إلهاء.. وإقصاء

 

قبل أن يهل هلال رمضان تُفاجأ بهذا الكم المتزايد من التسابق الإعلاني على الطرقات، فتزدحم إعلانات المسلسلات الرمضانية بشكل غريب يكاد يسرق منك انتباهك للطريق، فتتوه حتى لا تكاد تخلو مساحة إعلانية من دعوة للترقب والانتظار، وكأن رمضان لن تكتمل أركانه إلا بهذا الغث وهذا الإلهاء للناس الذين يبدو كأن لا سلوان لهم في الشهر الفضيل إلا مشاهدة دراما فارغة وسوالف مكررة عربية أو خليجية تجرح الصيام وتتنافى مع أبسط أهداف قدسية الشهر المبارك.

 

نشعر أحياناً كأنما قُدّر لنا أن يتلازم صيامنا مع الإسفاف، وأن نكون في حالة جوع دائم لتزجية الوقت أمام كل هذا الترفيه المفرغ من معناه وقيمته.

من يفرض هذه المسلسلات علينا كجمهور ؟

من يحدد كمها ونوعها ؟

ومن يختار توقيتها ؟

 

كلها أسئلة مشروعة لمعرفة الدافع وراء هذا التفاعل المنفر بين شركات الإعلان والتسويق، وذاك المتلقي الذي يرفض أن يكون مستهدفاً وخاضعاً لسطوة المعلن، وعلى الرغم من أن كثيرين يقاطعون التلفاز خلال الشهر المبارك، فإن هناك في المقابل أجيالاً تنشأ وسط هذا الغث التلفزيوني والزخم من الانحدار والوهم بعيداً عن معايشة الواقع المليء بالتحديات والقضايا التي هي لشبابها أحوج في التصدي لما يراد لهذه الأمة من تغييب وانسحاب عبر قصص فارغة وأغانٍ هابطة.

 

هي ليست حكاية اختيار ، فأغلب الدراسات الإعلامية أكدت أن الإنسان يصبح مسلوب الإرادة أمام التلفاز لقدرته على جذب الانتباه الكامل له وتحويل مشاهديه إلى كائنات سلبية بلا قدرة على الرفض أو حتى الاعتراض على ما تشاهد.

 

حالة الإقصاء لكل ما هو ذو قيمة في احترام عقل الإنسان وإنسانيته تبدو أكثر وضوحاً عندما تقترن بحالة الإلهاء التي تمارسها الفضائيات بتعمد فج وأسلوب سلس، ولكن من دون هوادة. وقد تكون هناك بعض لمسات من برامج دينية ذراً للرماد ولكنها تضيع وسط هذا كله.

لرمضان قدسيته التي ترفض الفضائيات الاعتراف بها وتعتبره مجرد فرصة مواتية لجني مزيد من الربح على حساب وقت وعقل واحترام الصــائم.
 
 

hkshaer@dm.gov.ae

الأكثر مشاركة