«حق الليلة» عادة وليست عبادة
ما يسمى بحق الليلة أي ليلة النصف من شعبان التي يحتفل فيها المسلمون صغارهم وكبارهم كل بحسب مفهومه وطريقته الخاصة، فالرجال والنساء يحييونها بالذكر والشكر، عملا بما ورد فيها من آثار وأخبار كحديث «يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا المشرك أو المشاحن» وفي رواية «أو قاتل نفس».
وفي حديث آخر: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر». وهي أحاديث رويت من طرق عدة يشد بعضها بعضا، حكم جمع من المحدثين على مجموعها بالصحة، وهي مندرجة على القول بضعفها فردا فردا في الضعيف المعمول به، لكون الضعف ليس شديدا، بل هو ضعف منجبر ولذلك صححها من صححها.
فينتهز المسلمون هذه النفحة الربانية بناء على ذلك؛ فيقومون بما يقدرون عليه من الطاعة والذكر، وهذا من حرصهم على الخير، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: «خمس ليال لا يرد فيهن الدعاء: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتي العيدين» وروي من حديث أبي أمامة عند البيهقي في الشعب والديلمي في مسند الفردوس «خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الجمعة وليلة الفطر وليلة النحر»، وهذه الموقوفات إن صح سندها لها حكم الرفع لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: «وبلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان»، قال: «وبلغنا أن ابن عمر كان يحيي ليلة جمع، وليلة جمع هي ليلة العيد؛ لأن في صبحها النحر» كما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3/.319
فلذلك يحرص المسلمون على إحيائها بالذكر والشكر والطاعة لله تعالى لهذه الآثار والأخبار الصالحة.
أمّا الصغار في كل بلد تقريبا فلهم نهج آخر في إحيائها بما يعرف في دول الخليج عامة والإمارات خاصة بـ«حق الليلة» يخرجون فيها ويمرحون ويمرون على البيوت فيأنسون بهم ويكرمونهم ويفرحونهم بما تيسر من النقد، ولا يلزم أن يكونوا محتاجين، ولكنها عادة سارية يتبارون في إحيائها، ليجدوا لذة السمر وطيب الأنس، ولا مانع من ذلك.
أولا: لأنهم لا يفعلون ذلك عبادة بل عادة، وثانيا: لأنهم غالبا أطفال لم يجر عليهم قلم التكليف، وقد جرت عادتهم بما ينفع ولا يضر، والعادة التي لا ضير فيها لا حرج منها، كما أنهم بذلك يتربون على معاني شرعية و إيمانية يعقلون بعد كبرهم أن لهذه الليلة شأنا آخر غير ما كانوا عليه، فيغتنمون فرصتها بالطاعة كما كان يفعل آباؤهم، وما يكون فيه تربية خلقية أو إيمانية لا مانع من فعله إذا حسنت النية. والله تعالى أعلم.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news