القرارات الخاطئة.. تاريخ مـن الندم والـــــــتعلّم

هل ينفع الندم على القرارات الشخصية الخاطئة؟ لوحة للفنان إميلي بيوري سورسل. 

 
حين يجلس المرء مع ذاته يُراجع إنجازاته، يحاسب نفسه على أخطائه، يعود بالسنين الى الوراء ويقيّم قراراته، يجد كثيراً من القرارات الصائبة مقابل كثير من القرارات الخاطئة التي يندم عليها ويتمنى ان يعود به الزمن الى الوراء كي يغير ويبدل بها. ومع ان «غلطة الشاطر بألف»، كما يقال، الا ان للأخطاء البشرية تاريخاً وذاكرة، وغالباً ما يتم التعلم عن طريق المحاولة التي تتضمن اخطاء. 
ولكن التفكير في القرارات الخاطئة يشعرنا بالندم احياناً، وبخيبة الامل حيناً، وبالتالي اما ان تكون دافعاً للبدء من جديد وبعزم، او تؤدي الى الاحباط واليأس.

تقول المواطنة الاماراتية زهرة محمد: «لم اكن اعرف ان قراري دراسة ادارة الاعمال في الجامعة سيكلفني ثمناً باهظاً، تمثل في ضياع ثلاث سنوات من حياتي». وهذه العبارة التي اختارتها تعبير عن ندمها الشديد على الخطأ الذي ارتكبته بهذا القرار، وكذلك على مدى تأثير هذا القرار سلباً في حياتها. 
بدأت زهرة دراستها الجامعية عام 2002، في كلية ادارة الاعمال، وقد اخذت فترة طويلة حتى اكتشفت عدم مناسبة هذا الاختصاص لشخصيتها وطموحاتها، فبعد ان شارفت على انهاء العام الدراسي الثاني قررت ترك الجامعة. وتقول: «شارفت على انهاء العام الدراسي الثاني، وكنت من الطالبات المتفوقات، لكني شعرت بأنه ليس مجال العمل الذي ارغب به. تركت الجامعة وأخبرت اهلي بقراري. حاول كل من حولي من الاهل والاصدقاء اقناعي بعدم صواب الخطوة التي اقدمت عليها، الا انني كنت مقتنعة بأنه القرار الصائب الذي اتخذته؛ لاني وجدت طموحي في دراسة الاعلام». 

وتتابع «لم يشجعني والدي على دخول مجال الاعلام رغم انه اعلامي؛ لانه اعتبر هذا المجال بيئة  تشتمل على كثير من المتاعب. وهذا ما دفعني الى المكوث في المنزل سنة من دون ان  اسجل في الجامعة في أي اختصاص، الامر الذي دفع بوالدي الى الطلب مني الاسراع في اختيار الاختصاص الذي سأدرسه. لذا سجلت في دراسة الاعلام». 

وتؤكد زهرة ان «قراري الخاطئ كلفني ثلاث سنوات من حياتي، الامر الذي دفعني الى البدء في حياتي المهنية قبل ان أتخرج لاني شعرت بأنني اضعت الكثير من حياتي وعليّ البدء بخطوات سريعة». 

تبديل العمل
ماري، سورية الجنسية، لم تعرف الندم الا بعد ان اتخذت قرار السفر، اذ لم تجد فرصة عمل تناسب اختصاصها، فلم يؤمن لها الماجستير الذي حصلت عليه في مجال علم النفس فرصة لفتح عيادة في دبي، كما فعلت في موطنها، ما دفعها الى تغيير مجال عملها. وتقول في هذا الصدد: «أعمل اليوم في مجال العلاقات العامة، لكنني اعتبر قرار دخولي هذا المجال، كان من اكثر القرارات الخاطئة التي أندم عليها؛ لانه لم يؤثر في حياتي المهنية فحسب، بل ايضاً اثر في حياتي الشخصية». 

وتردف: «ليس بوسعي فعل شيء، فقد بحثت عن المردود المادي، ولهذا كان من الصعب ان اعود عن قراري، لكن في المقابل هناك كثير من الامور التي خسرتها، اذ يمكنني القول ان عملي في هذا المجال اثر في حياتي الخاصة بطريقة واضحة، فبات عملي يحتل المرتبة الاولى في حياتي، حتى انني بدأت ألاحظ انني في كثير من الاحيان اضع الاولية لعملي حين يصل الامر الى اتخاذ قرار الارتباط. وطبعاً هذا مؤثر ومؤلم ولكن لم يعد بيدي وسيلة لتجنب ذلك». 

وتعتقد ماري ان ندمها لن يفيد بشيء، لان العودة عن هذا القرار الخاطئ ليس بالامر البسيط، فهذا يتطلب وقتاً طويلاً، اذ «لا يمكنني العودة الى بلدي قبل سبع سنوات،  كي اتمكن من تحقيق انجاز يعوّض خسارتي». 

التعلّم من الخطأ 
اما هبة نور الدين، لبنانية، فتعود بسجل حياتها لترى ما اتخذته من قرارات خاطئة، فترى انه ليس هناك من اخطاء تؤدي الى الندم. وتقول: «إن عاد أي منا الى الزمن الماضي واسترجع كثيراً من محطات حياته سيجد اخطاء كثيرة، لكنها مفيدة احياناً لان الانسان لا يتعلم الا من كيسه»، على حد تعبيرها. 

وتتابع هبة: «حين اعود بالذاكرة الى الوراء، اكتشف ان هناك اكثر من قرار كان  خاطئاً في حياتي، ولكنه افادني على المدى البعيد، فعلى سبيل المثال حين تركت عملي في مجال التدريب في الفنادق، حيث كنت اعمل في فندق «فينيسيا» في بيروت، وأتيت الى دبي وعملت في مجال العلاقات العامة، اعتبرت ان هذا القرار لم يكن صائباً في ذاك الوقت. اما اليوم فأراه بدأ يؤثر ايجاباً في حياتي، لذا يجب الا نندم على أي قرار اتخذناه، فمهما كانت نتائجه سلبية لابد ان نتعلم منه شيئاً».

قرار السفر 
من جهته، لا يرى يوسف الفيل في قرار سفره أي شيء من الصواب، اذ يعتقد ان اتخاذ قرار كهذا لم يعد عليه سوى بالفائدة المادية، التي وإن امنت له متطلبات الحياة فهي غير قادرة على التعويض عن البعد عن الاهل والاصدقاء، لذا يرى ان هذا القرار لم يكن صائباً من اكثر من جهة. لكنه لا ينكر انه يشعر احياناً بالندم. ويستدرك قائلاً إن «العودة عن مثل هذا القرار باتت صعبة اليوم، ما يعني اني بحاجة الى الاستمرار في ما اقدمت عليه لاني اسست لحياة جديدة، والعودة تعني البدء من لا شيء».
ويتابع يوسف: «هناك اكثر من خطوة اتخذتها في حياتي ندمت عليها، ومنها تفضيل الوظيفة على مكتب الاستثمارات الذي كنت املكه في وطني سورية، لاني اعتقد ان هذا القرار كان ناتجاً عن عدم القدرة على الصبر، ولو كنت تابعت مسيرتي في مجال الاستثمارات لما ندمت ابداً». 
 
استشارة 
«من المفترض ان يفكر الانسان جلياً ويتأنّى ويحسب خطواته جيداً قبل ان يتخذ أي قرار مهم في حياته»، هذا ما نصح به الطبيب الاستشاري في الطب النفسي، علي الحرجان، حين بدأ بالحديث عن القرارات الخاطئة، لافتاً الى «وجوب استشارة الآخرين والاختصاصيين وأصحاب الخبرة، وكذلك الاهل والاصدقاء قبل ان يتخذ المرء قراراً مهماً في حياته. وبعد استنفاد مصادر الاستشارة يمكن ان يتخذ المرء قراراته». 

ويربط وجوب استنفاد المصادر بمسألة ذات اهمية وهي ان هذا التصرف يبعد المرء عن الندم في حال كان قراره خاطئاً، فلن يشعر بالحاجة الى معاقبة الذات، كما يشعر مَن لا يستشير من حوله ويتخذ قراراته بمفرده. 

إن الانسان ليس معصوماً عن الخطأ، وبالتالي فإن التعامل مع القرارات الخاطئة يجب ان يكون بالاعتراف بها على مبدأ الاعتراف بالخطأ فضيلة. وبهذا الصدد يؤكد الدكتور الحرجان «ليس هناك شخص لا يخطئ، لذا يجب ان يعترف كل منا بخطئه دون ان يعاقب نفسه، كي يتجنب الآثار السلبية الناجمة عن القرارات الخاطئة، كالاكتئاب والهروب والامراض العقلية، أي بما معناه الابتعاد عن معالجة الخطأ بخطأ». 

أما من جهة التعامل مع هذه القرارات حين نفكر فيها، فينصح الحرجان بوجوب «وضع التفسير الملائم؛ لانه من المستحيل نسيان الماضي، وبالتالي فإن تفسير الخطأ يبعدنا عن الندم واليأس».
 
 أخطاء المراهقين  
 يقول الطبيب الاستشاري في الطب النفسي، علي الحرجان، بخصوص ارتكاب الخطأ في عمر محدد: «لا يمكننا محاسبة انفسنا على ارتكاب الاخطاء، في عمر المراهقة، اذ يكون المرء في فترة الاستكشاف والتعرف إلى الحياة، وتكون الاخطاء نتيجة عدم معرفة ونقصان خبرة ليس اكثر». ولهذا ينصح بالتعاطي مع المراهقين على طريقة الارشاد والتعليم.  
 
تويتر