مطلوب إعادة النظر!
«الحركة التصحيحية» التي تقوم بها دبي حالياً لمكافحة الفساد، في عدد من القطاعات المالية والعقارية والمؤسسات العامة والخاصة، جاءت في وقت مناسب جداً قبل استفحال الظاهرة، وانتشارها، وقبل أن يسعى البعض لتحويل التعاملات «المشبوهة»، إلى أعراف سائدة، وبالتالي يختلط الحلال بالممنوع، وتختلط المفاهيم والأفكار، وتصبح الرشوة «عمولة»، والفساد ذكاءً وشطارة.
مكافحة الفساد الذي بدأ يطرأ على موظفين، نظراً لتوافر بيئة مناسبة له خصوصاً في القطاعات الحديثة البعيدة نسبياً عن الرقابة، أمر حيوي مهم للحفاظ على سمعة الدولة، ومكانتها ومكتسباتها الاقتصادية والمالية، فالفساد كما يعرف الجميع ينخر في اقتصاد أي دولة، ويعطي الحقوق لمن لا يستحقّها، ويجلب مستثمرين من نوعيات نحن في غنى عنها، بينما يبتعد الجادون المفيدون وتتلطّخ سمعة الدولة إقليمياً وعالمياً.
وحتى نضمن مكافحة حقيقية للفساد والفاسدين، يجب علينا الآن أن نسعى جاهدين للعمل في اتجاهات عدة، الاتجاه الأول القضاء على مسبّبات الفساد، وهذا يتطلب معالجة حالية، طويلة الأمد، لتنظيف بيئة العمل في القطاعات المشبوهة، من خلال الرقابة ومحاسبة المتورّطين، وحتى المتسبّبين في تسهيل إيجاد بيئة فاسدة، وأقصد بعض المسؤولين الذين تسبّبوا بحسن نية في وجود موظفين صغار فاسدين، وذلك لأنهم ساهموا في إعطائهم صلاحيات مالية واسعة، والانشغال عنهم بمشروعات أخرى من دون مراقبتهم أوالإشراف عليهم، وبذلك وجد هؤلاء الفرصة متاحة لهم لتكوين ملايين طائلة في ظرف زمني قصير، وبالطبع «المال السايب يعلّم السرقة»!!
أمّا الاتجاه الثاني الذي يجب أن نسعى لترميمه فهو القضاء على الفكر السائد لدى كثير من العاملين من مختلف الجنسيات في هذه القطاعات، وإيضاح اللبس الحاصل بين مفهوم «العمولة» المشروعة قانوناً، وبين «الرشوة» و«العمولة» المشبوهة.. يجب التفريق بين تسهيل العمل، واختيار أفضل الشركات لإدارة المشروعات، وبين إيجاد شركات «وهمية» أو بأسماء مقرّبين لأخذ نصيب الأسد في المشروعات التابعة للشركات التي يعملون بها، أعتقد أننا بحاجة إلى دورات مكثّفة للتفريق بين المسموح والممنوع لهؤلاء الموظفين، لأن الأمور مختلطة عليهم بشكل كبير، وسواء كان ذلك بحسن أو سوء نية، فإن الأمر سيّان!!
أعتقد أنه يجب إعادة النظر حتى في نظام «العمولة» الممنوحة لموظفي الشركات العقارية، خصوصاً أنه لا يوجد جهد حقيقي ملموس يستحق على إثره موظفو المبيعات والمديرون عمولات هائلة، فالمسألة لا تعدو كونها أراضي وفللاً، وشققاً سكنية عليها طلب لا يمكن حصره، فالمشترون يتزاحمون منذ ساعات الفجر الأولى، وعمليات البيع تتم في ساعات، من دون أي جهد إضافي، أو ترويج خارجي، فما وجه الحق في صرف عمولة مبيعات إضافة إلى رواتب مجزية!!
أما الاتجاه الثالث والمهم جداً، فهو إعادة النظر في كثير من الأنظمة والقوانين المعمول بها في الشركات العقارية، وإيجاد وسائل أكثر فاعلية للسيطرة والتحكّم والتدخّل، وبصراحة شديدة فإن معظم هذه الشركات تأسست وكبرت وتعملقت في فترات وجيزة، من دون أن يكون لها أساس، أو بنية تحتية قانونية أو وظيفية، وتسير الأمور فيها في معظم الأحيان، بالأوامر والمحاباة، من دون مراجع تنظيمية وقانونية، ومتى ما كان هذا الخلل موجوداً فالفساد يلقى طريقه بكل سهولة، وينتشر بسرعة شديدة، فهو في علاقة طردية مع الفوضى وعدم التنظيم.. reyami@emaratalyoum.com
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news