لغة تستطيع أن تعبر عما أحسست به لحظة إعلامي بالخبر المحزن».
وقال الشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم عن وفاة درويش «ما مات من ألقى قصيدته ومات، فمحمود درويش ترك هذا التراث الشعري العربي المليء بفلسطين، فهو حي في ما كتب، والأجيال ستبقى تردد قصائده الجميلة».
ويرى أمير الشعراء كريم معتوق أن «محمود درويش يحتاج إلى عمل يليق بمقامه من إعداد مجموعة من الشعراء والكتّاب، لأنه الشاعر المدهش الذي كان قادراً على العطاء اليومي في الشعر العربي الحديث، والذي كان قادراً على التغيير».
وقال «غاب الرمز، والآن أصبح الشعر العربي يتيماً».
عدد من أصدقاء درويش بينهم مارسيل خليفة وماهر الكيالي يودعونه في مطار ماركا في عمّان. أ.ف.ب
والدة الشاعر الراحل تبكيه ا.ب
شموع في مصر
القاهرة ــ د.ب.أ
أضاء نحو 250 شاعراً وروائياً وفناناً مصرياً شموع وفاء للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش مساء أول من أمس، في ساحة بيت الهراوي وبيت زينت خاتون في القاهرة الإسلامية خلف الأزهر الشريف.
وتميز جيل الشباب بين الحضور حيث إن غالبية الشعراء الذين حضروا ينتمون إلى جيل الشباب بين شعراء الفصحى والعامية وكان أبرزهم مدير تحرير صحيفة «البديل» اليسارية الشاعر ياسر الزيات والشاعر ياسر عبداللطيف والشاعرة السورية لينا الطيبي والفنانة محسنة توفيق والروائي سعيد الكفراوي وعدد كبير من المثقفين المصريين.
وتوقفوا جميعاً أمام صورة ضخمة للشاعر الراحل علقت على مدخل بيت الهراوي بارتفاع تجاوز الخمسة أمتار.
وأقيمت الأمسية تحت عنوان «محمود درويش.. حضور الغياب» على اسم آخر كتاب نثري نشره الراحل قبل عامين. ثم اتجه الحضور إلى بيت الهراوي الذي امتلأ تماماً بهم ليستمعوا إلى معزوفات موسيقية قام بتأديتها عازف العود العراقي نصير شمة.
|