«من أين وإلى أين».. إضاءة إغــــــــريقية على المسرح

  «من أين وإلى أين».. تأثر بالثقافة السينمائية في لوحاته المسرحية.     تصوير: محمود الخطيب

 

وكأن المخرجة الإماراتية منال بن عمرو التي فازت العام السابق بجائزة أفضل إخراج قد استجابت مبكراً لتوصيات حضور الندوات التطبيقية الخاصة بعروض الدورة الثانية لمهرجان دبي لمسرح الشباب، بالبحث عن أفكار وأساليب مسرحية لا تنقصها عناصر الجدة والابتكار، لتقدم في عرض أول من أمس على مسرح ندوة الثقافة والعلوم في الممزر مسرحية «من أين وإلى أين» المستوحاة من الملحمة الإغريقية القديمة جلجامش في العرض المحسوب على مسرح الشباب للفنون، وأجمع حضور ندوته التطبيقية على أنه «مختلف» ويخفي وراءه مخرجة تتسلح بعنصر الجرأة في التجريب.

 

هذا الاختلاف المشار إليه جعل الآراء النقدية حول المسرحية التي جاءت الأقصر زمنياً، مقارنة بسائر الأعمال المقدمة في المهرجان حتى الآن تبدو شديدة الاختلاف والتباين أيضاً، ما بين إطراء بتفرّد الرؤية الإخراجية والمشهدية العالية والخيال الخصب الذي أثرى العمل من ناحية، واتهام بتسطيح الأسطورة بسبب الفقر الشديد في النص والتوظيف الخاطئ للديكور والاكسسوارات وتغليب الصورة على المضمون الحقيقي للعمل.

 

بدأت «من أين وإلى اين» التي أعدتها وأخرجتها بن عمرو، واعتمدت على جهود ممثلَين رئيسين يصعدان إلى خشبة المسرح لأول مرة، هما محمد نذير، وزينة حسين، بالإضافة إلى جوقة بشرية بمشهد لجثة بشرية مسجاة وملك باكٍ أمام خلفية الجوقة التي ارتدت ملابس مثيرة للرهبة توزّعت بين البياض والسواد، يعلن اثناءه الملك الباكي بأنه سيتحدى الموت، ويسعى للخلود، لأن «الملك يجب أن يصل إلى الحقيقة.. والخلود هو الحقيقة».

 

بعد هذه البداية المأساوية سارت المخرجة عكس المألوف، وراحت تبدّل في المشاهد، لتغيّر المساحة الخالية تماماً على المسرح إلى ما يشبه متنزهاً تحفّه أصوات البلابل والعصافير، على الرغم من ذلك تأتي عرافة إلى الملك ذاته وتخبره بأنه مهزوم لا محالة في سعيه للخلود، لتزيد الاعتماد على المؤثرات الصوتية التي أفلحت في جعلها مكمّلة للحدث المسرحي بدلاً من أن تتقاطع معه، ليفاجأ الجمهور بعدها بحركات أخرى على المسرح، ليتبدل الديكور مرة ثالثة مستعينة بلوحة ثرية بهيجة تضجّ حياة، ليكون المشهد الأخير من خلف ستار مسدل تتحرك خلفه المجاميع البشرية برقصات أشبه برقصات الموت على وقع ترنيمة حزينة، ليكون المشهد الأخير امرأة مسجاة هذه المرة، ويبكيها الملك ذاته وقد شابه الدهر.. في الوقت ذاته الذي تحيطه المجاميع البشرية التي بدت وكأنها جاءت لتؤكد له عملياً أن لا خلود في الأرض.

 

وسعت بن عمرو إلى الاستعاضة بجماليات بصرية عن الاختزال الشديد في النص، متأثرة بتجاربها في مجال إخراج الأفلام القصيرة، وكذلك باعتبارها فنانة تشكيلية أيضاً لها تجارب مشاركة في عدد من المعارض المحلية، الأمر الذي جعل الحوار بين شخوص العمل يبدو مبتوراً وشديد الاقتضاب؛ ما أدى إلى تشويش وصول رسالة «من اين وإلى أين» على المتلقي الذي فوجئ بعمل فلسفي يستعين ايضاً بلوحات راقصة ومؤثرات من أجل طرح قضايا وجودية تتعلق بعلاقة الإنسان بالكون والحياة والموت، مستترة في الصراع الأسطوري في ملحمة جلجامش.

 

بعيداً عن المقارنة

 

الكاتب المسرحي الذي شارك أخيراً في كتابة سيناريو سينمائي هو «رمال عربية» عبدالجليل السعدي قال في الندوة الحوارية، إنه لم يجد استلهاما حقيقيا من ملحمة جلجامش، كما نوّهت المخرجة في الكتيب التعريفي للعمل بسبب عدم اشتغالها بجدية على عنصر الحوار، مضيفاً «لم نرَ استغلالاً حقيقياً من المخرجة للأدوات التي اختارت أن تشتغل بها مثل اللوحات الراقصة، ولم أرَ تبريراً في جعل ستة أفراد من المجاميع البشرية يرتدون زيّاً أسود اللون، وثلاثة فقط يرتدون الأبيض، على الرغم من أن هذه الاكسسوارات أضفت مساحة عالية من الحزن لم تكن في مصلحة وضوح قراءة المتلقي للعمل».

 

في السياق ذاته، قال عضو مجلس إدارة هيئة دبي للثقافة والفنون، عمر غباش، إنه يجب النأي بتجارب الشباب عن إشكاليات المقارنة مع أعمال المحترفين، موجهاً عتاباً لمن يطالبون الشباب بإنجاز أعمال تناطح السوية الفنية لأعمال يتم تقديمها في أيام الشارقة المسرحية، مضيفاً  «معظم الأعمال التي تقدم هنا هي بمثابة خطوة أولى، سواء للمخرج أو للممثل أو فني الإضاءة والديكور وكذا الإداري، وسائر عناصر العملية المسرحية، لذلك؛ في كل الأحوال هي تجارب مقدرة، ويجب الشد على أيدي صنّاعها، كما هو الشأن في مسرحية «من أين وإلى أين» التي حرصت مخرجتها على المشاركة في المهرجان للعام الثاني على التوالي».

 

وقال غباش إن بن عمرو نجحت في إيصال المغزى العام من ملحمة جلجامش في ضوء الإمكانات المتاحة لديها، وربما بأقل التكاليف المادية، وإن كانت هناك ملاحظات حول الاختزال الشديد في النص، لكنها قدمت ايضاً أول نموذج ربما في المهرجان للاكسسوارات غير الجاهزة التي صُممت خصوصاً لتخدم العرض باقتدار.

 

الفنان محمد غباشي أشار إلى أن العنوان وكذا البداية التي اختارتها المخرجة لإدخال المتلقي في الحدث أشرَّا لمشهدية عالية انتقصت من إبهارها أخطاء في توظيف المجاميع البشرية، والدفع بالعرَّافة في توقيتات وأساليب غير ذات مغزى، فضلاً عن توقيتات دخول تلك المجاميع وعدم تناسقها مع تغييرات الإضاءة، ووجود حركات على خشبة المسرح غير دالة، لكنه حرص على تأكيد أن ما أظهرته المخرجة ينمّ عن أنها مازالت تخفي الكثير من طاقتها المسرحي

 

تبادل الخبرات الشابة

 

مشاركة بعض شباب المسرحيين الإماراتيين في أعمال الندوة التطبيقية، وإدلاؤهم بآرائهم في أعمال نظرائهم ومناقشتها، أحد المكاسب المهمة للمهرجان الذي يقدم في هذا التوقيت بالذات خدمات جليلة للمسرح الإماراتي، في وقت أصبح فيه بالفعل فن الخشبة بحاجة لمزيد من الفعاليات التي تثري التجارب الوليدة، بعدما نالت التجارب الإخراجية في مجال صناعة الأفلام السينمائية والقصيرة بأنواعها الاهتمام الأكبر في السنوات الثلاث الأخيرة.

 

من هذا المنطلق يحرص على سبيل المثال الممثل الإماراتي الشاب طلال محمود، على الرغم من مشاركته في أحد الأعمال المسرحية بالمهرجان على تسجيل آرائه في كل مسرحية، ما يؤكد أن ثمار مهرجان مسرح الشباب ليس مجرد تقديم تسعة أعمال مسرحية أسهم في إنجازها نحو 90 مسرحياً يتنافسون على جوائزه، أو استفادة الشباب من الآراء النقدية التي تطرح في تقويم تجاربهم، بل أيضاً ذلك الحراك والنقاش وقبول الرأي والرأي الآخر وتبادل الخبرات بين شباب المسرحيين أنفسهم، سواء بشكل رسمي داخل الندوات، أو على هامش العروض خارج القاعة المسرحية، وكما تسهم المهرجانات المسرحية للمحترفين بمشروعات تعاون جديدة بينهم، سيفرز المهرجان بهذه الكيفية أيضاً اعمالا جديدة بين الشباب المشاركين في فعالياته أيضاً.


يحيى الحاج: عرض مشاكس

وعدت المخرجة منال بن عمرو حضور الندوة التطبيقية بأن تستفيد من الآراء النقدية التي طُرحت، مضيفة «تسبب سفري خلال هذا الصيف بضيق الفترة الزمنية المتاحة أمامي لإنجاز عمل أشارك به في هذا المهرجان، حيث لم يكن يفصل بيني وبينه سوى 20 يوماً فقط، استعنت بفريق من المبتدئين الذين يمارسون جميعاً العمل المسرحي للمرة الأولى، لذلك أعدكم بأن يكون عملي المقبل في مهرجان 2009 على سوية فنية أفضل» .

المخرجة: المهرجان المقبل موعدنا

اعتقلت الشرطة لصاً علق بفتحة المكيّف فى محاولة للاختباء بعد أن انتهى من سرقة متجر في مدينة الحديدة الساحلية غربي اليمن، كما أفاد تقرير أمني نشر امس. ووجدت الشرطة اللص البالغ من العمر 22 عاما عالقا في فتحة التكييف، وبحوزته 158 ألف ريال «نحو 790 دولاراً» سرقها من خزنة المتجر. وقال الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية اليمنية إن اللص كان محشورا في فتحة المكيف يتصبب عرقا عندما حضرت الشرطة لاعتقاله، وأضاف التقرير أن اللص اعترف أثناء التحقيق بجريمته.

 

تويتر